تساءل الكاتب عيسى قواسمي عن اذا كان هناك تصور ما حمله الراحل للمساهمة في حل القضية الفلسطينية ؟

الدكتور وائل ابو عرفة الشاعر والاديب روى صفحات من الفكر العربي والفلسطيني المضيء من خلال استعراض سريع ممتع ومشوق لسيرة المفكر الفلسطيني العربي العالمي د. هشام شرابي مستندا على كتابيه صور الماضي والجمر والرماد . وبهر ابوعرفة الحضور في برنامج " قراءة في كتاب" الذي ينظمه مقهى الكتاب الثقافي- المكتبة العلمية في القدس بالتعاون مع نادي الصحافة المقدسي، وادار الحوار محمد زحايكة رئيس نادي الصحافة المقدسي. بجمالية وعمق الومضات الفكرية والانسانية ومدى صدقها وشفافيتها والتصاقها بالواقع . ووصف ابو عرفة الراحل شرابي بأنه انسان غير عادي وفيلسوف كبير من المفكرين الذين اثرّوا في نمط تفكير الكثيرين ومنهم ابو عرفة شخصيا لسنوات طويلة. وتطرق الى كيفية تعرفه الغريبة على المفكر الكبير حيث التقاه في المرة الاولى في بهو فندق في بروكسل عاصمة بلجيكا عام 1998 والمرة الثانية في بهو فندق الاميركان كولوني عام 2001 في اشارة الى رحلة المنافي والشتات التي اكتوى بنارها المفكر العملاق.

التنظير والكتابة
واشار الى ابرز كتبه التي تركت بصمات واضحة على اجيال من المفكرين وهو مقدمات في دراسة المجتمع العربي الحديث .واعتبر ان هذين اللقائين معه كانا من اروع الاوقات التي شعر فيها بالرهبة والفخر والاعتزاز في الاستماع الى من تربينا على فكرهم المستنير. المطاردة والمنفى..؟وتتبع ابو عرفة ابرز محطات وتجارب حياة المفكر الكبير الغنية والمليئة بالنضال والمتاعب والحرمان من الاستقرار في وطنه فلسطين ومدينته يافا او حتى في البلدن العربية التي اعتبرها وطنه كذلك وتنقله بين بلدان العالم مطاردا منفيا منذ ان صدر عليه حكم بالاعدام في بيروت في منتصف القرن المنصرم على اثر اعدام المفكر العربي الكبير انطون سعادة وعودته الى بيروت وفلسطين بعد منع وغياب استمر 60 عاما امضى معظمها يدّرس في الجامعات الاميركية وخاصة جامعة جورج تاون . وقال ابو عرفة ان شرابي هو ثالث ثلاثة من المفكرين الفلسطينيين الى جانب ابراهيم ابو لغد وادوارد سعيد وانه تميز بوضع الفكر موضع التطبيق ولم يكتف بالتنظير والكتابة بل حّول النظرية الى ممارسة على ارض الواقع ، لدرجة ان الشاعر الكبير ادونيس قال ان شرابي لم يتخلف عن المشاركة في اية مظاهرة تضامنا مع الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الاخرى. الوطن في داخله ..واضاف ان الراحل الذي ولد عام 1926 ارتكزت حياته على عدة مناطق هي يافا مسقط رأسه وعكا التي امضى فيها الجزء الاكبر من طفولته ورام الله حيث تعلم في مدرسة الفرندز وبيروت حيث درس الفلسفة في الجامعة الامريكية واندمج في الفكر والفلسفة والنضال. وانه رغم هجرته القسرية كان الوطن يعيش في داخله وكان هو يعيش داخل الوطن فقد كانت هجرته طلبا للعلم وليس بحثا عن المجد وحاول مرارا العودة الى الوطن فلسطين او الى اي من الدول العربية الاخرى الا انه كان يمنع من تحقيق رغبته تلك ..!

اطروحات صموئيل هنغتون
وهو يصف ذلك بلغته الادبية البارعة " غادرت الوطن لكني فعليا لم اهاجر، لاني أبقيت جذوري مغروسة في ارضه ، كلما أغمضت عينّي يخيل الي أني اتنشق عبير الورد في عكا واشم رائحة الزعتر في سوق الغرب وعاليه او أقطف عنب اخر الموسم في رام الله. وكلما لمحت شاطئ البحر في فيرجينيا يتحول كل ما يحيط بي، ماء البحر ورمال الشاطئ والافق البعيد والهواء المشبع برائحة البحر الى صور واحاسيس تذكرني بشاطئ يافا وعكا وبيروت" نبوءة ..!ونوه ابو عرفة الى علاقة الراحل شرابي بفكر الحزب القومي الاجتماعي السوري الذي يؤمن بوحدة بلاد الشام وحوض النيل والمغرب العربي والخليج العربي كأربع كتل رئيسية يتشكل منها الوطن العربي وكيف انه كتب في علم الاجتماع ونشوء الامم بعد فترة انقطاع منذ ابن خلدون ونبوءته حول العلاقة الحضارية بين الاسلام والمسيحية في القرن الحادي والعشرين وكأنه يرد على اطروحات صموئيل هنغتون قبل 54 عاما من ادعاءاته بنهاية الحضارة ..!

