الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 04 / مايو 07:02

سوزان أبو عطا تبدع بقلمها: من مذكرات شهيد

كل العرب
نُشر: 06/07/11 10:25,  حُتلن: 14:29

هُناكْ... عندَ البئرِ القديمْ
مَرّتْ مِن فوقِ رؤوسِنا سحابةٌ سوداءُ ملعونة،
وأمطرتْ موتاً بكلِّ الجهاتْ
امرأةٌ في العشرين قتُلتْ
تحومُ حولها الغربانُ... النسورُ... الذئابُ... اللصّوصُ
لتأكُلَ مِن جِسمِها الخريفيِّ الأزرقْ...

هذا المكانُ أزرقْ...
هذا الزمانُ أزرقْ...
هذا الوطنُ أزرقْ...

هذا الموتُ...
الشيطانُ ...
أزرقُ أزرقُ أزرقْ...

هناكَ عندَ البئرِ الأسودْ
تَفقدُ الشمسُ عُذريّتَها
يتساقطُ شعرُها الأشقرْ
تموتُ الأرضُ، يموتُ السروُّ
يموتُ اللوزُ والزعترْ
يموتُ القمحُ، الزيتونُ، والهدهدُ الذهبيُّ الأحمر،
يبصقُ البحرُ زُرقَتَهُ، أمواجَهُ، أصدافَهُ، أسماكَهُ
ذاكرتَهُ فُحولتَه،
حتى الدودُ لا يعيشُ هناكَ
سأفتحُ نافذتي على الريحِ وأركُض...


سقطَ شهيدٌ آخرْ...
قُتلَ رضيعٌ آخرْ...
ماتَ الحمامْ...
لا تصرخْ، لا تركضْ، لا تقفزْ، لا تهربْ، لا تسقطْ،
لا تبتعدْ، لا تقتربْ، لا تنظُرْ الى الوراءْ، لا تنظرْ الى الأمامِ
لا تسعلْ، لا تعوِ، لا تنبحْ،
فلا أحدَ يسمعُنا هنا سوى الموتْ ووكالاتِ الأنباءْ...!

سجِّل يا ولدي عددَ الشهداءِ
وأسماءهُم
ولونَ عيونِهم وشاماتهِم، وعددَ سلالاتِهم، ونسائِِهم
فشعوبُنا العربّية تحبُّ الأرقامَ القياسيَّةْ
وتنتظرُ أمامَ شاشاتِ التلفازِ ووسائل الاعلامِ
تقريرَ موتِنا...
وعددَ الذبائِحْ...

لا تبك على المريميّاتْ
فلا وقتَ للبكاءْ
ولا بكاءَ للوقتْ،
وإن قُطعتْ يدُكَ اليمنى سجِّل باليُسرى
وإن فقدتَها
أُكتُبْ بقدميكَ
وإن استشهدتَ في الحربِ يا ولدي، اكتُب بدمائِكَ أيضاً
ولا تخذلْ شعوبَنا العربيَّة...


أوقِفوا هذِه المسرحيةْ...
هذه المهزلةْ!!
أُخرُجوا من خلفِ الكواليسْ
فقد ماتَ البطلُ
ماتَ القمرُ...
خُذوا المخرجْ
كاتب السيناريو
الكومبارسْ
أَطفئُوا كاميرات التصويرِ والإضاءاتْ،
أَخرِجُوا طائراتَكُمِ الورقيَّةْ
صواريخَكُمِ الورقيَّة من سماءئِنا
اسحَبوا جيوشَكُمِ البربريّةَ من رحمِ نسائِنَا
خُذوا الماءْ، قناديلَ الزيتِ، وحقائبَ السَفرْ
خُذوا رائحةَ الخُبزِ والحَطَبْ
خُذُوا أصواتَنا، أسماءَنا، أجسادَنا، أرواحَنا
اقتَلِعُونا منَ الأرضِ إن استطعتُمْ
لا تصرخْ
لا تبك يا ولدي، لا أحدَ يسمَعُنا هنا سوى الموتْ ووكالاتِ الأنباءْ...

لا تخفْ منَ الموتِ
إذا لم تمت منَ الرصاصةِ الأولى
حتماً ستموتُ منَ الطلقةِ الثانيةْ، الثالثةْ، العاشرةْ بعدَ الألفِ
أو من قنابلِ الغازْ... الدبّاباتْ... الصواريخْ
لا تهرُبْ منَ الموتِ يا ولدي،
الموتُ آتٍ لا محالة وعلينا أن نفرشَ لهُ عظامَنا الحمراءْ
ليمشي عليها...

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب.
لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان:
alarab@alarab.co.il

مقالات متعلقة