الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 19 / مايو 14:01

ابراهيم صرصور يكتب: مصر بين الأمس واليوم

كل العرب
نُشر: 18/02/11 10:56,  حُتلن: 14:49

ابراهيم صرصور في مقاله:

جاءت مفاجأة الثورات في تونس ومصر وما تبعها من ثورات بدأت تتشكل في أكثر من وطن عربي ، متزامنة مع ذكرى المولد النبوي الشريف ، فأعطاها وبحق مذاقا نوعيا

آن الأوان للنظام العربي الرسمي ، بعدما رأينا التاريخ تكتبه أجيال الشباب في تونس ومصر ، أن يتقاعد ، وأن يخرج من الساحة بشيء من كرامته ، وأن يتعلم الدرس مما يجري ...


عادت بي الذاكرة وأنا أرمق الشعب المصري يصنع تاريخه من جديد ، إلى تلك اللحظات التي عاشها ذات الشعب تغلي صدور أبنائه وتفور أفئدتهم حقدا على الملك ( فاروق ) الذي أخضع بلاده للاستعمار الأجنبي

لقد أهدى الشعب المصري لأمتنا وللإنسانية هدية غالية بمناسبة المولد النبوي الشريف ... لقد حقق الإنجاز المذهل الذي كدنا ننفض أيدينا من إمكانية الوصول إليه ... انتصار ( ثورة 25 كانون ثاني / يناير ) وضع مصر والأمة عموما وبجدارة على طريق جديد سيكون له ما بعده ، كما ستكون له أثاره الحاسمة في صياغة شرق أوسط جديد ، ولكن بعيون وأيدي عربية وإسلامية هذه المرة ، وبما يتوافق مع أماني الأمة الدينية والوطنية والقومية ...
جاءت مفاجأة الثورات في تونس ومصر وما تبعها من ثورات بدأت تتشكل في أكثر من وطن عربي ، متزامنة مع ذكرى المولد النبوي الشريف ، فأعطاها وبحق مذاقا نوعيا ، وأعطته بامتياز نكهة خاصة ، حتى بتنا نقرأ أحداث ميلاده صلى الله عليه وسلم برؤية جديدة ، وكأنها أو قل هي بالفعل انعكاس لميلاد الرسول الأكرم ، والذي يعتبر وبحق نقطة تحول في تاريخ الإنسانية عموماً ، وتاريخ الأمة العربية خصوصاً . لقد شكلت الرسالة التي بعث الله بها الرسول عليه السلام ثورة بالمعنى الكامل والشامل وفي جميع مجالات الحياة ، مرتكزة إلى رؤية عقائدية تجمع بين الدنيا والآخرة، وبين الدين والدنيا. أنا على ثقة أن كل الثورات في عالمنا العربي وأخرها الثورات في تونس ومصر، ما هي إلا إنعكاس لتلك الثورة التي قادها الرسول صلى الله عليه وسلم ، فكلها جاء لينقل الأمة من حالة الضعف إلى حالة القوة ، ومن الهزيمة إلى النصر، ومن الذل إلى العزة ، ومن التخلف إلى التقدم والازدهار ، ومن حالة التفرق والشتات إلى الوحدة ، ومن حالة الإستبداد إلى حالة الحرية والشورى ، ولك أن تقول الديمقراطية بنكهتها الإسلامية .
أثبتت الثورة التونسية والمصرية مرة أخرى أن الأمة العربية حية بالرغم مما أصابها من تراجع، وبالرغم مما تعيشه من مآسي على المستوى الداخلي الدكتاتورية والفساد والتخلف والمرض، والخارجيالهزائم العسكرية والسياسية والحضارية ، وأنها قادرة على النهوض من تحت الركام لتصنع تاريخها من جديد ، لأنها ما تزال تملك أدوات الفعل ، وما زال مصدر قوتها وطاقتها أي الإسلام ، وحضارته قائماً وحاضراً ، مما يحتم على العالم أن يتحضر لمرحلة جديدة سيكون عليه أن يتعامل فيها مع الأمة العربية والإسلامية بالإحترام المطلوب لهويتها ولخياراتها ولإرادتها واستقلالية قراراتها ...

