الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 28 / أبريل 21:02

أكرم البني:الوضع السوري.. أي مسار وأي مصير؟!

كل العرب
نُشر: 08/05/11 08:53

أكرم البني:

يرى المتشائمون أن ما سوف تشهده سوريا في مواجهة الاحتجاجات المتصاعدة هو الإصرار على الخيار الأمني وعلى الظفر بانتصار جديد لسياسة القبضة الحديدية في الدفاع عن الوضع القائم

ما سوف تشهده البلاد في مواجهة الاحتجاجات المتصاعدة هو الإصرار على الخيار الأمني وعلى الظفر بانتصار جديد لسياسة القبضة الحديدية في الدفاع عن الوضع القائم

للمرة الأولى ومنذ أكثر من ثلاثة عقود أصبحت المظاهرات الشعبية وشعارات الحرية والتغيير أهم ما يميز المشهد السياسي السوري، وللمرة الأولى اهتزت قواعد الضبط الأمني وكسر الناس حاجز الرتابة والخوف واندفعوا في الشوارع يطالبون بحقوقهم المشروعة، دون أن يعبؤوا بالعصا الأمنية الغليظة والرصاص الحي!!

طرائق الهيمنة القديمة
وإذ يتفق الجميع على أن لا أحد سوف ينجو من أثار وتداعيات هذه الأحداث النوعية الدامية، وأن البلاد تمر بظروف عصيبة تضعها أمام منعطف حساس وخطير من تاريخها، وتفتح الأبواب على احتمالات شتى، يتمنى لها المتفائلون أن تنتظم في مسار سلمي للتغيير الديمقراطي يقوم على توافق وطني عريض، في حين يجد المتشائمون فيها مزيدا من التوغل في الخيار الأمني وطغيان لغة العنف في إدارة الصراع، مما قد يفضي إلى الانزلاق نحو مخاطر نوعية تهدد حاضر المجتمع ومستقبله.
والسبب عند هؤلاء المتشائمين يعود إلى البنية التكوينية لهذا النوع من الأنظمة التي تتحسب كثيراً من الانفتاح على الناس وتتردد في القيام بأية مبادرة إصلاحية جدية لتخفيف حدة الاحتقانات، إما عن ضعف وعجز مزمن في قدرتها على تعديل طرائق الهيمنة القديمة، وإما ربما لأنها اعتادت ذلك ولديها وفرة من التجارب التي تعزز ثقتها بأن العمل المجدي لدوام السيطرة ليس الاستجابة لمطالب الناس بل الاستمرار في إرهابهم وشل دورهم.
وإما ربما بسبب قوة لوبي الفساد وتشبث واعٍ بمصالح وامتيازات لا يريد أصحابها التنازل عنها أو عن بعضها حتى لو كان الطوفان، أو لعل الأمر سوء تقدير وتضخيم للذات والاعتقاد بأنها تشكل مدماكاً راسخاً لا يمكن بأي حال زعزعته، وأن ما راكمته من قوى وخبرات أمنية في ضبط المجتمع وتطويعه يمنحها ثقة مفرطة بجدوى هذه الطريق.

الردع الأمني
وأيضاً ما يعزز هذا الخيار عند المتشائمين إهمال النخبة الحاكمة للمستجدات الحاصلة واستهتارها بما يجري من متغيرات في المنطقة، وإصرارها على العيش بقواعد الماضي وحساباته، الأمر الذي يفقد الجميع القدرة على التشارك في رسم رؤية مستقبلية واضحة يمكن على أساسها صياغة خطة متكاملة لبناء مجتمع قادر على معالجة الأزمات المزمنة والخروج من مسار التدهور الراهن بأقل الخسائر والآلام.
هذا فضلاً عن شيوع ثقافة في إدارة الخلافات والصراعات فرضها مدعو الوصاية على الناس والأوطان، وجوهرها ليس التنافس الصحي لاختيار الأفضل في قيادة المجتمع والأكثر كفاية للتعبير عن مصالح فئاته وتكويناته المتعددة، بل مبدأ القوة والجبروت ووسائل القمع والإرهاب، وصارت المعادلة الشائعة مع كل أزمة تعصف بالبلاد هي اللجوء إلى الردع الأمني والمسارعة إلى تعطيل دور أي اختلاف أو تعارض بالتزوير والتشهير أو بالقمع والسجون وحتى بالإقصاء والإلغاء.

مظاهر القوة والقمع
ويخلص هؤلاء إلى نتيجة مفادها أن ما سوف تشهده البلاد في مواجهة الاحتجاجات المتصاعدة هو الإصرار على الخيار الأمني وعلى الظفر بانتصار جديد لسياسة القبضة الحديدية في الدفاع عن الوضع القائم، بما يعني التحايل على الوعود والاستحقاقات الواجبة التنفيذ بالممانعة والمماطلة، جنباً إلى جنب مع توظيف كل أدوات القهر والعنف لمواجهة الحراك الشعبي واستنزاف طاقته وتأجيل نتائجه إلى أبعد مدى ممكن بغرض ربح الوقت وانتظار مستجدات قد تأتي في صالح تثبيت سلطانهم، وكل ذلك على أمل التمكن من كسر هذه الموجة من الاحتجاجات التي تعتبر برأيهم طارئة وعابرة، وإعادة الأمور إلى سابق عهدها.
"لا أمل" يتنهد أحدهم كمن يحاول تفريغ شحنة من اليأس مشوبة بالغضب تعتمل في نفسه، أو كأنه يكثف مواقف أعداد متزايدة من البشر تصل، يوماً بعد يوم، إلى التسليم بأن من العبث الرهان على تغيير العقلية الأمنية السائدة أو نجاح مبادرة سياسية سلمية لاحتواء الأزمة.
فما نشهده هو خيار لا رجعة عنه ونابع من تصميم السلطة أو بعضها على التصعيد القمعي أكثر فأكثر، من أجل تثبيت مناخ الخوف والرعب من جديد بين الناس بعد أن بدأت غيومه تنحسر، ولإعادة فرض هيبتها على المجتمع بمظاهر القوة والقمع، دون أن تعير انتباهاً لتطلعات الشباب وحقهم في المشاركة لبناء مجتمعهم صحياً ومعافى، أو للتكلفة المادية والبشرية لمثل هذا الخيار، وللتأثيرات السلبية العميقة التي سوف يخلفها في النسيج الاجتماعي السوري.

مقالات متعلقة