الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 04 / مايو 01:01

إبراهيم جوهر من القدس: أدب المقاومة وبلعين وغسان

كل العرب
نُشر: 15/07/11 11:17,  حُتلن: 14:20

 إبراهيم جوهر:

بلعين المجد ، والتاريخ ، والصمود العنيد ، والمسيرة التي لم تتعب ....: جئتك اليوم لأقبس من موقدك المتأجج جمرة لفؤادي ،،، لعل روحك تسري في دمي

بلعين يا بلعين : لك مني السلام والمحبة ،لشبابك وصباياك ،لرجالك ونسائك . لكهولك ...لك أنت بكل ما فيك ومن فيك ، ومن آزرك وساندك وآمن بقضيتك العادلة

نحن باقون ما بقي الزعتر والزيتون ....بتنويعاتها وأوزانها وشراراتها وقشعريرتها الخاصة ، وآثار الدم المتدافع في العروق مع الكلمة واللحن والأفق المفتوح

أدب المقاومة ، مقاومة الأدب ، الأدب المقاوم ،المقاومة الأدبية ... أدخلني الصديق الشاعر (خالد محاميد ) دوامة المصطلح ، وأوقعني في تداعي المعاني وتقارب العناوين وتجاورها .
فمن ما زال يذكر المصطلح في لغة العصر الحديث المغلفة بورق الثقافة السائدة في منظمات الحقوق الشوهاء ، ومحافل المتعبين الساعين وراء قبض الأتعاب وغنائم أحد ؟!!!
لم تنته المعركة يا قوم ،،،فلا تنزلوا عن الجبل ، لا تنزلوا عن الجبل ،،،لا ، لا ، لا تنزلوا عن ...عن ...عن الجبل !!
في (بلعين ) التحدي والاستمرار ، والنصر والثقة بالذات الجمعية تغيب المصطلحات المتفذلكة ، وتتوارى اللغة الأكاديمية الباردة ...تتوارى في حمأة الحضور العجيب للقدرة البشرية على التحدي والمواصلة ومحاربة اليأس والقنوط ،،،فمن بلعين نتعلم الدرس . منها نفهم الدرس ، والمعاني الكامنة وراء المعاني ...نفهم معنى المعنى ، ونقف على ما وراء الكلمة ، وما وراء الموقف ...لأننا لا نرضى بغير حقنا .
هنا بلعين ، هنا البسالة والنموذج ، فلتغب مفردات التنظير إذا في حضرة أم الشهداء ، وحاضنة الأسرى ، وحامية الروح ؛ بلعين .

بلعين المجد ، والتاريخ ، والصمود العنيد ، والمسيرة التي لم تتعب ....: جئتك اليوم لأقبس من موقدك المتأجج جمرة لفؤادي ،،، لعل روحك تسري في دمي الذي خدّرته الوعود ، وأشغلته المنظمات التي ترفع يافطة المساعدة والتنمية والتوعية والتثقيف التي قتلت روحنا المتوثبة وتطوعنا حين اكتفينا وكفتنا برامج ترضي المموّل وتقزّم الذات والقدرات !!

في حضرة بلعين المجد الأصيل يغيب الكلام ويعتلي الفعل صهوة المقام . هنا كانوا ، من هنا مرّوا . هنا اختنقوا بالغاز السام والمياه الكريهة . هنا حلموا ، هنا أملوا ...هنا انتصروا ، هنا ضربوا المثل وعلّمونا كيف تكون المقاومة .
بلعين يا بلعين : لك مني السلام والمحبة ،لشبابك وصباياك ،لرجالك ونسائك . لكهولك ...لك أنت بكل ما فيك ومن فيك ، ومن آزرك وساندك وآمن بقضيتك العادلة , أولئك الذين دافعوا عن إنسانيتهم قبل أن يشاركوك هتافك ولقمتك وفرحتك .

المقاومة البلعينية في فلسطين ؛ أو المقاومة الفلسطينية في بلعين : أسلوب حديث على الساحة المحلية ، رغم امتداده منذ فجر التاريخ .إنه الصراع بين الحق والباطل ؛ الإيجابي والسلبي ؛ الحياة والموت .
ليست المقاومة السلمية سلبية المفهوم ، ولا مخملية الأداء ...ها هي الجموع المقاومة تعلي الصداح في ميادين التحرير :
سلمية ...سلمية ...وتتحمل البرد والقمع والدم والموت .
تحية لمقاومتك السلمية التي انتصرت على محاصري السلام ، يا بلعين .
تحية لروحك المقاومة التي انتصرت على ذل الانتظار العاجز ،
تحية ؟!! ما أرقّ الكلمة ! وأصغرها !
الآن أصبح لنا كتاب كتبته بلعين : اسمه مقاومة .
،،،،،،،،،،،

