الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 28 / أبريل 07:01

محاضرة بالكلية الأكاديمية بيت بيرل بعنوان: الطريق إلى الإستقلال والنكبة

كل العرب
نُشر: 03/05/11 17:16

تلى المحاضرة نقاش شارك فيه طلاب واستاذة المعهد الاكاديمي لاعداد المعلمين العرب، وكان من بين الاسئلة التي طرحت حول تسميت نكبة عام 1948 بحرب عسكرية، وسؤال حول دور القيادة الفلسطينية والعربية في الهزيمة وغيرها

تناولت المحاضرة الثانية من سلسلة محاضرات "تاريخ فلسطين في القرن العشرين" للمؤرخ د. عادل مناع إستعراض وتحليل الظروف والأسباب التي أدت إلى وقوع حرب 1948، مسارها وبعض أحداثها المأساوية. هذه الحرب أدت إلى إقامة دولة إسرائيل، من جهة، على مساحة أكبر بكثير مما خصص لها حسب قرار التقسيم رقم (181) وبالتحديد على مساحة 78% من البلاد. وبالمقابل، فإن هذه الحرب كانت كارثة ونكبة بالنسبة للشعب الفلسطيني عموما واللاجئين بشكل خاص.
وكان معظم الجمهور من أساتذة وطلبة المعهد الأكاديمي لإعداد المعلمين العرب في كلية بيت بيرل. وبادر مركز أبحاث اللغة والتربية والثقافة في المجتمع العربي في إسرائيل إلى هذا النشاط وغيره من النشاطات التي تستهدف توعية الجمهور بتاريخه في البلاد.

من يكتب التاريخ؟
إفتتح د. عادل مناع، وهو رئيس المعهد الأكاديمي لإعداد المعلمين العرب، ورئيس مركز أبحاث اللغة والتربية والثقافة في المجتمع العربي في إسرائيل في الكلية الأكاديمية بيت بيرل، بمقولة للشاعر الراحل محمود درويش "والغزاة يخافون من الذكريات" مؤكدا على أن المنتصرين هم الذين يكتبون التاريخ ولكنهم في نفس الوقت يخافون من رواية المهزومين. فبينما ينشغل المهزومون بجراحهم يفقدون روايتهم، وهذا هو حال الفلسطينيين مع تاريخهم وخاصة فيما يتعلق بحرب 1948، حيث لا توجد كتابات كافية لتؤرخ تلك الفترة الهامة. وكان هذا أحد أهم الأسباب التي دفعت بالمؤرخ مناع إلى كتابة عشر السنوات الأولى للعرب الفلسطينيين في إسرائيل بعد قيامها.
وأكد د. مناع على أن حرب 1948 هي حدث مؤسس بالنسبة للفلسطينيين، ومعناه ان اوضاعهم قبل وبعد الحدث قد اختلفت الى حد كبير. فقبل الحرب رزح الفلسطينيون تحت وطأة الإنتداب البريطاني الذي مهّد للحركة الصهيونية لتأسيس دولتهم، وساهم شعور الذنب الذي عاشته دول اوروبا تجاه اليهود الذين قتلوا على يد الحكم النازي خلال الحرب العالمية الثانية.
وحاول الفلسطينيون ان يشرحوا موقفهم للدول الغربية وعلى أنهم يتعاطفون مع اليهود إلا أنهم لا يريدون ان تحل مشكلة اليهود في أوروبا على حساب الفلسطينيين في البلاد، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل.

