الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 28 / أبريل 09:02

حوّلي الإجتماع حول مائدة الطعام إلى درس إجتماعي لطفلك

أماني حصادية -
نُشر: 25/02/11 11:30,  حُتلن: 12:07

لا تستطيع الأُم التحكم في ذوق طفلها في الأكل. فقد يحب السبانخ أحياناً مثلاً، ثمّ يرفض تناوله أحياناً أخرى

إذا رأى الطفل أُمّه تتناول المشروبات الغازية والوجبات السريعة بإنتظام، سيعتقد أن تناول هذه الأصناف أمر عادي

إذا حاولت الأُم إسكات طفلها بالأكل كلما بكى، عندها سيبدأ في الربط بين الطعام والبكاء وحب الأُم، إضافة إلى أنّه سيولِّد مشاكل صحية حقيقية

يشكل الإجتماع حول مائدة الطعام، الشكل الأوّل للتواصل والتفاعل، الذي يواجهه الطفل في حياته. ولهذا ينبغي على الأسرة، والأُم بشكل خاص، أن تحسن تعليم طفلها قواعد وآداب المائدة منذ سن مبكرة، بحيث يتحول الإجتماع حول مائدة الطعام إلى درس إجتماعي يومي، يفيد الطفل مستقبلاً في حياته العامة.


صورة توضيحية

عندما يصبح الطفل في عمر السنة، على الأُم أن تحرص على تعريفه بالمبادئ الأساسية لتناول الطعام، وعلى الجانب الإجتماعي من هدف المشاركة في وجبة طعام مع آخرين. فمائدة الطعام هي عبارة عن عالم صغير يضم أشخاصاً من مختلف الأعمار، يجتمعون معاً من أجل هدف واحد هو تناول الطعام والنقاش حول موضوع يهمهم جميعاً. ومن المتوقع أن يتصرف الجميع بتهذيب. وقد تجتمع العائلة الواحدة لتناول وجبة خفيفة، لكن الإجتماع في حد ذاته، هو الذي يُعدّ الطفل للحياة خارج جدران المنزل.
معظم الأطفال يصبحون مستعدين للبدء في تعلُّم مهارات آداب المائدة الصحيحة بعد بلوغهم سن الثالثة. إلا أنهم يستوعبون الكثير ممّا يُقال لهم عند جلوسهم مع العائلة حول مائدة الطعام قبل هذه السن. وأوّل ما يفعله الطفل عند وضعه على الكرسي هو حمل الملعقة بيده ليتناول طعامه بنفسه، وهو ما يتسبب في فوضى عارمة. إنّ هذا السلوك الفوضوي هو المنطلق لتعلم قوانين آداب المائدة.

تغذية مفيدة
إنّ إضافة الطعام الجامد، مثل الخضار المسلوقة وغيرها، إلى وجبة الطفل لأوّل مرّة عند بلوغه الشهر السادس من العمر، أو ما فوق، هي بداية التأسيس لتغذية مفيدة للطفل ولنموه. إضافة إلى ذلك، هي نقطة الإنطلاق لتعليمه آداب المائدة. فتناول الأطعمة الجامدة، بالنسبة إلى الطفل، فرصة للعب بمحتويات صحنه ونثرها في كل الإتجاهات. ومع كونها فترة "فوضى" ممتعة للطفل، وأحياناً لبقية أفراد الأسرة، إلا أنها تشكل البداية لتعليم الطفل آداب المائدة.
ومن المعروف أن إطعام الطفل طعاماً جامداً يستغرق فترة أطول، الأمر الذي يتطلّب المزيد من الصبر من جانب الأُم. فتناول الطعام الجامد يشكل متعة للطفل. ولأنّ الأطفال يحبون اللعب بالطعام. لذا، عندما تضع الأُم طفلها في كرسيه العالي، يأخذ في التلويح بيديه و"النطنطة" في كرسيه، ثمّ يخطف الملعقة من يد أُمّه، فيتناثر الطعام في كل مكان. ولا يعتبر هذا تصرفاً سيِّئاً، بل إنّه تصرف طبيعي. لأنّ الطفل يريد أن يعرف كل شيء عن هذه المادة الجديدة، ويحاول أن يكتشف نتيجة أعماله وعلاقة كل ذلك بالسبب، أي إلقاء الطعام من فمه أو من الملعقة. إن مغامرات الطفل مع الطعام تعتبر فوضى في نظر الأُم. فهذه هي الحال دائماً ولكن، حتى تجارب تناول الطعام في سن مبكرة تمنح الطفل الفرص ليتعلم آداب المائدة.
في جميع الأحوال، يجب أن تنتهز الأُم فرصة وجود العائلة معاً لتناول الطعام، للبدء في تعليم الطفل الأساس في آداب المائدة، إذ يحتاج الطفل إلى أن يعرف أنّ الهدف الأساسي من جلوسه حول المائدة هو تناول الطعام. لذا، إذا لاحظت الأُم أن طفلها شبع وبدأ يستعد للعب ببقايا طعامه، أو أنّه ببساطة لا يريد أن يأكل، عليها رفع الطبق من أمامه حالاً.
ومن المعروف أنّ الأُم دائمة القلق حول ما يأكله، الطفل، والكمية التي يأكلها، ولكن، إذا حاولت أن تُجبره على الأكل، عندها تتحول أوقات الأكل إلى معارك دائمة، وصراع مستمر بين الأُم والطفل، الأمر الذي يُولِّد مشاكل للطفل مع الطعام في ما بعد، أو يؤدي إلى عدم الإنتظام في أكله.
إنّ إتّخاذ بعض الخطوات قبل بداية تناول الطعام، يساعد الأُم على الحد من "الفوضى"، ما يتيح لها المزيد من الوقت لتعليم طفلها السلوك الجيِّد أثناء تناول الطعام، ومنها:

