الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 04 / مايو 05:02

سعيد نفاع يكتب:يعيش الغرب ومجلس الأمن!

كل العرب
نُشر: 19/03/11 14:14,  حُتلن: 15:12

سعيد نفاع في مقاله:

هل التأييد والدعم للشعب الليبي وثواره وحفظ دمائه وإطلاع فجر حريّته هو فعلا وراء هذه المواقف العربيّة الرسميّة وبعض العربيّة الأخرى، ويستأهل كل ذلك؟!

لم نكن طبعا بحاجة للرجوع لمذكرات بطرس غالي فمن أكثر منّا نحن الفلسطينيين يعرف "عدالة" الأمم المتحدة ؟! ولكن يحقّ لنا أن نتساءل عن مدلولات هذا القرار للرسميين العرب وجامعتهم إستجداءا للتدخل الغربي في ليبيا!

لم تكن وليست الولايات المتحدة وحلفاؤها ولا مجلس أمنهم بحاجة لقرار عربيّ رسميّ كيّ يتخذوا أو "يفوّتوا-من فيتو" أي قرار حول التدخل في العالم العربيّ متى وأينما وكيفما شاءوا ومتى وأينما وكيفما يحلو لهم، بقرار أمميّ وبدون قرار. ولا أجدد شيئا في هذا لا لقاريء ولا لنفسي، ففلسطين ولبنان والصومال والعراق شواهد. وامتناعهم عن التدخّل وخروجهم حيثما خرجوا جاء بقرار عربيّ شعبيّ هكذا في لبنان عندما تطايرت مقارهم عام 1984 وقتل أكثر من 200 جندي أميركي وأكثر من 50 فرنيسا وهكذا حتى في الصومال عام 1993 حين كان دخلها المارينز بحثا عن أتباع القاعدة عام 1991 وخرجوا بعد أول معركة سقط فيها 18 جنديّا أميركيّا وهكذا سيكون في العراق.

حفظ السلام المجهزة
جاء في مذكرات بطرس غالي وزير الخارجيّة المصري السابق وأمين عام الأمم المتحدة لاحقا، في موضوعيّ التدخلّ أو ما يُسمّى فاعليّة المنظمة في قضايا السلام، وعلاقتها مع العرب خاصة، الآتي بتصرّف:
يتم تدخل الأمم المتحدة من أجل السلام على مستويين: الأول ويتمثل بقوى حفظ السلام المجهزة بأسلحة خفيفة والتي يفترض عدم خوضها لأي قتال، ومع ذلك فإن وجودها يرتبط بموافقة جميع الأطراف. أمّا المستوى الثاني فهو قوات التدخل التي ترتبط بتكليف مجلس الأمن، والتي تحتاج إلى وقت طويل نسبيّا.
وهكذا فإن ثغرة أمنية تعترض تدخل الأمم المتحدة من أجل السلام، وهنا قدّم غالي اقتراحه بتلافي هذه الثغرة عن طريق إيجاد مفهوم جديد ثالث وهو النشر الوقائي في المناطق الساخنة لقوة مؤلفة من الجنود تضعهم الدول الأعضاء في وضعيّة الجهوزيّة القتاليّة، وتمت الموافقة على هذا المبدأ. لكن الولايات المتحدة عادت وانقلبت على هذا المبدأ، بعدما جرى لجنود المارينز في الصومال ما جرى وكانت هذه الحادثة أحد الأسباب المعلنة والمبررات لتدخلها بمعزل عن الأمم المتحدة وتخطيها لها، ومن هذا الباب قامت وحلفاؤها بالحظر الجوّي حينها على شمال العراق.
أمّا عن تجربة العرب مع الأمم المتحدة فحدّث ولا حرج، فمنذ قيامها تعاني الأمم المتحدة من نظرة انشطاريّة للعرب، ففي حين اعتبر قيامها تكريسا لنهاية الحقبة الاستعماريّة فإنه كان أيضا تكريسا لقيام إسرائيل الذي نظر إليه العرب كاستعمار من نوع آخر ضرب عرض الحائط بكل قراراتها، وإذا أضفنا إلى ذلك التأييد الأميركي (الضاغط على الأمم المتحدة) نستنتج أن العرب لم يشعروا يوما بعدالة المنظمة، وحتى في حال إصدارها قرارات مؤيدة للحقوق العربيّة، فإن إسرائيل كانت قادرة على تجاوزها لدرجة التجاهل. 