لماذا رفض الفلسطينيون قرار التقسيم؟
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى والغاء نظام الانتداب البريطاني، تحولت قضية فلسطين للامم المتحدة للبت فيها. ونتج عن ذلك قرار تقسيم فلسطين بين اليهود والعرب في 1947/11/29 الذي قبله معظم اليهود ورفضه معظم العرب. وأكد مناع على أهمية هذه النقطة بالنسبة للفلسطينيين حيث يدّعي الطرف اليهودي أنه لو وافق الفلسطينيون على قرار التقسيم لما قامت الحرب. وهذا الإدعاء غير صحيح لأنه يوجد من الفلسطينيين من وافق على قرار التقسيم ويوجد أطراف يهودية رفضته. وقرار الحرب لم يكن مرتبطا بالفلسطينيين وحدهم بل أيضا بالدول العربية.
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا رفض الفلسطينيون قرار التقسيم؟ والأسباب لذلك متعددة منها: ان الفلسطينيين منذ بداية الانتداب البريطاني رفضوا الهجرة اليهودية الى البلاد، واعتبروا وعود بريطانيا من خلال وعد بلفور وصك الانتداب قائمة على عدوان وليس على حق. وان الفلسطينيين هم اصحاب الارض وهم الأغلبية حيث شكلوا ثلثي سكان البلاد في سنوات الاربعينيات، ولهم الحق في تقرير مصير بلادهم ومن يهاجر اليها، ولهم الحق في رفض قرار تقسيم بلادهم بينهم وبين المهاجرين اليهود.
ووافق الفلسطينيون على ان تبقى فلسطين دون تقسيم وان يعيش فيها اليهود كأقلية كما هم في الشرق الأوسط.
وحتى ولو افترض جدلا قبول الفلسطينيين بقرار التقسيم فهل هذا فعلا سيجلب السلام الى البلاد كما ادعى مهندسو قرار التقسيم؟ فالتقسيم سيجلب الظلم الى الفلسطينيين، حيث ان القدس ستصبح دولية، ومدينة يافا التي فيها حوالي 70 الف فلسطيني ستكون معزولة عن محيطها الفلسطيني. كما انه من الظلم ان يحصل اقل من ثلث السكان من اليهود على مساحة 55% من مساحة فلسطين. وهم في تلك الفترة امتلكوا 7% فقط من مساحة البلاد. ولا يحق لجهة مثل الامم المتحدة ان تقرر مثل هذه النسبة.
كما انه في الدولة اليهودية المفترضة فانه سيكون 45% من سكانها من الفلسطينيين، فمن سيضمن حقوقهم؟ وكيف ستكون علاقاتهم مع اخوانهم وعائلاتهم في الدولة الفلسطينية المجاورة؟
واضاف د. مناع على ان الامم المتحدة لم تتفهم اسباب رفض الفلسطينيين لقرار التقسيم. القيادة الفلسطينية بدورها رفضت بشكل قاطع دون ان تكون فعلا مستعدة لخيار الحرب بينما القيادة الصهيونية كانت جاهزة للحرب.

حرب اهلية في فلسطين
واشار مناع الى عدة حقائق هامة جدا منها: ان الحرب بين اليهود والفلسطينيين بدأت بعد عدة أسابيع من قرار التقسيم في شهر نوفمبر 1947 وسميت بالحرب الاهلية التي قامت فيها الوحدات العسكرية اليهودية بمذابح كبيرة بحق المدنيين الفلسطينيين، وما كان اعلان القيادة الصهيونية عن قيام دولة اسرائيل الا تتويجا لانتصاراتها العسكرية من شهر كانون اول من عام 1947 وحتى شهر ايار من عام 1948. وخلال هذه الفترة استنجد الفلسطينيون بالدول العربية، التي وعدتهم بالانتظار حتى اعلان بريطانيا انتهاء مدة انتدابها في 15.5.1948.
ومن المذابح البارزة التي راح ضحيتها عشرات من المدنيين الفلسطينيين العزل كانت مذبحة دير ياسين التي اعترفت بها اسرائيل فيما بعد. وهناك ايضا مذبحة في قرية صغيرة ومعزولة هي قرية الخصاص التي كانت على علاقات جيدة مع جيرانها اليهود. الا ان ذلك لم يحمها، حيث انه بتاريخ 17.12.1947 اطلقت النار من جهة القرية على بعض المزارعين اليهود، فقررت وحدة بلماح ان تعلم القرية درسا، حيث قاموا في الليل بوضع عبوات من الديناميت في اربع بيوت القرية وتفجيرها، مما ادى الى مقتل 13 مدنيا فلسطينيا.
وذكر د. مناع ايضا ما حدث لقرية بلد الشيخ في 31.12.1947 حيث هوجمت القرية ليلا على يد وحدات من البلماح وقتل 70 شخص من القرية. كانت هذه المجزرة ردا على مقتل 60 يهوديا في مصنع في حيفا على يد عمال فلسطينيين، انتقموا بدورهم من قتل 7 عمال وجرح عشرات على يد قوات من وحدة الإيتسل.

