الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 04 / مايو 11:02

سعيد نفاع:إسرائيل والثورة العربيّة والدولة ثنائية القوميّة و-"ومناطحة الجدران" !

كل العرب
نُشر: 27/04/11 11:38,  حُتلن: 07:33

سعيد نفاع في مقاله:

نتانياهو وحزبه وائتلافه كانوا مرتاحين قبل الثورات العربيّة، فبغياب تحرك عربيّ فاعل ضدّهم وضعف وانقسام فلسطينيّ

موقف نتانياهو الداعم للنظام المصري إبّان انطلاق الثورة المصريّة كان دليلا على ضيق أفق وعلى أن الرجل يعيش خارج التطوّر التاريخيّ حتى من منظور مصلحيّ

نتانياهو يريد الآن أن يطور مشروعه ليطرح إقامة "دولة" حالا ولكن في حدود مؤقتة، على أن يتم التفاوض لاحقا ليس على "الدولة" وإنما على القضايا المعرفة بالقاموس الإسرائيلي بالجوهريّة

يبدو أن فجر العام 2011 المدرار مطرا والمدرار ثورات في ربوعنا لم يبق مكانا لإسرائيل على جدول أعمالنا رسميّا ونخبويّا وشعبيّا إلا على الهوامش وفي ذيول نشرات الأخبار، اللهمّ إلا عندما تُسيل بعض الدم في غزّة معفيّة من حظر جوّي. فهل وأين ولماذا اختفت إسرائيل من الصورة؟!

التطوّر التاريخيّ
كان موقف نتانياهو الداعم للنظام المصري إبّان انطلاق الثورة المصريّة خلال اللقاء الذي جمعه والمستشارة الألمانيّة، دليلا على ضيق أفق وعلى أن الرجل يعيش خارج التطوّر التاريخيّ حتى من منظور مصلحيّ. وقد أذهله بنفسه موقفُه خلال أيام قصيرة لما تعرّض له من نقد ليعيد صياغته مفسّرا أن كل ما قصد ليس دعما لديكتاتوريّة وإنما تحذيرا من بديل إسلاميّ كما حدث في إيران ودون أن يتراجع جوهريّا عن موقفه. كان واضحا أن موقفه هذا بصياغتيه، جاء كون سيدته أميركا كانت وما زالت تتخبّط أمام "مدراريّة" شتاء الشعوب العربيّة.

الأسد وخط اللا-عودة
عاد نتانياهو مؤخرا ليوبخ بعض أعضاء كتلته البرلمانيّة بقوله ردّا على اجتهاداتهم فيما هو حاصل في المنطقة، بأنهم غير واعين لما يدور حولهم وفي العالم ويناطحون الجدران، وهو غير ناو على فعل ذلك ولن ينطح الجدار. ومؤخرا وجه طاقم حكومته أن يصمتوا تجاه الحادث في سوريّة رغم ما رشح عن مؤسسته الأمنيّة تقديرها أن "الأسد دخل على خط اللا-عودة إلى الوراء".
وما فتأ أن بدأ الترويج لخطة يعدّها لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني سيعلنها أمام الاجتماع السنوي في أيار القادم أمام "اللجنة العامة للشؤون الأميركيّة الإسرائيليّة الداعمة لإسرائيل" تلك المسماة "الإيباك"، وهذان المكان والزمان للإعلان بحدّ ذاتهما مثيران للتساؤل: فلماذا هنالك وليس في إسرائيل وأمام مؤسساتها ؟