 حصاد الذاكرة ...
عادت بي الذاكرة وأنا أرمق الشعب المصري يصنع تاريخه من جديد ، إلى تلك اللحظات التي عاشها ذات الشعب تغلي صدور أبنائه وتفور أفئدتهم حقدا على الملك ( فاروق ) الذي أخضع بلاده للاستعمار الأجنبي ، وقاد أمته إلى هزائم متلاحقة ، وسخر إمكانات دولته لإشباع غرائزه البهيمية ، وداس الدستور بحذائه الثقيل ، وحول الجيش إلى حرس يحميه من شعبه ... تخيلت هذا الشعب وهو يقف على شاطئ الإسكندرية يثأر لكرامته بطريقته الخاصة من ذلك الملك الذي طغى وبغى وتجبر وتكبر ، حتى سَوَّلَتْ له نفسه ارتكاب أفظع الجرائم ضد مصر وقواها الحية ، وعلى رأسها اغتيال الإمام ( حسن البنا ) رحمه الله ، مرشد أعظم جماعة إسلامية إصلاحية عرفها تاريخ أمتنا المعاصر ، جماعة ( الإخوان المسلمون ) ... ظن ( فاروق ) ، أو هكذا سَوَّلَ له أسياده ، أنه بهذه بهده الجريمة قد تخلص من اكبر أعدائه ، وأزال من طريق استمرار ملكه في مصر أجرأ خصومه ، وما عرف أن الله كان له بالمرصاد ، وأن الشعب المصري الذي أحب المخلصين من أبنائه ، أصبح بركانا يغلي من داخله ، سرعان ما تفجرت حممه فحولت ظلام مصر إلى ضياء ، وعروش الظلم إلى هباء ، لتقيم على أنقاضها صروح الحرية والانعتاق ...

 الأمل الذي خاب ...
هذا ما كان يتمناه الشعب المصري من ثورة 23 تموز/يوليو 1952 ، وقد رأوا ما فعل الله بفاروق وملكه ... علق الشعب المصري والأمة العربية من ورائه آمالا عريضة على الثورة فدعموها بالمال والرجال ، وكان ( للإخوان المسلمين ) الدور الكبير في نجاحها وحمايتها في أكثر مراحلها خطورة ، وذلك باعتراف الثورة نفسها ... لم يطمح ( الإخوان المسلمون ) يوما في السيطرة على الثورة أو فرض الوصاية عليها ، بل كانوا الحريصين على أن تحقق أهدافها في إطلاق الحريات ، وإقامة مجتمع العدل والمساواة والديمقراطية المستنيرة ، إلا أن الثورة تحولت بعد مدة قصيرة إلى أتون تأكل أصحابها وتصفي أبناءها ، وتحكم بالحديد والنار ، وابتعدت ما استطاعت إلى ذلك سبيلا عن أهدافها ، فذاق الشعب المصري في ظل حكمها ألوان العذاب ، حيث انتهى أمرها إلى هزائم مريرة ، وذل تجرعه الشعب المصري فوق ما تجرع من ذل سياسات الدولة الداخلية ... الدكتاتورية والاستبداد والفساد ... إنها ذات الأمراض التي انتفض ضدها الشعب المصري ، عادت هذه المرة على دبابات ( الضباط الأحرار ) ، ولكن إلى حين ، وقد قيل ( دوام الحال من المحال ) ...

