الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 02 / مايو 17:02

عبد الباري عطوان: إنتصار طالبان درس لعرب أمريكا

كل العرب
نُشر: 25/06/11 09:32,  حُتلن: 09:43

عبد الباري عطوان في مقاله:

حركة طالبان تواصل تقدمها وتوسع رقعة نفوذها، بحيث صارت تسيطر على أكثر من ثلثي الأراضي الأفغانية حاليا

إعلان أوباما سحب 33 ألف جندي من قواته في أفغانستان في غضون عام هو اعتراف صريح بالهزيمة، ومحاولة يائسة لتقليص الخسائر

الرئيس أوباما اتخذ قرار سحب القوات الأمريكية من أفغانستان على وجه السرعة لأسباب داخلية وليس لانـــه أنجــز المهمة في أفغانستان

الإنتصار الأفغاني الطالباني هو درس للعرب، درس لعرب الناتو الذين يراهن بعضهم على تدخل حلف الناتو لإنقاذ ربيعهم، ودعم طموحاتهم الديمقراطية المشروعة

 

يقول الكاتب البريطاني الشهير جورج أورويل إن أقصر الطرق لإنهاء الحرب هو خسارتها ولذلك فإن إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما سحب 33 ألف جندي من قواته في أفغانستان في غضون عام هو اعتراف صريح بالهزيمة، ومحاولة يائسة لتقليص الخسائر. الرئيس أوباما الذي اعتبر إنجاز المهمة في أفغانستان هو قمة أولويات إدارته، وحدد ثلاثة أهداف لهذه المهمة في خطابه الذي أعلن فيه زيادة القوات الأمريكية في أفغانستان ثلاثين ألف جندي، الأول: بناء الأمة والدولة الأفغانية وتنصيب رئيس كفء في قمتها، وتعزيزها بمؤسسات منتخبة وتدريب قوات أمن على أسس حديثة. الثاني: محاربة تنظيم القاعدة. الثالث: وقف تقدم حركة طلبان عسكريا على الأرض.


معظم هذه الأهداف لم يتم تحقيقها. فالدولة الأفغانية موجودة فقط في ربع مدينة كابول العاصمة، والقوات الأمنية التي جرى إنفاق ما يقرب من ستة مليارات دولار على تدريبها لا تستطيع توفير الحماية لرئيس البلاد حامد كرزاي الذي يوكل هذه المهمة لقوات المارينز الأمريكية، تسعون في المئة من عناصرها مساطيل من إدمان المخدرات، أما حركة طالبان فتواصل تقدمها وتوسع رقعة نفوذها، بحيث صارت تسيطر على أكثر من ثلثي الأراضي الأفغانية حاليا.

تنظيم القاعدة
أما الحرب على تنظيم القاعدة فقد كانت في المكان الخطأ اذا وضعنا في اعتبارنا أنها ركن أساسي من أركان الحرب على الإرهاب، فوجود القاعدة في أفغانستان كان محدودا في السنوات الاخيرة، ومعظم مقاتليها إنتقلوا الى فروعها الأخرى في اليمن والصومال والمغرب الإسلامي والعراق، لأن حركة طالبان لم تعد بحاجة الى خدماتهم أولا ولأن مطاردة القوات الأمريكية لهم من خلال الطائرات بدون طيار في منطقة وزيرستان الحدودية، باتت تعطي نتائج عكسية لأنها تقتل مدنيين معظمهم من الأطفال، الأمر الذي دفع كرزاي الى التهديد بالإستقالة فورا إذا واصلت هذه الطائرات قتلها للأبرياء.
الرئيس أوباما اتخذ قرار سحب القوات الأمريكية من أفغانستان على وجه السرعة لأسباب داخلية وليس لانـــه أنجــز المهمة في أفغانستان، فهذه الحرب الى جانب نظيرتها في العراق كلفت أمريكا أكثر من تريليون دولار حتى الآن ككلفة إجمالية، وبمعدل سبعة مليارات دولار شــهريا في أفغانستان وحدها، والرأي العام الأمريكي بات يعارضها، ويمكن أن تتحول الى قضية محورية في إنتخابات الرئاسة التي تبدأ حملاتها رسميا في الخريف المقبل.