مناطحة الجدران
غير أن تطورا جديدا جاء، إذ دُعي لإلقاء كلمة أمام الكونغرس الأميركي فوجدها منصة أهم من "الإيباك" لطرح مشروعه. سُرّبت تفاصيل هذا المشروع ورغم سريّته المفروضة، لوسائل الإعلام وعن سبق إصرار لجسّ النبض إسرائيليا وفلسطينيّا، ولم يكد يحصل هذا التسريب حتى جاءت نتائج استطلاع لأعضاء حزبه لتثبت أن جمهور هذا الحزب ناو على "مناطحة الجدران" وبكل ثمن إذ أن 83% منهم أفادوا أنهم ضدّ أية مبادرة تجاه الفلسطينيين وكل ذلك قبل عمليّة قتل العائلة في مستوطنة "إيتمار" الذي عزز هذا الموقف ودعّموه بالذات بالحاصل في العالم العربيّ إثباتا لعدم جدوى أي تحرّك أو مشروع.
مفاد هذا المشروع حسب "التسريبات" وأقوال بعض العالمين ببواطن الأمور من الفلسطينيين، أن نتانياهو الذي كان اعترف بخطاب جامعة "بار إيلان" في حزيران 2009 بحق الفلسطينيين في "دولة" طبعا على مقاسه ووليدة مفاوضات، يريد الآن أن يطور مشروعه ليطرح إقامة "دولة" حالا ولكن في حدود مؤقتة، على أن يتم التفاوض لاحقا ليس على "الدولة" وإنما على القضايا المعرفة بالقاموس الإسرائيلي بالجوهريّة، وكل ذلك استباقا طبعا لأيلول الموعد الذي وضعه الفلسطينيّون حدا لطلب الاعتراف أمميّا بالدولة في حدود ال-67، ولكن الأهم ما كان رشح عن نتانياهو من تعليل "أن الخطر الأكبر الذي تواجهه إسرائيل هو الدولة ثنائية القوميّة المتكوّنة ميدانيّا".

ضعف وانقسام فلسطينيّ
إذا إسرائيل في مكانها ولم تختف إلا عن رأس جدول أعمالنا، وصمتها مريب ولكنه دليل رهبة وخوف. فنتانياهو وحزبه وائتلافه كانوا مرتاحين قبل الثورات العربيّة، فبغياب تحرك عربيّ فاعل ضدّهم وضعف وانقسام فلسطينيّ في مواجهتهم وانتصار حلفائهم الجمهوريين على أوباما في الانتخابات النصفيّة، كل ذلك جعلهم وحسب اجتهاداتهم في منأى عن خطر محدق، وجاء الفيتو الأميركي على قرار مجلس الأمن منعا لإدانة الاستيطان وفي عزّ تخليهم عن مبارك ورغم اعتراف الإسرائيليين بأنه تمّ الحصول على الفيتو بشق النفس، إلا أنه جاء داعما ظاهريّا لموقفهم. فلما العجلة والزمن يلعب في صالحهم ؟
المصريّون وما يمثلّون والسوريّون وكيف يخرجون وثلاثة أضلاع المثلّث الفلسطينيّ وما يفعلون هم في نهاية الأمر المقرّرون وكل ما عدا ذلك زبد، ولذلك فإن نتائج ما سوف ينبثق عن ثورة المصريين وانتفاضة السوريّين وموقف الفلسطينيين سيكون الجدار الذي لا يريد نتانياهو مناطحته ويحاول الالتفاف عليه لا الانكفاء أمامه.

موسى الأوفر حظا
التصريحات الآتية من مصر وعلى لسان عمرو موسى الأوفر حظّا للفوز بالرئاسة ورئيس الوزراء عصام شرف ووزير الخارجيّة نبيل العربيّ في كل ما يتعلّق بالعلاقة المستقبليّة بإسرائيل، وإصرار الفلسطينيين على موقفهم من طلب الاعتراف بالدولة ودون التنازل عن الثوابت والنوايا المعلنة تجاه المصالحة كلّها بشائر خير في تدعيم الجدار.
يبقى الموقع الثالث سوريّة وركائزها الداخليّة والتحالفيّة، هذا الموقع يهتزّ اهتزازا عنيفا ودونه سيبقى الجدار مصدوعا وإن كان حسِب من حسِب أن أحدا نسي للرئيس الأسد تكنيته البعض ب"أنصاف الرجال" فله في الفضائيّات المدعومة منهم البيّنة، وإن كان أحد نسي لسوريّة موقفها من المقاومة العراقيّة والفلسطينيّة واللبنانيّة وإيران فله أيضا في هذه الفضائيّات بيّنات على تفضيل رحيله. وهنا لا يختلف موقف نتانياهو ورغم سكوته وإسكات وزرائه عن التطرّق للحاصل في سوريّة لكن ليس من الصعب استنباط حقيقة موقفه المفضّل رحيل الأسد.