المقاومة في الأدب : أن تنحاز الى معنى الحرية ، وأن تعلي من شأن الذات المتحدية؛ الذات الجمعية ، في سبيل هدفك الأسمى .
أن تكتب عن الجدار ، وعن الفلاح ، والتلميذ وربة المنزل .؛ مقاومة .
أن تكتب للزمن القادم وتمدّ إليه خيوط روحك المنتظرة ؛ مقاومة .
أن تكتب عن الإنسان للإنسان ، مقاومة .
أن تكتب للزيتون وعن الزيتون ؛مقاومة .
المقاومة ليست بندقية ورصاصا فقط ...ولعلها لم تكن كذلك منذ التفت الشهيد المبدع (غسان كنفاني) الى هذا الأدب الجديد المحمّل بأنفاس التراب والناس والبحر والصمود والشمس والقهوة والأطفال ...
الأدب على الجبهة ، وفي الجبهة . خلف الناس ، ومعهم ، وأمامهم . ليس سهلا تحديد مكانه ، ولكن مكانته محددة معلومة ؛ إنه في المقدمة ؛ يحدو ، ويشدو ، ويدعو ، ويوثق . ينقل ويعبّر ويقول ؛ إنه الروح التي لا حركة بدونها . أرأيتم الشعارات ، والأهازيج والأغاني والمسرحيات ؟؟؟ القصص والروايات والشخصيات والفكر المنقول حيّا على الألسنة لينير وعي القارئ فيعلمه ويدفعه الى الفعل المقاوم .
الكلمة المقاومة فعل لا أكثر ولا أقل .
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
والفعل المقاوم يبدأ بالكلمة ، ترافقه وتحدو مسيرته ، وترسم آفاقه وتقف على أحلامه : تدغدغها ، تتأملها ، تحملها بين يديها ، تداعبها وهي تحلم بأن تكبر وتنمو وتتجذّر .
القيم العليا التي تشكل المنظومة الأخلاقية للإنسان ؛ وحملها والترويج لها ، وتقديم القدوة : فعل مقاوم ؛ أدب مقاوم ...كذا في المسرحية ، والأغنية والنشيد . في القصة والرواية والشريط .
وكم كان جارحا ، وفاضحا ، بقدر ما كان تحديا واثقا من روحه ومبتغاه ...موقف أولئك الشبان والشابات المتجمهرين أمام بوابة بيت استولى عليه ذراع الاحتلال المسمى (حارس أملاك الغائبين ) في يافا ؛ تجمهر الفريقان المتقابلان المتعاكسان ؛ المدافعون قبالة اللصوص الساطين على المنزل بقوة القوة ، وحضور الواقع ، وراح كل من الفريقين المتقابلين ينشد ؛ هم أنشدوا أناشيدهم المحفوظة التي كتبها كتابهم من ذوي الأيديولوجيا الصهيونية ، ولم يقابلهم ما يوازي ويردّ على الكلمة بالكلمة ، فما كان من الشبان والشابات إلا أن بدأوا بالغناء : (ادلّع يا عريس وعروستك نايلون ....!!) المهم أن نغني ونعلي الصوت ، هكذا قالت امتياز ذياب . لم نشأ الوقوف ساكتين عاجزين عن الفعل ؛ فعل الغناء والإنشاد ...

الهدف كان المقاومة . والمقاومة احتجاج ، ورفض ، وموقف . لم يخطر في البال سوى الكلمات الرائجة وقتها : ادلّع يا عريس وعروستك نايلون !! واليوم تصدح الأناشيد ذات القيم ، والإيقاع ، والمعنى ، والرسالة : نحن باقون ما بقي الزعتر والزيتون ....بتنويعاتها وأوزانها وشراراتها وقشعريرتها الخاصة ، وآثار الدم المتدافع في العروق مع الكلمة واللحن والأفق المفتوح على الجمال المشتهى .

،،،،،،،،،،،
غسان كنفاني ابن هذا الشعب الذي صاغ جزءا من ملحمته المقاومة بالكلمة والريشة والموقف . التقط شخصيات قصصه من الواقع ؛ من المخيم والقرية والغربة والمدرسة وحواري البلاد وأزقتها الضيقة ، لينقلهم الى لوحة الحياة والفعل والوعي بعد إطلاعهم /إطلاعنا على بؤس القعود مع المتخلفين عن السير في طريق الصباح والتغيير .
مرّ ناس غسان في ظروف الغربة والطريق الموحل وخيمة الذل الباكية ، فما العمل ؟ غسان قال ، وأشار ، ورمز ووارب الباب لندخل الى الساحة معجبين بذكاء اكتشافنا ، ومزوّدين بالثقة التي نحتاجها .
كان الهدف واضحا عنده ، وكانت الكلمة قادرة على التلوّن والتشكل لتخدمها فتقدمها بسحر فني خاص ـ لعل في كل قراءة لها اكتشافا جديدا لزاوية رؤية الكاتب ورؤياه .
كأنه يقول لنا : ثقوا بالناس . اصدقوا مع ذواتكم . توسّدوا تراب الأرض لتحسوا أنفاسها وتدفق دمها . قارنوا بين خيمة وخيمة لتجدوا الفرق بين الذل والعزة .
أو : قارنوا بين بلعين المقاومة التي قدمت سابقة انتصار الدم على السيف ، والثقة بالنصر على الجدار ...وغيرها ممن لم يقاوم .
...ليست المقاومة فعلا جامدا !! ولا فهما جامدا !!
إنها البسمة الساخرة الهازئة في وجه الجلاد ،
والكلمة الصادقة في وجه الحاكم الظالم في قاعة المحكمة ، وقاعة المكان . وكل مكان قاعة !!
وكل قاعة مكان !!
وكل المكان ، كان
وسيكون كما يراه المقاوم الواثق .
_____________________________ بلعين في 9/7/2011 م
نص الكلمة التي القيت في "مهرجان الأدب المقاوم"

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب.
لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان:alarab@alarab.co.il


 

مقالات متعلقة