الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 28 / أبريل 16:01

دينا سليم بمناسبة عيد الأم: الدمية...حياة..

كل العرب
نُشر: 24/03/11 14:09,  حُتلن: 08:06

* دينا سليم- قاصة وروائية فلسطينية تقيم في استراليا

لم يأتِ ببالي أن أحاذي الشاطيء بسيارتي اليوم، فلم يكن هو طريقي، سبب مبهم يأخذني اليه، عرجت اليه دون أن استأذن عقلي الغاضب، أنا هكذا كلما أشعر بالغضب أنزوي في مكان متحرك يأخذني في رحلة مع النفس، أقصد السيارة، هي فقط تعيدني الى ذاتي المجروحة، أدور بها طرقا شتى لا تعرفني ولا اعرفها، اليوم بالذات اخترت طريقا آخر علني أتمسح بوجوه جديدة فأتعظ.
وبمحض صدفة التقيت بوجهين اثنين، متألمين حزينين، يداهما متشابكتان وعيناهما يغمرهما الأسى، لمحت عربة أطفال مع أو بدون طفل، الله أعلم، المرأة تهز العربة بيد واهنة متعبة والرجل يحتضنها بحنان ظاهر.
الطريق يتفرع الى اثنين، واحد يحاذي الساحل الذي فرغ تماما من الناس، وثانيهما يؤدي الى المدينة، وكباقي أصحاب المركبات اخترت شارعا سالكا، وعند أول انعطاف في الطريق غابا عني، مرآتي اكفهرت وظلت ترمقهما حتى هربا منها أيضا، لكنهما استطاعا أن يستحوذا على عقلي.
وفي اليوم التالي عدت الى ذات الطريق، كان الرصيف فارغا منهما تماما، صوبت نظري نحو الشاطيء، تمنيت رؤيتهما يسيران على رمله الساخن متعانقين، منظر غير مألوف يقيّد أنفاسي، عربة الطفل مركونة بشكل مرعب وحدها وفي أشعة الشمس الحارقة، لم أعلم إذا كانت تحتوي على طفل بداخلها، أطلت الوقوف في المكان الممنوع وأنا أبحث عن الأم، كان الوقت ظهرا، الشاطيء خال من الناس، المقاعد على الرصيف فارغة وطيور النورس تحوم متناثرة في الأفق.
همست ريح ساخنة في أذني وعبر نافذتي حثتني على المغادرة، فغادرت وعيني البريئة تقف عند العربة المتروكة بإهمال هناك.
وفي اليوم الثالث اجتاحتني أفكار جاحدة ثقيلة، حدسي يضعني على فوهة السؤال، ووجدت نفسي مجددا أسير بمحاذاة الشاطيء لكي أبحث عن الجواب، بحثت عن العربة فلم أجدها، لكني وجدت المرأة وحدها تجلس القرفصاء على المقعد المحاذي للشاطيء، ساكنة وكأن البحر قتل أنفاسها.
تأرجحتُ قلقا فاهتزت خلجاتي، أسكتُ محرك السيارة المنتحب فنهنه مثل طفل ابن شهر، لزمت الصمت وبدأت أتابع منظر الأم مجددا، تحلّب ريقي، شلّت الأمومة داخلي وفلجت أطرافي، أنينها لا يصلني لكني أشعر به، شاردة تعانق حلما هرب منها، لم تكن وحيدة هذه المرتعشة التعيسة، مسحت بيدها وجه دمية ما وغرزت أناملها في شعرها الأصفر الناعم الذي يشبه رمل البحر.

مقالات متعلقة