الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 06 / مايو 09:02

إبراهيم صرصور:قراءة في مشهد اغتيال الشيخ اسامة بن لادن

كل العرب
نُشر: 06/05/11 11:51,  حُتلن: 14:00

ابراهيم صرصور:

الفكر التكفيري واستهداف المدنيين الذي تتبناه القاعدة أوقعها في صدام مع الأغلبية الساحقة من شعوبنا العربية والإسلامية

امتنا بدأت تخو الخطوات الأولى لتحقيق الاستقلال الثاني من خلال ثوراتها الشعبية ضد أنظمة الاستبداد التي أهانت كرامتها وأذلت كبرياءها وقدمتها لقمة سائغة لأعدائها

لن نكون مع أمريكا التي فشلت في اعتقال الشيخ ( بن لادن )، الأمر الذي كانت تتمناه حتى تطوف به في شوارع كبريات المدن الأمريكية وهو في قفص كما تخيل ذلك كثير من الأمريكيين ، تماما كما تمنت إسرائيل أن تفعل مع الشيخ ( حسن نصر الله )

هل كان الشيخ أسامة بن لادن مهما إلى هذه الدرجة بالنسبة إلى الإدارة الأمريكية الحالية ، حتى لكأننا أمام فيلم هوليوودي يكرس السوبرمان الأمريكي من جديد ؟ وهل صحيح أن أمريكا فشلت خلال السنوات العشرة الماضية في الوصول إليه ، وهي تصل إليه اليوم بالذات ؟ وهل لنا أن نعتقد أن المسألة برمتها ليست إلا جزءا من " مسألة سياسية " جاءت لخدمة مصلحة انتخابية للرئيس اوباما ، بعد أن وصل في استطلاعات الرأي إلى الحضيض ؟ ... أسئلة لا يمكن إلا أن تفرض نفسها علينا ونحن نقف أمام مشهد اغتيال ( الشيخ بن لادن ) كما تناقلته وسائل الإعلام ، بما يفيض به من صور تمتزج فيه كل المشاعر وتختلط فيه كل الأحاسيس ، على ما فيها من تناقضات تعكس رؤية أصحابها والأمواج العاتية التي تصطخب في أعماقهم حزنا أو فرحا ، ألماً أو نشوة ، سلبا أو إيجابا ...

دماء المدنيين الأمريكيين
اختلاط الحملات الانتخابية في أمريكا وإسرائيل بدماء العرب والمسلمين لم تعد غريبة ، فالمتتبع لدورة الدم والانتخابات في الثقافة الأمريكو – إسرائيلية في السنوات العشرة الأخيرة يرى ذلك واضحا دون لبس . ففي إسرائيل كانت حرب ( باراك ) على الشعب الفلسطيني في نهاية عهده جزءا من الحملة الانتخابية في العام 2003 ، وكذلك حرب لبنان الثانية 2006 والحرب على غزة 2009/2008 في عهد حكومة ( أولمرت – ليفني )، أما أمريكيا فكانت الحرب على العراق في العام 2003 جزءا من حملة بوش الانتخابية لدورة رئاسية ثانية ، ولا أستبعد أن تكون عملية اغتيال بن لادن بداية لحملة أوباما الانتخابية لدورة رئاسية ثانية ، خصوصا وأن الأكثرية الجمهورية تتربص به في الكونغرس وتترصد خطواته وسياساته على المستويين الداخلي والخارجي ، إضافة إلى أنه يقف أمام استحقاق يتسم بالحساسية الكبيرة قد وعد بتنفيذه في العام 2011 وهو الانسحاب من العراق . أوضاع ( أوباما ) في استطلاعات الرأي الأمريكية لا تبشر بالخير له ولطاقمه ، ولذلك فهو بحاجة ماسة إلى ( إنجاز !!! ) مميز يضعه بقوة من جديد على سكة المنافسة على الرئاسة الأمريكية ، فكان الدم الإسلامي هو الثمن ، وكأن أمريكا لم ترتو من دماء العرب والمسلمين التي أسالتها أنهارا بشكل مباشر في أفغانستان والعراق ، وبشكل غير مباشر في فلسطين من خلال دعمها العسكري والسياسي والمالي لإسرائيل ، فاقت ما سال من دماء المدنيين الأمريكيين في أحداث ( مركز التجارة العالمي ) أو ما عرف بأحداث الحادي عشر من أيلول ، فكان لا بد من دم جديد تَجَسَّدَ هذه المرة بالشيخ ( بن لادن ) ، لما يجسده في الوعي الأمريكي من ( تهديد !!! ) ، يستثير به الغرائز الأمريكية بعملية من هذا النوع شهدنا نتائجها بالاحتفالات التي أقامها الأمريكيون بعد نشر خبر الاغتيال ...

