الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 29 / أبريل 02:01

مطانس فرح: آخر صرعات أعياد الميلاد

كل العرب
نُشر: 25/03/11 15:10,  حُتلن: 15:03

مطانس فرح:

يعود الطالب، مؤخرًا - بعد يوم دراسيّ - حاملاً معه بطاقة دعوة أو بطاقات عدّة أحيانًا، في اليوم ذاته، لأعياد ميلاد أبناء وبنات صفّه

إنّ الاحتفال بأعياد الميلاد - وخصوصًا أعياد ميلاد الأطفال - في المطاعم والمقاهي، يُثقل على كاهل الأهل - إن لم يكسره - فهو عبء ماديّ إضافيّ لأهل المحتَفى به/ها والمحتفِل معه/ها

ركضَت نحوي مبتهجةً فرحة، حاملةً بيدها دعوةً شخصيّة باسمها؛ لتكون هذه أولى الدعوات التي تتسلّمها، دعوة لحضور حفلة ميلاد أحد أبناء صفّها..نعم؛ فبحجم فرحة هذه الطفلة ابنة السابعة،كانت مفاجأتي!
«شو القصَّة.. ليشْ كُلّ هَالْهِيصَة؟» - سألتها.«شُو ليشْ؟.. إمبارِح وِصِلْني مَكتوب عُزومي، لإلِي أنا شَخْصِيًّا.. يَعْني بْإِسْمي، مِشْ بِإِسِمْ لا بابا وَلا ماما» - أجابت.
«ومِنْ مِين هايِ الْعُزومِي؟» - سألتها مُستفسرًا.
«من إبن صَفّي، عازِمْني عَ عيد مِيلادو فِي الْمَطعَم» - أجابتني فرحةً.

أكبر حفلة عيد ميلاد
لأوّل مرّة تتسلّم هذه الطفلة دعوةً شخصيّة، فكنت متفهّمًا لَهفتَها وفرحًا لفرحتها، من دون أدنى شك..أخذتُ منها بطاقة الدعوة لأقرأ تفاصيلها، فوجدتها أقرب ما تكون إلى دعوة عرس منها إلى دعوة عيد ميلاد طفل، بشكلها ومضمونها!! فهذه هي آخر الصرعات..! دعوات لحضور حفلات أعياد ميلاد في المطاعم والمقاهي والقاعات أو في المجمّعات التجاريّة - يتعلّق الأمر بعمر المُحتفَى به وبوضع أسرته الماديّ - فكلّ «بُنْفُخ عضلاته» أو بالأصحّ «بِوسّع جيبه»، ويتفنّن بابتكار حفلة عيد ميلاد، لتكون حديث أبناء وبنات الصفّ أجمعين لمدّة شهر كامل!!
الحديث لا يقتصر على فئة عمر معيّنة؛ فحفلات عيد الميلاد تبدأ من الحضانات وحتّى الصفوف الثانويّة، ولكلّ فئة عمر صَرْعاتها المتنوّعة بابتكار حفلة خاصّة.
يعود الطالب، مؤخرًا - بعد يوم دراسيّ - حاملاً معه بطاقة دعوة أو بطاقات عدّة أحيانًا، في اليوم ذاته، لأعياد ميلاد أبناء وبنات صفّه.
وفي ظلّ الأوضاع الاقتصاديّة الصعبة التي يمرّ بها عدد كبير من أهالي الطلّاب، والتذمّر - شبه اليوميّ - من عبء الأقساط الدراسيّة الشهريّة المفروضة على كاهلهم، وغلاء المعيشة، والتهرّب من دفعها.. تجدهم - هم أنفسهم - ينظّمون أكبر حفلة عيد ميلاد لابنهم أو ابنتهم، تكفي تكلفتها سداد القسط الدراسيّ السنويّ، إن لم تزد عن ذلك.

فئات عدّة في المجتمع
وكلّ ذلك كَيْلا يشعر ابنهم أو ابنتهم بأنّه/ها أقلّ «قيمةً» أو «قدرًا» من ابن/ابنة صفّه/ها الذي/التي احتفل/ت بعيد ميلاده/ها في المقهى الفُلاني أو المطعم العلّاني، فالتقليد الأعمى لظواهر عديدة في مجتمعنا، والسير كالقطيع وراءَها - بدافع الغيرة، غالبًا - يُساعد على تثبيتها وتحويلها إلى تقليد نُدمجه ضمن تقاليدنا الاجتماعيّة، فنساهم بذلك في انتشارها وترسيخها، حتّى وإن لم تناسب أو تتناسب مع فئات عدّة في المجتمع.
إنّ الاحتفال بأعياد الميلاد - وخصوصًا أعياد ميلاد الأطفال - في المطاعم والمقاهي، يُثقل على كاهل الأهل - إن لم يكسره - فهو عبء ماديّ إضافيّ لأهل المحتَفى به/ها والمحتفِل معه/ها، ولا أقصد هنا حفلات الميلاد العاديّة «البسيطة»، بل تلك التي يدفع المدعوّ إليها، مبلغًا نقديًّا/«نقوط»، لزميله المحتفِل في أفخم المطاعم وأرقى القاعات!! فيحوّل المحتفِل بذلك عيد ميلاده إلى صفقة تجاريّة بحتة، بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى.
نعلّم أطفالنا وأبناءَنا بذلك - ومنذ الصغر - أنّ الحياة ماديّة.. فنربّي أجيالاً تفتقد الدفء العائليّ والمجتمعيّ، أجيالًا تحوّل مجتمعنا إلى مجتمع ماديّ بامتياز! وبعدها نتساءَل عن سبب الجفاء..؟
ما أجمل أن يحتفل الطفل بعيد ميلاده ضمن عائلته الصغيرة المحِبّة، من أصدقاء وأقرباء، تحت كنف والديه، بجوٍّ حميميّ دافء، ليشعر بمعنى المحبّة الحقيقيّة، وبالأمان والحنان.. بدل أن يحتفل مع العشرات في نادٍ أو قاعة ملأى بكلّ ما لذّ وطاب، لكنّها تفتقد معنى الميلاد الحقيقيّ!
وأنتم دائمًا مدعوّون لحضور آخر صرعات أعياد الميلاد..وHappy Birthday..! 

مقالات متعلقة