تأثير المفكر الكبير
وتعرية شرابي للطائفية ودعوته الى الفكر العلماني القومي. ورغم اوقات عصيبة تحدث فيها عن ان وطنه قد نبذه الى انه كان دائما يشعر بتبكيت الضمير ويحزم حقائبه محاولا العودة كما حصل في عام 1970 وانضمامه الى المقاومة الفلسطينية ثم اضطر للمغادرة وكرّر المحاولة في عام 1974 الا انه منع من دخول لبنان والكويت ليعيش في اميركا متنقلا بين شيكاغو وواشنطن وليكون من تلامذته بيل كلنتون وعقيلته هيلاري وتأسيسه لصندوق مساعدة ودعم الطلبة العرب في الولايات المتحدة ورحلته وصراعه وكفاحه ضد مرض السرطان بعد ان استقر اخر سبع سنوات من عمره في بيروت ليموت في 15 كانون ثاني 2005 موعد انطلاقة ربيع الثورات العربية لاحقا، و سنتان بعد وفاة ادوارد سعيد واربع سنوات بعد وفاة ابراهيم ابو لغد ولم يخرج في جنازته سوى عدد محدود من افراد العائلة والاصدقاء . وخلص ابو عرفة الى تأثير المفكر الكبير في التغيير الاجتماعي وتركيزه على نقد المجتمع الابوي البطريركي الذي يسيطر على الوطن العربي وتصديه منفردا لقوى اللوبي الصهيوني التي تحاول على الدوام تشويه الفكر والانسان العربي. نقد المجتمع الابوي ..وابدى الكاتب والناقد ابراهيم جوهر استغرابه من عدم تكربم هؤلاء الاعلام وقال ان وطنا لا يكرم مثقفيه ومفكريه لا يحق ان يكون وطنا ، معتبرا ان هذه مآساة لكل المثقفين . وأثنى على الربط الجميل للدكتور ابو عرفة في وصف مصادفة لقائه بالراحل الكبير في اماكن مرور وعبور في تعبير فريد عن عدم الاستقرار للفلسطيني الذي يعاني من الهم الاكبر وهو المنفى الرهيب.

تكريم العظماء
وطالب بالالتفات الى هؤلاء الافذاذ من مفكرينا الذين ساهموا في الثقافة الانسانية. واطرى صقر السلايمة على اسلوب تقديم الدكتور ابو عرفة . وسألت الكاتبة الصحفية ريم المصري عن المخزون والارث الثقافي للراحل الكبير وتطرق احمد محمود الى سلاح الثقافة عند شرابي وضربه على الوتر الحساس في المجتمع الابوي وكسره حاجز الصمت فيما تطرقت د. اسراء ابو عياش الى النقد اللاذع الذي وجهه المفكر الراحل للفكر العربي التقليدي والعادات والتقاليد الا ان سيطرة القوى المحافظة على الفكر في الجامعات تحول دون تعميق انتشار الفكر التنويري لامثال الراحل شرابي ، فالخلل يكمن في النخب. ولاحظ الكاتب محمد موسى سويلم ان ظاهرة تكريم العظماء هي موضع جدل، هل تم بعد مماتهم ام في حياتهم ؟ وتساءل د. جورج هزو فيما اذا كانت الثورات العربية سوف تسفر عن تغيير حقيقي ام سوف تنتكس الى ردة ؟ وتساءل الكاتب عيسى قواسمي عن اذا كان هناك تصور ما حمله الراحل للمساهمة في حل القضية الفلسطينية مثلا؟ واشار د. نادر دعنا الى ظاهرة الهروب من مواجهة الواقع في حياة الراحل وهل يمكن اعتبارها بالفعل هروبا عن الاصطدام والمواجهة ام هي ظرف قسري كان يضغط عليه ويضطره الى الهجرة ؟ ورد الدكتور ابو عرفة موجزا بأن الشعوب العربية في حالة من فقدان البوصلة حتى الان رغم الثورات العظيمة وان المفكر يجب ان يكون شموليا وعالميا وان المفكر شرابي لم يهرب بقدر ما اجبرته الظروف على ذلك والدليل ايمانه الشديد بمقولة الراحل انطون سعادة بأن الحياة وقفة عز فقط والدماء التي تجري في عروقنا هي لشعوبنا متى طلبتها علينا تقديمها.