حالة الجمود والانتكاس
الانتخابات ماثلة دائما في السياسة الأمريكية ، مثال ذلك الجدل الدائر حاليا بين كبار مستشاري ومساعدي ( أوباما ) ، ( ريتشراد ميتشل ) المكلف من الرئيس بمعالجة ملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ، ( ودينيس روس ) ، حول المبادرة التي تم الحديث عن أن ( أوباما ) بصدد الإعلان عنها على ضوء حالة الجمود والانتكاس التي أصابت المفاوضات بين إسرائيل وفلسطين . ( ميتشيل ) يرى بأن الأفضل سياسيا وانتخابيا ( لأوباما ) أن يعلن عن خطته قبل زيارة ( نتنياهو ) إلى واشنطن هذا الشهر ، ليحدد هو بذلك إيقاع العملية السياسية ، ويفرض رؤيته ( كراعٍ !!! ) مفترض للمفاوضات ( وكوسيط نزيه !!! ) بين الأطراف ، وألا يعطي الفرصة( لنتنياهو ) أن يفرض أجندته وهو طرف في العملية السياسية يتحمل القسط الأكبر من مسؤولية تعثرها لرفضه التعاون مع الإدارة الأمريكية في موضوع الاستيطان وغيره . بينما يرى ( روس ) أن طرح المبادرة مسبقا سيضر في فرص ( أوباما ) في الانتخابات الوشيكة ، خصوصا إذا ما رفضتها الحكومة الإسرائيلية ، والذي يعني ( زَعَل ) اللوبي اليهودي في أمريكا ، الأمر الذي سيفاقم أوضاع ( أوباما ) السيئة ابتداء على ضوء استطلاعات الرأي ... ثلاثية الانتخابات – اللوبي الصهيوني – الدم العربي والإسلامي أو المصالح العربية كضحية ، ثلاثية راسخة على ما يبدو ، ستبقى تعطي ثمارها المرة ما لم تتغير قواعد اللعبة على مستوى المنطقة والعالم ...

سياسة الهيمنة الأمريكو – إسرائيلية
الفكر التكفيري واستهداف المدنيين الذي تتبناه القاعدة أوقعها في صدام مع الأغلبية الساحقة من شعوبنا العربية والإسلامية ، رغم ما تحظى به من تعاطف فطري لوقوفها في وجه سياسة الهيمنة الأمريكو – إسرائيلية ، إلا أننا لا نستطيع أن نتجاهل الأسباب التي دفعت بالقاعدة وغيرها من الحركات والتنظيمات الجهادية إلى هذه الحد من التطرف والتي تتحدد داخليا في نظم الاستبداد والتبعية والقهر العربية والإسلامية المدعومة أمريكيا ، وخارجيا في سياسة الهيمنة والانحياز الغربية لإسرائيل ، وكيلها بمكيالين في معالجتها للقضايا العربية والإسلامية وعلى رأسها قضية فلسطين والقدس الشريف ، وهي أسباب ستبقى وراء حالة الاحتقان والكراهية التي تكنها الأغلبية الساحقة من شعوبنا ضد أمريكا والغرب وإسرائيل ، والدافع وراء ظهور حركات تخطئ طريقها أحيانا في إدارة المواجهة المشروعة مع الظلم والظالمين ...