الرجوع لمذكرات بطرس
لم نكن طبعا بحاجة للرجوع لمذكرات بطرس غالي فمن أكثر منّا نحن الفلسطينيين يعرف "عدالة" الأمم المتحدة ؟! ولكن يحقّ لنا أن نتساءل عن مدلولات هذا القرار للرسميين العرب وجامعتهم إستجداءا للتدخل الغربي في ليبيا!
عندما تلقيّنا نحن القيادات العربيّة في ال-48 قبل سنة دعوة "الأخ القائد" للقائه كنت من بين المدعوين و"الله ستر" ولم ألبها ليس قبل أن تعود بي الذاكرة لكرنفال ل"الأخ العقيد" مع قيادات سودانيّة كان قيّض لي وبمحض الصدفة أن أراه على الشاشة الليبيّة، وليس قبل أن أجد أن لا أحد في الوفد يعرف شيئا عن الزيارة غير رغبة "الأخ القائد" بلقائنا فانتابني شعور وجدت حرجا في التعبير عنه إلا لبعض المقربين امتناعا عن المسّ بزملائي، أسميته " شعور القطيع" ردّني هذا الشعور ومنظر القادة السودانيين في حضرة "الأخ العقيد"، عن تلبية الدعوة وراحت محاولات بعض الزملاء لإقناعي بمرافقتهم و"إلي سويّة في الكل" هباء ولم أخسر لا حينها وكم بالحريّ اليوم.
رأيت أن أعرّج على هذا رغم أني أكتب مقالا اجتهاديّا وليس شخصيّا حتّى أكون على سلام مع نفسي عندما أتناول اليوم جرائم القذافي في حقّ شعبه ولم أكن أكرمته لا بزيارة ولا بخطبة عصماء ولا تمسّحت بعباءته كرمال حفنة "مصاري" ولو من أجل دعم مؤسسة قوميّة ولا يدور الحديث هنا عن قادة الداخل.
كل هذا ورغم تساؤلي الكبير عمّن وقف وراء تحميل الثوار السلاح وهو العارف حقيقة الميدان! ولكن السؤال الأهم الذي يجب أن يشغلنا هو هذا القرار الرسمي العربيّ اليتيم الاستجدائي للغرب أن يتدخّل، ولن تنفع كل الكلمات المنمقّة في القرار عن رفض تدخّل حلف شمال الأطلسي وتوجيه الطلب إلى الشرعيّة الدوليّة والتي رأينا هذه الشرعيّة بالممارسة في كل قضايانا كما جاء أعلاه. أو كأن المارينز بمجرد أن يعتمروا الخوذة الأمميّة سيختلفون عند اعتمارهم الخوذة الشمال-أطلسية!.
وهذه الغارديان البريطانيّة تنقل عن الناطق باسم المجلس الوطني الليبي الانتقالي مصطفى الغرياني مطالبته الغرب باغتيال القذافي وقوله إن عدم تقديم الغرب المساعدة للثوار من شأنه أن يدفع المحبطين من الليبيين إلى الاستعانة بالمتطرفين وإذا تأخر الغرب كثيرا فإن الناس ومعظمهم من المعتدلين قد يصبحون هدفا للمتطرفين.
وإذا كان الموقف الرسميّ المتمثل بالجامعة مفهوما وليس بجديد ولكن غير المفهوم هو موقف الغرياني والأغرب من كل ذلك مواقف بعض المفكرين والمثقفين والفضائيّات عبر مذيعيها ومعلّقيها الذين يروحون يأخذون دور المحامي المستجوب تفنيدّا لادعاءات المسئولين الغربيين الذين يقابلون وهم يسوغون تردد قياداتهم عن التدخّل، لدرجة تجدك قائلا لنفسك: "سبحان مغيّر الأحوال كيف يصير الشيطان بنظرهم منقذا يطلبون رحمته".

خطر على المصالح
الغرب والذي لم يكن بحاجة في تاريخه ل"عزومة" للتدخل في بلاد العرب يتصرّف كالمستنكف وحال لسانه يقول: "أرجوني أكثر وتذللوا أكثر وأنتم الذين تعتبروني الشيطان الرجيم وأساس كل بلاويكم"، خصوصا وهو العارف حقّ المعرفة أن القذافي منذ زمن لم يعد يكوّن خطرا على مصالحهم لا بل ضمنها ولم يمسها في العقود الأخيرة، لا بل من يضمن لهم أن البديل سيضمن هذه المصالح إلا إذا جاء على رؤوس حرابهم ولكنهم لن يقدموا هذه الحراب إلا بعد أن يحشوها هو في بطنه أعمق والضمان المطلوب لغرزها عميقا وتثبيتها وبيده، هو أكثر كثيرا من الاستجداء.
فهل التأييد والدعم للشعب الليبي وثواره وحفظ دمائه وإطلاع فجر حريّته هو فعلا وراء هذه المواقف العربيّة الرسميّة وبعض العربيّة الأخرى، ويستأهل كل ذلك؟! وهل حريّة ودماء الشعب الليبي كافية للغرب ليلبي الاستجداء، فإذا كان الله جلّ جلاله قال:" قم يا عبدي حتى أقوم معك"، فلماذا لا يقول الغرب كذلك وكثير من العرب يرونه كذلك و"أستغفر الله".
أي تدخل غربيّ ومن أي نوع كان سيضيف بلوى على بلوى وحتى لو أنقذ الشعب الليبي من القذافي فلن ينقذه من حرب أهليّة دامية تطول ولن ينقذه بعدها من سيّد آخر مستتر مخفيّ ربما يكون أنور ولكنه أخبث خصوصا وفي يده مقبض الحراب.
المروّع هو أن العرب الرسميين وغير الرسميين والذين ستصغر أعينهم أكثر ممّا هي صغيرة أمام أميركا والغرب عبروا بهذا القرار وهذا التوجه مرّة أخرى عن عجزهم ولكن هذه المرّة بمذلة أكثر ورغم أو بسبب شتاء شعوبهم المدرار.
فإذا كان فعلا ما يقلقهم الشعب الليبي المذبوح فأين طائراتهم وأين جيوشهم؟ فإذا كانوا غير قادرين أن يواجهوا القذافي عسكريّا فيها فعلى الأقل كان الأولى بهم أن يقرروا التدخل تفاوضيّا لا أن يقرروا إستجداء الغرب "الشيطان" باتخاذ إجراءات لن تروي من رمق ولن تشبع من جوع على المدى البعيد.
فما لكم أيها الليبيون إلا أنفسكم ولو طال المشوار وصعُب، وأما نحن الفلسطينيّون فحقنا أن نسأل وعلى ضوء ما يجري لكم أيها الليبيون، كيف سيواجه هؤلاء إسرائيل المدعومة من الغرب وهم القاصرون عن مواجهة القذافي المتخلّى عنه من الغرب، وهل من أمل لنا حتى أن نحلم بفجرنا اعتمادا على أشقائنا ومهما استجدوا لنا الغرب؟! 

مقالات متعلقة