* الكرسي العالي:
 من أجل سلامة الطفل وراحة بال الأُم وبقية أفراد العائلة، يحتاج الطفل إلى أن يتعلم كيفية الجلوس إلى مائدة الطعام، وذلك بإجلاسه في الكرسي العالي الخاص بالأطفال. وعلى الأُم وضع قوانين، وإلزام الطفل بأحترامها: ممنوع الوقوف أثناء وضعه في الكرسي أو محاولة النزول منه، ممنوع التحرك بإستمرار، بل عليه الجلوس في مكانه إلى حين الإنتهاء من تناول الطعام. ويُفضّل إستخدام الكرسي العالي عند تناول الطعام فقط، حتى يتعلم الطفل أنّ وقت الطعام يختلف عن وقت اللعب. يجب وضع كرسي الطفل العالي بالقرب من شخص راشد، حتى يستطيع الإشراف عليه، كما يجب إبعاد الأدوات القابلة للكسر عن متناول الطفل.
إذا استطاعت الأُم أن تُعلِّم طفلها قواعد الجلوس إلى المائدة أثناء مرحلة إستخدام الكرسي العالي، فقد يتمكن من الجلوس على كرسي عادي عندما يصبح في عمر الثلاث سنوات.

* إستخدام الصدرية:
 إنّ إلباس الطفل صدرية أثناء تناول الطعام، هو بمثابة رسالة له بأنّ الطعام مُعدّ لوضعه في الفم وليس على الوجه أو اليدين أو الملابس، أو أي مكان آخر. لذا، يجب إلباسه صدرية نظيفة عند كل وجبة، ومسح فمه بها أثناء تناوله الطعام، وتشجيعه على إستخدامها بنفسه. على الأُم نزع الصدرية حال إنتهاء الطفل من تناول طعامه. وعندما يكبر يمكنها إستخدام الفوطة بدلاً من الصدرية، مع أنّها قد تضطر أحياناً إلى إستخدام صدرية أيضاً.

* إستخدام أدوات المائدة:
يحاول الطفل أن يأكل بنفسه بالملعقة. ومع أنّه لن يستطيع إستخدامها بشكل صحيح إلا بعد بلوغه سن الثالثة، على الأُم أن تشجعه وتثني على محاولاته، ثمّ تقوم بتنظيف المكان من مخلّفات الطعام. وليس المهم أن يتحكم الطفل بيده في هذا العمر، قبل بلوغ سن الثالثة، بل المهم أن يتعلم إستخدام الملعقة. لذا، على الأُم إعطاء الطفل ملعقة وتعليمه على كيفية إستخدامها. فإذا نجح في إيصال الطعام إلى فمه، عليها أن تمدحه وتشجعه، ولكن عليها ألا تنتقده إذا فشل. أمّا إذا حاول الأكل بيده، فعليها ألا تمنعه. فقد يرغب الطفل في إستخدام الملعقة مرّة أخرى بعدما يأكل قليلاً من الطعام بيده، لأنّه سرعان ما يتعلّم أن تناول بعض الأطعمة، مثل الشوربة والبطاطا المهروسة، والكورن فلكس.. إلخ، بالملعقة أسهل من تناولها باليد.
إنّ إستخدام الملعقة مهارة من الصعب أن يتعلمها الطفل بسهولة، بل إنها تحتاج إلى وقت طويل وإلى جهد من جانب الأُم. وفي العادة، يصبح الطفل مستعداً لإستخدام الشوكة في عمر الثلاث سنوات، ولكن يجب ألا يستخدم السكين إلا بعدما يصبح في عمر السبع سنوات.

