الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 04:02

شوقية منصور: من طباخ الريس الى صراخ النملة

كل العرب
نُشر: 11/04/11 19:44,  حُتلن: 13:55

شوقية عروق منصور:

هناك لحظات تتألق في التاريخ ، تخرج من الأرض الصخرية لأن الزلازل لا تقع الا في الأراضي الصلبة

يوم بعد يوم ، وبين كل خبر وخبر يكون الخبر الذي يشعرك ان الأنظمة العربية التي تساقطت ومازال بعضها يلفظ انفاسه على وقع القتلى والجرحى وتدمير الأوطان

الى جانب التغيرات التي تمر على الساحة الثورية من جرأة في التعبير الى الصراخ والرفض والتأكيد ان الثورة يجب ان تنزع الجذور والوجوه اليابسة ،هناك نوع آخر من التغير في الرؤية السينمائية

الحكمة الصينية تقول: ( الأفكار العظيمة لها اجنحة ) ونحن نضيف الأفكار العظيمة ليست بحاجة الى أجنحة فحسب بل بحاجة الى مدارج للهبوط . ومدارج الهبوط الآن هي حرية التعبير والصراخ والرفض وإظهار الحقيقة، والكشف عن كل الأخطاء ، ومعاقبة المسوؤلين عن حجب الحقائق والتخويف والتزييف في الفن والموسيقى والرواية والقصة والمسرح.

الثورات بالعالم العربي
هناك لحظات تتألق في التاريخ ، تخرج من الأرض الصخرية لأن الزلازل لا تقع الا في الأراضي الصلبة ، والثورات التي تجتاح العالم العربي بقدر ما هي متأخرة عن مواعيد انبعاثها ، الا أننا نغفر للزمن ، لأنه ليس هناك ظلماً اشد هولاً من الظلم الذي يمارس تحت حماية السلطة الحاكمة وتحت أقنعة القوانين وبأسم العدالة والوطن .

 تدمير الأوطان
فيوماً بعد يوم ، وبين كل خبر وخبر يكون الخبر الذي يشعرك ان الأنظمة العربية التي تساقطت ومازال بعضها يلفظ انفاسه على وقع القتلى والجرحى وتدمير الأوطان ، لم تتعلم ان كماشات الشعب قادرة على نزع المسامير التي دقت في الكرسي ، الذي تحول الى ثكنة عسكرية للمحافظة على النفوذ ، وهنا نتذكر السلطان التركي بايزيد عندما اسر تيمورلنك فضحك لأن الأقدار وضعت الشعوب بين اعرج واعور ، فتيمورلنك كان اعرج – لنك معناها بالمنغولية الأعرج – وبايزيد كان اعور . الى جانب التغيرات التي تمر على الساحة الثورية من جرأة في التعبير الى الصراخ والرفض والتأكيد ان الثورة يجب ان تنزع الجذور والوجوه اليابسة ،هناك نوع آخر من التغير في الرؤية السينمائية .