تدخل الدول العربية
ويضيف د. مناع على ان الدول العربية التي شاركت في الحرب وهي: الاردن، سوريا، العراق ومصر لم تكن جاهزة لها. حيث بلغ عدد جنود الدول العربية ككل حوالي نصف المقاتلين اليهود الذين بلغ عددهم خمسون الفا وكانوا مدربين ومسلحين. وكانت الاوامر ان تدخل الجيوش العربية الى المناطق المخصصة للدولة الفلسطينية فقط. وفي حالة الاردن فقد كانت لها مصلحة في ضم الضفة الغربية اليها. حيث تم الاتفاق سرا مع بريطانيا والحركة الصهيونية في شهر شباط من عام 1948 على السماح بضم الضفة الغربية للاردن شريطة عدم دخولها الى المناطق اليهودية. ومن الامثلة على ذلك: تهجير حوالي 50 الف من اهل اللد والرملة على الاقدام في فصل الصيف الحار الى رام الله، على مرأى من الجيش الاردني الذي رابط في اللطرون دون ان يحرك ساكنا.
ومن ناحية اسرائيل فقد ادعت ان السكان الفلسطينيين قد هربوا بسبب المعارك بينها وبين الدول العربية وليس بسبب سياسة التهجير التي انتهجتها.
ويضرب د. مناع مثالا على قدرة اسرائيل عدم تهجير الفلسطينيين من بلادهم انها ارادت ذلك عند تسلمهم لمدينة الناصرة في منتصف تموز من عام 1948، احيث ارسل دافيد بن غوريون كتابا الى قائد الفرقة السابعة التي احتلت الناصرة موصيا اياه بعدم المساس باهل المدينة وعدم المس باماكن العبادة المسيحية.
ويلخص د. مناع احداث الحرب بعد تدخل الدول العربية التي بدأت من شهر ايار عام 1948، ثم بعدها بشهر واحد، طلبت الدول العربية وقف اطلاق نار، ومن بعدها استمرت المعارك التي كان الفلسطينيون يخسرون فيها عسكريا وايضا سياسيا. حيث توسع الانقسام داخل القيادة الفلسطينية. ففي نهاية شهر ايلول من ذات العام اعلنت القيادة الفلسطينية بقيادة الحاج امين الحسيني عن اقامة حكومة عموم فلسطين التي استمرت لمدة قصيرة، وبعدها سقطت وتفرقت. كما واستطاع الملك عبد الله في عمان ان يجمع مؤيديه لضم الضفة الغربية للاردن.
اما اسرائيل فقد عملت منذ شهر تشرين اول من عام 1948 على التوسع اكثر بكثير مما اتيح لها بناءا على قرار التقسيم، والقيام بمجازر على يد تساهل (الجيش الاسرائيلي) منها مثلا مجزرة عيلبون بتاريخ 29.10.1948 حيت تم اعدام 12 شابا من القرية رميا بالرصاص على مرأى من السكان. اضافة الى مذابح اخرى لم يكن فيها اي جيش عربي يحارب الجيش الاسرائيلي. حيث انه في الجليل وحده خلال 48 ساعة قام الجيش الاسرائيلي بحوالي 12 مجزرة بحق الفلسطينيين. الهدف من ذلك كان تهجير السكان، الا ان الفلسطينيين تعلموا من درس التهجير انهم لا يستطيعون العودة فآثروا البقاء في أرضهم.
وكانت نهاية الحرب تماما في 7 من يناير عام 1949، حيث بدأت المفاوضات مع الدول العربية لتستمر حتى تموز من ذات العام. وخلال هذه المفاوضات قامت اسرائيل بضم المثلث من خلال اتفاقية مع الاردن في شهر نيسان تسمى اتفاقيات رودس.

د. مناع: "لا يزال الكثير لنتعلمه ونبحثه في تاريخنا"
وتلى المحاضرة نقاش شارك فيه طلاب واستاذة المعهد الاكاديمي لاعداد المعلمين العرب، وكان من بين الاسئلة التي طرحت حول تسمية نكبة عام 1948 بحرب عسكرية، وسؤال حول دور القيادة الفلسطينية والعربية في الهزيمة وغيرها.
ولخص د. مناع محاضرته قائلا: ان احد الدروس التي نتعلمها من التاريخ هي كيف نتصرف وقت الازمات ونتحمل المسؤولية، وانه لا يزال الكثير لنتعلمه ونبحثه عن تاريخنا المعاصر الذي هو جزء من هويتنا، فإن المعرفة بالتاريخ تعطينا دروسا هامة لفهم الحاضر وما يدور حولنا من أحداث محلية وعالمية".



مقالات متعلقة