- التصرف حول مائدة الطعام:
إنّ التصرف المقبول إجتماعياً هو ذلك الذي يعكس إهتمام الشخص براحة ومتعة الآخرين وحاجاتهم. ولكن، ليس لدى الطفل أي تصور حقيقي عن إحتياجات الآخرين. فالطفل لا يعرف إلا إحتياجاته هو، كما أنّه لا يهتم بمتعة الآخرين أيضاً. لكن، تستطيع الأُم أن تناقش وجهات النظر هذه، والتي تتضارب مع وجهة نظر الطفل، عندما تجتمع العائلة حول مائدة الطعام. فقد يتقبّل الطفل اللياقات الإجتماعية فقط عندما يواجهها بشكل دائم. فقد يصر الطفل، مثلاً، على الاستحواذ على الحصة الأكبر من طبق الحلوى، ولكن على الأُم تذكيره دائماً أنّ الطعام لجميع أفراد العائلة وليس له وحده. ومن ناحية أخرى، قد يأخذ الأطفال في الضحك عندما يتجشأ طفل آخر، أو يصاب بالحازوقة، أو ينفخ بفمه فينثر الطعام في كل مكان. على الأُم أن توضح لأطفالها أن كل تلك التصرفات غير مقبولة، ولا يسمح بها.
يجب أن تكون تصرفات الأُم وبقية أفراد العائلة الأكبر سناً، أثناء تناول الطعام، هي المثال الذي يقتدي به الطفل. إذ يجب أن يتصرف كل فرد بتهذيب، مثل إستخدام فوطة الطعام، وإبعاد المرفقين عن الطاولة، ومضغ الطعام بفم مغلق، وعدم التكلم أثناء المضغ، وإستخدام أدوات المائدة بشكل صحيح، وسكب الكمية التي يمكن أكلها فقط.
إذا كان هناك أطفال أكبر سناً، على الأُم أن تنبههم على تناول الطعام بتهذيب، وسيتعلم منهم الطفل التصرف السليم. وستكون الفائدة التي يجنيها الطفل أكبر إذا وضعت الأُم مبادئ واضحة والتزمت بها بدقة. ومن بين هذه المبادئ:

* عدم مقاطعة أحد وهو يتكلم.
* إنتظار الطرف الآخر حتى ينهي حديثه ثمّ يتولى الشخص الآخر الحديث.
* ممنوع الصراخ، أو إثارة ضجة، أو مضايقة أحد، أو إهانة أحد.
* التحدث بصوت منخفض.
* ممنوع الشجار أو اللعب أثناء تناول الطعام.
على الأُم أن تبدأ في تعليم الطفل آداب المائدة منذ لحظة إعداد المائدة ووضع الأطباق والشُّوك والسكاكين والملاعق والأكواب والفُوَط في مكانها. يستطيع الأطفال الأكبر سناً (سبع سنوات وما فوق)، مساعدة الأُم في توزيع الفوط، ولكن عليها ألا تجبرهم على أداء هذه المهمة، بل أن تطلب منهم المساعدة فقط.
ويجب أن يكون الجو أثناء تناول الطعام هادئاً، وأن تحاول الأُم التقليل من المشاجرات والضجيج. لذا، يجب إغلاق التلفزيون، وعدم السماح باللعب أو القراءة أو إستخدام الكومبيوتر أو ألعاب التسلية.. إلخ، أثناء تناول الطعام. وإذا انتهى الأطفال الأكبر سناً من تناول الطعام، فعليهم ممارسة هواياتهم بعيداً عن المائدة، حتى لا ينشغل الطفل الصغير بمراقبتهم، فيصبح من الصعب على الأُم إطعامه.
ويجب أن يكون وقت تناول الطعام محدداً، كما يجب الإنتظار حتى يجلس كل شخص في مكانه قبل البدء في تقديم الطعام. ومن المهم تعليم الطفل الإستئذان قبل ترك المائدة. فمن غير المقبول الطلب من الأطفال الصغار الجلوس إلى المائدة بعد إنتهائهم من تناول الطعام. ولكن، يمكن الطلب منهم أخذ أطباقهم والأدوات التي استخدموها إلى حوض غسل الأطباق. ومهما كانت الطقوس التي تتبعها العائلة، قبل أو بعد تناول الطعام، فإن إلتزام الطفل بآداب المائدة منذ الصغر، أثناء تناوله الطعام مع عائلته، سيعطي ثماره عندما يبدأ في تناول الطعام مع آخرين خارج المنزل

وقد تساعد الإقتراحات التالية على تحسين طريقة تناول الطفل لطعامه في المستقبل:
* التنويع في أنواع الطعام والحرص على تقديم صنف جديد بإنتظام: لا تستطيع الأُم التحكم في ذوق طفلها في الأكل. فقد يحب السبانخ أحياناً مثلاً، ثمّ يرفض تناوله أحياناً أخرى. ولكن تنويع أصناف الطعام وتقديم أطباق جديدة بين فترة وأخرى، يساعد الطفل على تناول كل ما يُقدَّم له من طعام في ما بعد.

* عدم مكافأة الطفل بالطعام أبداً: إذا حاولت الأُم إسكات طفلها بالأكل كلما بكى، عندها سيبدأ في الربط بين الطعام والبكاء وحب الأُم، إضافة إلى أنّه سيولِّد مشاكل صحية حقيقية تتعلق بعدم إنتظام أكل الطفل ومشاكل أخرى تتعلق بتصرفاته.

* على الأُم أن تكون المثال لطفلها في طريقة أكلها وفي ما تأكله: من المعروف أنّ الأطفال مُقلِّدون بارعون. فإذا رأى الطفل أُمّه تتناول المشروبات الغازية والوجبات السريعة بإنتظام، سيعتقد أن تناول هذه الأصناف أمر عادي.

مقالات متعلقة