الفيلم السياسي
معروف ان لغة الفيلم السياسي تكاد ان تكون مفقودة في السينما العربية التي تعيش معظم افلامها على(الحدوثة) التي لا تنتهي ، وإذا كانت الأفلام الغربية تعتمد على قاعدة ( لو فرضنا ان هذا حدث ماذا سيكون الحل ؟، فاما السينما العربية فهي (كان يا ما كان في قديم الزمان ) الا ان هناك ضوءاً يشير الى ان الثورات اثرت الآن على نمطية الأفلام والمسلسلات التي تبشر بأن الواقع الثوري قد انعكس على أحداثها ، والمستقبل القريب سيكشف عن ذلك.
لا احد ينكر ان بعض المخرجين العرب قاوموا الرقابة السينمائية ، وصنعوا افلاماً تتميز بالذكاء الشديد ، وإظهار الفساد في كل الأماكن من السجن والتعذيب الى المسؤولين الذين تاجروا في كل شيء حتى الأرض والعرض ، الى المتاجرة بالأطعمة الفاسدة والدواء الفاسد ، حتى التجارة بالبشر ، وسرقة الأثار والتاريخ ، في احد الأفلام تجرا احد المخرجين على طرح موضوع سرقة الأهرامات ونهر النيل ، في فنتازيا مضحكة تظهر مدى الخوف الكامن في الأعماق من الغد ، خاصة بعد ان أعلن السادات ( ان حرب اكتوبر آخر الحروب) ودخل العدو الى البلد من أبواب التطبيع واصبحت البلد رهينة في قبضة رجال الأعمال والسياسيين الذين خلطوا السياسة بالتجارة .حتى أصبحت مصر مجرد سوق وساحة خلفية للبيت الابيض والكنيست الاسرائيلي . ان السينما الواقعية هي التي تطرح المشاكل بصدق وتشير الى الخلل في المجتمع ، وهناك من يعتبر الأرشيف السينمائي الواقعي جزءاً من ذاكرة الشعوب ، فالشعب الذي يشعر ان قيادته منفتحه ، وتسجل خطواته على اشرطة السينما ، يعرف ان تاريخه محفوظ ولا يوجد لعب في سنواته امام الاجيال القادمة .

 الفساد واللصوصية
من الاكتشافات التي توزعت بين الفساد واللصوصية في مصر أبان حكم الرئيس المخلوع مبارك ، انه كان يتدخل في الأفلام التي تظهر فيها صورته ليس فقط بصبغة شعره ووجهه المشدود بل بحنانه وعطفه ، مع علمنا ان الرقابة السينمائية العربية معروفة بحرصها على التدقيق في كل كلمة ومشهد ، خاصة حين يكون الفيلم متعلقاً بالسياسة ومشاكل المجتمع المربوطة بالسلطة ، عندها يأخذ كاتب الفيلم و و المخرج في اللف والدوران ، واظهار السلطة بمظهر الرحيمة والعطوفة والمحبة والمساعدة كي يستطيعا تمرير الفيلم وعرضه . ومن هنا فأن الرئيس مبارك كان مشغولاً بكيفية ظهوره ، وملاحقاً لكل كلمة و لقطة ، مما قيد حركة المخرجين ودفعهم الى تصويره بأحسن الصور !!. لقد عرف جميع الرؤساء والحكومات العربية خطورة تأثير الفيلم السينمائي السياسي على الناس ، فهناك من حارب ومنعه مباشرة ، وهناك من طورعملية المنع عن طريق رفض القصة والسيناريو منذ البداية ومنهم من قام بحذف المشاهد التي تمس الرئيس واسرته او فساده . ان تدخل الرئيس في ان تكون صورته جميلة وطيبة دفع العديد من المخرجين الى التغزل في شخصيته وتقديمه بصورة الأب الحنون الذي يلاحظ ويهتم ويساعد ويشعر بهموم الناس ، وايضاً الذي يعرف ان الذين حوله لا يقولون له الحقيقة وانه ضحية للبروتكول ، ويحاولون عزله عن الشعب ، مثل فيلم (طباخ الريس ) بطولة الفنان طلعت زكريا - الذي ما زال على الولاء لمبارك - هذا الفيلم قلب المعادلة الواقعية ليظهر الرئيس بثوب الحمل الوديع الهادىء الذي يسير حسب تعليمات الذين حوله ، والرئيس المسكين الذي يأكل الفول ويشتهي التجول في الشوارع أسوة بالمواطنين العاديين!!.