أسامة بن لادن
اغتيال الشيخ أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة قبل شهرين في مخبئه في بلدة ابوت اباد الباكستانية، والغموض الذي أحاط به، استخدم كذريعة لإعلان الإنسحاب من قبل إدارة أوباما، رغم الروايات العديدة التي تقول انه قد يكون اغتيل قبل أعوام، أو أنه جرى اعتقاله حيا وما زال يخضع للتحقيق، فقليلون يصدقون الرواية الأمريكية حول اغتياله ومن ثم إلقاء جثمانه في بحر العرب. وأحد المصورين البريطانيين الذي زار منزل بن لادن قال إنه لم يشهد أي علامة على إطلاق نار أو حدوث معارك داخل المنزل، ويرجح أن الرواية مفبركة، والا لماذا لم نسمع او نقرأ اي رواية أخرى محايدة أو مستقلة. إدارة الرئيس أوباما إعترفت أنها انخرطت في مفاوضات مع حركة طالبان بهدف اشراكها في الحكم في مرحلة ما بعد الإنسحاب، وكشف وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ عن اتصالات بريطانية مماثلة في هذا الاطار. ولكن الهدف الحقيقي ليس إشراك طالبان في الحكم، وانما تأمين انسحاب آمن لقوات حلف الناتو ومن ثم تسليمها الحكم.

دولة ديمقراطية
الحرب في أفغانستان التي استمرت عشر سنوات وبهدف حلق لحى الرجال الافغان، وتحرير المرأة، وإقامة دولة ديمقراطية حديثة، ستنتهي بتسليم البلاد مجددا الى حركة طالبان التي جاءت القوات الأمريكية للإطاحة بها، وإزالة حكمها من الوجود. فما الذي حدث بالضبط حتى تغير الإدارة الأمريكية رأيها وترفع الراية البيضاء استسلاما بهذه الطريقة المهينة والمذلة؟
إنها المقاومة، وعدم التسليم بالحلول الوسط، والاصرار على النصر مهما كلف الأمر من تضحيات، فحركة طالبان أعادت تجميع صفوفها، وحشد أكبر عدد ممكن من الأفغان في حربها لإخراج الإستعمار الغربي من أراضيها، والتفت حول قيادة متواضعة لا تظهر على شاشات التلفزة، وتبتعد كليا عن الاضواء، وتعيش على الخبز الجاف والشاي وبعض الارز مع خضار محلية مطبوخة بصلصة الطماطم.

الروايات الأمريكية
عملاء قوات الناتو في افغانستان الذين صدقوا الروايات الأمريكية حول الديمقراطية والرخاء وتحويل كابول الى سان فرانسيسكو بدأوا يبحثون عن مستقبل لهم في المنافي الغربية، أما مساطيل قوات الشرطة والجيش فاختار بعضهم أن يهرول للإنضمام الى قوات طالبـــان والقتـــال في صفوفها في مواجهة أعمامهم الغربيين الذين دربوهم وسلحوهم. لا نعرف ما الذي سيكون عليه مصير حامد كرزاي، وان كنا سنتكهن بانه سيعود الى الولايات المتحدة وطنه الثاني، وحامل جنسيته للاستمتاع بتقاعد مريح مدعوم بثروة مالية لا بأس بها، فأيامه في افغانستان باتت معدودة بالاضافة الى كونها محفوفة بالمخاطر.

الإنتصار الأفغاني الطالباني
هذا الإنتصار الأفغاني الطالباني هو درس للعرب، درس لعرب الناتو الذين يراهن بعضهم على تدخل حلف الناتو لإنقاذ ربيعهم، ودعم طموحاتهم الديمقراطية المشروعة (نحن مع الثورة وضد الإستعانة بالتدخل الأجنبي ومثلنا الأعلى الثورتان التونسية والمصرية)، مثلما هو درس للقيادة الفلسطينية وكل الذين يعارضون الكفاح المسلح، بل والعصيان المدني لتأمين استمرار الرواتب والحفاظ على بطاقات في.آي.بي. حركة طالبان، ونحن لسنا من المعجبين بإيديولوجيتها أو تطرفها الديني، قاتلت حلف الناتو بزعامة الولايات المتحدة ومشاركة قوات أكثر من ثلاثين دولة لمدة عشر سنوات دون كلل أو ملل، ولم يقل قائدها الملا عمر انه يقاوم الدولة الأعظم في التاريخ ولذلك من الصعب هزيمتها والإنتصار عليها بالتالي ولا بد من البحث عن حلول سلمية، بل قال انه سيقاتل حتى خروج آخر جندي أجنبي من أرضه.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر.
لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وصورة شخصية بحجم كبير وجودة عالية وعنوان الموضوع على العنوان: alarab@alarab.co.il

مقالات متعلقة