التيار الإسلامي المركزي
تنظيمات التيار الإسلامي المركزي في عالمنا العربي والإسلامي وعلى رأسها جماعة ( الإخوان المسلمون ) ، لا يخفون اختلافهم مع تنظيمات السلفية الجهادية على المستويين النظري والعملي ، ولكل من التيّارَيْن وسائلهما في معالجة قضايا العرب والمسلمين والعالم ، إلا أن جميع هذه التيارات تتفق على أنه لا عداء مبدئي بين الشرق الإسلامي والغرب ، ولا بين الإسلام والأديان الأخرى ، لمخالفة ذلك صريح القرآن الكريم الذي دعا إلى التعاون بين كل الشعوب لخدمة المشترك الإنساني : الحياة الكريمة ، التنمية ، الاستقرار ، الأمن والسلم الأهلي . إلا أن الجميع يتفقون أيضا على فريضة مواجهة العدوان الخارجي مهما كان مصدره ، وتحرير الإنسان العربي والمسلم والأرض العربية والإسلامية من أي احتلال مهما كلف ذلك من ثمن . هنا قد تفترق الطرق وتختلف الاجتهادات حول الأساليب الواجب إتباعها لتحقيق الأهداف في الحرية والاستقلال تفكيرا وتخطيطا وتنفيذا ، وهذا هو الذي يحدد الفوارق بين الحركات والتنظيمات حتى على الساحة الإسلامية الواحدة ...

تحقيق الاستقلال
عموما لن نكون مع أمريكا التي فشلت في اعتقال الشيخ ( بن لادن ) ، الأمر الذي كانت تتمناه حتى تطوف به في شوارع كبريات المدن الأمريكية وهو في قفص كما تخيل ذلك كثير من الأمريكيين ، تماما كما تمنت إسرائيل أن تفعل مع الشيخ ( حسن نصر الله ) أثناء الحرب على لبنان ، لكنهما فشلا فشلاً ذريعا في ذلك ، فالأول حارب حتى استشهد ، وما وجد الأمريكيون طريقا للتعبير عن حضاريتهم إلا أن يجعلوا من قعر البحر قبرا لجثمانه كما صرح بذلك مسؤولون أمريكيون ، حتى لا يبقى له أثر يدل عليه يجعل منه أتباعه مصدر إلهام وإمداد معنوي ، أما الثاني فكما قال الله : ( ومنهم من ينتظر ) ... لن نكون مع أمريكا ضد احد من المسلمين مهما اختلفنا معه ، وهذا ما يجب أن تعيه شعوبنا في كل أماكن تواجدها ، لأننا نعتقد أن الاختلاف والاتفاق على الساحة العربية والإسلامية هو شأن داخلي على كل الأطراف العمل على تجاوزه بما يحقق اللحمة والوحدة الإسلامية ، وهي الشرط الذي لا بد منه لبلوغ الأمة غاياتها في التقدم والازدهار والحرية الحقيقة ...

الدماء البريئة
مهما قيل في عملية اغتيال ( الشيخ بن لادن ) ، فامتنا العربية بدأت تخو الخطوات الأولى نحو تحقيق الاستقلال الثاني من خلال ثوراتها الشعبية ضد أنظمة الاستبداد التي أهانت كرامتها وأذلت كبرياءها وقدمتها لقمة سائغة لأعدائها ، وعلى الغرب عموما وأمريكا خصوصا أن تستخلص العبر قبل فوات الأوان . مهما اغتالت أمريكا من القيادات الجهادية ، وأسالت من الدماء البريئة في أكثر من بلد عربي وإسلامي ، وأيدت من الأنظمة الاستبدادية الموالية لها والخادمة لمشاريعها ، فلن تستطيع أن تغير من مشاعر امتنا الكارهة لسياساتها وخصوصا تجاه القضية الفلسطينية . وعليه فلا بد من أجل تحسين صورتها من أمور ، أولها ، الانسحاب الكامل من أفغانستان والعراق ، وثانيها ، العمل على إقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن كامل التراب الوطني الفلسطيني بما في ذلك القدس الشريف ، وثالثها ، عدم الوقوف في وجه الثورات الشعبية في عالمنا العربي ، والحرص على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية والإسلامية ، ورابعها ، الحرص على بناء علاقات مع شرقنا العربي والإسلامية قائمة على الندية والاحترام لديننا وحضارتنا وإسهاماتنا في بناء المجتمع الإنساني ، وقدرتنا على المساهمة مجددا في تشييد صرح الحضارة والمدنية المعاصرة بعيدا عن الأحقاد والأفكار المسبقة والاعتبارات العنصرية ...

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر.
لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وصورة شخصية بحجم كبير وجودة عالية وعنوان الموضوع على العنوان:
 alarab@alarab.co.il

مقالات متعلقة