زواج بقرار جمهوري
اما فيلم ( زواج بقرار جمهوري ) للمخرج خالد يوسف الذي كان من اوائل المخرجين المصريين والعرب ، الذين وضعوا أصابعهم على جروح التخلف والعشوائيات والبطالة والفقر ، كل هذه الطينة التي ستكون في افلامه مستقبلاً ارضية لأنطلاق ثورة ميدان التحرير– مثل فيلم حين ميسرة ، دكان شحاته ، هي فوضى ، قدم في فيلم (زواج بقرار جمهوري) الصورة للرئيس الحريص على مشاركة الشعب افراحه ، لكن في ذات الوقت اظهر للرئيس ان للشعب طلبات بسيطة للغاية لكن تستحق الاهتمام من جانبه وتلبيتها. لكن الكشف عن تدخل مبارك وسلطته في الأفلام المصرية والإصرار على حشر صورته المشرقة دائماً ، يبين ان الفساد لا يكون فقط مالياً ، بل معنوياً وخداعاً للتاريخ واجيال التي تبحث عن الحقائق . واذا كان البعض في حالة غيبوبة ، في الواقع هم كانوا في حالة خداع للآخرين ، والآن هم في مرحلة الأستيقاظ والوعي – وهذا يذكرنا بعودة الوعي للكاتب توفيق الحكيم الذي أصر امام السادات على القول انه كان في فترة عبدالناصر في غيبوبة - . فعلى الناس ان لا تصدقهم وتحاسبهم .

السادات والشاذلي
هناك الآن من يستغل الثورة ليدير القرص الثوري لصالحه ، اما يستغله مالياً عبر افلام ومسلسلات كأنهم هم من قاموا بالثورة او لتنظيف تاريخهم الذي ترهل على زمن مبارك وكان مشاركاً في عملية خداع الصورة ، وهنا لا بد ان نشير الى الصورة التي شارك في تزيفها احد الصحفيين الكبار وكانت عند استقبال الرئيس الامريكي اوباما لملكي الاردن والسعودية والرئيس المصري الذي كان يمشي متثاقلاً وكان وحيداً في الوراء ، الا أن هذا الصحفي الذي تعود على خداع الشعب المصري والعربي قام بفبركة صحفية بوضع مبارك امام اوباما وامام الرؤساء العرب ، وكانت فضيحة يندى لها جبين الأعلام ، ومؤخراً كشف عن خداع صورة الانتصار حين وضع مبارك صورته الى جانب السادات خلال حرب اكتوبر بدلاً من رئيس الأركان سعد الدين الشاذلي ، وبعد الثورة الشبابية أرجعت صورة الحقيقية ( السادات والشاذلي ) وطردوا صورة مبارك المزيفة .

كما ان استغلال الثورة الآن على أشده ، فأحد المخرجين قام مؤخراً بتغير عنوان فيلمه ( الحقنا يا ريس ) الذي اظهر الرئيس مبارك كأنه المنقذ للشعب ، فهو الأب المسؤول عن حماية اولاده ويناشدونه بأن يخلصهم ، بأن اطلق عليه عنوان ( صراخ نملة ) وقام بحذف صور مبارك ، الشعب المصري نمل ويصرخ ، من حفرة مبارك الى حفرة النمل المصري ، وقام المخرج بسرقة صور من ميدان التحرير خلال الثورة ووضعها في الفيلم. في نهاية احد افلام الفنان نور الشريف وقف بطل الفلم الذي سرقوا له كليته كي يزرعوها في جسم مسؤول غني ، امام صورة مبارك في المحكمة قائلاً ( يرضيك يا سيادة الريس سرقوا لحمنا ) وكانت نظراته غاضبة مليئة بالأسى والقهر . و تبين ان مبارك كان يسرق اللحم والعظم ، والأفلام والصور ، حتى انه لم يتنازل عن الرفاهية في موته وفي قبره ، ان الصور التي اظهرت المقابر الفخمة له ولعائلته ، من الرخام الى المكيفات الى غرف الأستقبال الى ... الخ تبين انه الفرعون الحديث الذي انزلته كلمة ( ارحل ) رغماً عن أنفه ولولاها لبقي جاثماً على الصدور .

 في مسرحية( آخر ايام سقراط ) للمبدع منصور الرحباني قال :

يا عالمنا القديم

ندر علينا نتغير

لا الحقيقة بتتخبا

ولا الحرية بتتأخر

ما بوقف بوجه الكلمة

لا سيوف

ولا عسكر

مقالات متعلقة