الإستراتيجيّة الإسرائيليّة
في برنامج تلفزيونيّ إسرائيليّ هام اختلف خبيران إسرائيليّان أحدهما رئيس مجلس الأمن القوميّ الأسبق وثانيهما رئيس قسم الشرق الأوسط في أحد المعاهد الإستراتيجيّة الإسرائيليّة حول السؤال: هل مصلحة إسرائيل في بقاء نظام الأسد أم ذهابه؟!
الثاني قال "أن بقاءه أفضل فنحن آمنين من الشمال ولا ندري إن كان البديل سيمنحنا هذا الهدوء"، فقاطعه الثاني ب"أن هذا الهدوء آني وعلى العكس فذهابه يضعف إيران ومواقعها حولنا ويضمن لنا هدوءا أثبت" وطال النقاش بينهما كلّ يدعّم وجهة نظره وطبعا لم يكن همّهما لا حقوق الإنسان ولا الديموقراطيّة التي هما واحتها في الشرق!
أولا: هذان الموقفان يتطابقان كليّة وتماما مع مواقف عربيّة رسميّة ونخبويّة وشعبيّة من رحيل أو بقاء النظام مع الفوارق في كل ما يتعلّق بالحقوق الإنسانيّة، فالبعض يعيب على سوريّة ونظامها غياب الفعل المباشر ضدّ إسرائيل ويشكك في معنى ممانعتها ومقاومتها والجولان محتل وهاديء ولسنين طويلة ومطمئن أن البديل سيكون أحسن، والبعض الآخر تفهم موقفها على ضوء اختلال الموازين واكتفي بالممانعة والمقاومة موقفا فيهما ضمان لخط كان سيولِد حتما الحلول وإن طال انتظارها، ولكنه اليوم يريد هذا الموقف مدعّما بالحريّة والإصلاح وهذا البعض قلق من البديل.
ثانيا: لا يمكن فهم صمت نتانياهو وعطفا على موقفه من ثورة مصر عدم مبالاة تجاه الحاصل في سوريّة وعدم تبنيه ومؤسسته موقف أحد من الرجلين أعلاه وهو وهي المعطيان وزنا لما يقوله خبراؤهما والحديث يدور عن خبيرين وليس عن مجرّد معلّقين.

القاسم المشترك
فيما يتعلّق بالمواقف العربيّة أعتقد أن الموقف الأصح في سوريّة ولسوريّة هو إيجاد القاسم المشترك بين النظام والمنتفضين وبعملية إصلاح عميقة تضمن الحقوق المشروعة للمواطن في الحريّة ولقمة العيش الكريمة وحمايته من الفساد وتضمن الموقف الممانع والمقاوم لسوريّة، وما من شكّ أن الإصلاح سيعزز هذا الموقف الذي نحن ما زلنا بحاجة إليه وربّما اليوم أكثر من قبل وبالذات على ضوء الثورة العربيّة.
والأمر الطبيعيّ إذا وجد هذا القاسم المشترك ويمكن أن يُوجد، فالرئيس اتخذ خطوات إصلاحيّة عميقة وهنالك من المعارضين وطنيّون أحرار كثيرون لا تهون عليهم لا سوريّة داخليّا ولا مواقفها خارجيّا، وسيحقق هذا القاسم الأهداف بجلّها إن لم يكن بكلّها ولو بعد حين. ولا يستهيننّ أحد بنتائج الصدام إن بقي تناحريّا، لا على سوريّة كيانا ولا على سوريّة موقفا.

القائم على البديل
أمّا فيما يتعلّق بالموقف الإسرائيلي فأعتقد أنه ليس صحيحا البتّة القول أن إسرائيل تفضّل النظام القائم على البديل وليس في صمتها بيّنة. إسرائيل تعرف حقّ المعرفة ونحن الذين نعيش في "أروقتها" نعرف أيضا أنّ قلقها الأساس مثل قلق وصيّتها أميركا هو من المحور الهلاليّ المتشكل في شمالها. ولا ضمان البتّة أن يبقى هذا الهلال متصّلا إن تعرّض وسطه لاهتزاز خصوصا ونحن نرى نجما يسطع في جنوبه من مصر نتمنى ألا يخفت ضوؤه، وهذه مسئوليّة النظام السوريّ كما مسئوليّة المعارضين السوريّين الوطنيين وبهذا يقطعون دابر المؤامرة وليس من باب النظريّة ودابر المتآمرين وليس من الحدس.

مقالات متعلقة