 مرحلة جديدة قديمة ...
سقطت منظومة ( جمال عبدالناصر ) مع وفاته ، كما هو حال الدكتاتورية دائما ، ليتسلم الحكم من بعده ( أنور السادات ) ... لم يتعلم السادات من سلفه ، فلم يجر تغييرات جذرية في نظام الحكم يؤسس لديمقراطية حقيقية ، ولتداول سلمي للسلطة في ظل تعددية سياسية وإطلاق للحريات العامة . مرة أخرى يفقد ( السادات ) أعصابه في ظل ضغوط جماهيرية طالبت بحقها سلميا ، فصب جام غضبه على قوى الشعب الحية وعلى رأسها ( الإخوان المسلمون ) لمجرد أنه رأى فيهم طليعة التحرك المعارض لسياساته الداخلية والخارجية ، جردهم من أبسط الحقوق ، وزج بهم في السجون ، وتجرأ على علمائهم بما لم يسبقه إليه أحد ، فسرعان ما انتهى أمره إلى ما انتهى إليه سلفه ... دكتاتورية واستبداد وفساد ، ثم اغتيال على يد مجموعة من شباب مصر الغيارى وهو في عرينه وبين جنده وتحت سمع وبصر خلصائه وصفوته ، ( فما بكت عليهم السماء والأرض ) ...

 حجج أقبح من ذنب ...
يدخل عهد ( حسني مبارك ) منذ العام 1980 ، وتخضع مصر للأحكام العرفية من ذلك التاريخ وحتى سقوط مبارك بعد انتصار ( ثورة 25 كانون ثاني يناير ) من العام 2011 ... لم يتعلم هو أيضا الدرس من أسلافه ، فعاد ليرتكب ذات الأخطاء والخطايا ، فسام الشعب المصري أصناف العذاب ، وكما كان لفاروق وعبدالناصر والسادات زبانيتهم الذي أذلوا الشعب وأهانوا كرامته وامتصوا دماءه ، كان ( لمبارك ) زبانيته أيضا ممن افترسوا الشعب المصري ، وحولوه ، أو هكذا ظنوا بغبائهم ، إلى مجموعة من العبيد الخانعين ، وما عرفوا أن الشعب وإن صبر حينا ، فلن يطول صبره ، وقد قيل ( إنما للصبر حدود ) ...
مرة أخرى تقع القوى الحية وعلى رأسها ( الإخوان المسلمون ) ، فريسة لنظام مبارك كما كان حالها مع من سبقه ، ومرة أخرى ينتهى أمره إلى ما انتهى إليه أسلافه ... دكتاتورية واستبداد وفساد ، ثم ثورة سلمية أشعل فتيلها شباب مصر ، سرعان ما تحولت إلى ثورة شعب بأكمله ، أزاحت مبارك ونظامه ، وتوشك إن شاء الله تحقق للشعب المصري النقلة النوعية التي طال انتظاره لها ، وتحمل التضحيات الكثيرة والكبيرة في سبيلها ... لم تعد حجج النظام في مصر وفي غيرها من الدول العربية تنطلي على أحد ، خصوصا في زمن الانفجار المعلوماتي الذي نعيشه ، والفضاء الإعلامي المفتوح ، وانكسار حاجز الخوف من شباب متعطش للتغيير ، وقادر على إدارة مشروعه ألثوري بكل الكفاءة والذكاء والقدرة والحنكة والمهنية ... لم تعد التهم التي تعدها نظم الاستبداد سلفا والتي لم تتغير منذ ثورة 1952 وحتى الآن ، لتروج في أوساط الغالبية الساحقة من شباب الأمة ، بعد أن انكشفت حقيقتها وبانت سوأتها ، ولم يعد بالإمكان قبولها ، وهذا بالفعل ما أثبتته ثورة الشباب في مصر ...

 الحل المشرف ...
آن الأوان للنظام العربي الرسمي ، بعدما رأينا التاريخ تكتبه أجيال الشباب في تونس ومصر ، أن يتقاعد ، وأن يخرج من الساحة بشيء من كرامته ، وأن يتعلم الدرس مما يجري ... إن المراهنة على قوة العسكر والمخابرات وأجهزة الأمن مهما بلغت في وحشيتها وقسوتها وعدائها للشعب وولائها للنظام من جهة ، وعلى الحليف الأمريكي من جهة أخرى ، في حماية هذه الأنظمة ، لن يجدي حينما يتحرك الشعب بكل قطاعاته كما حصل في مصر وتونس ... إنها حتمية دينية وتاريخية : دولة الظلم ساعة ، ودولة العدل إلى قيام الساعة ... والعاقل من اتعظ بغيره !!!...

مقالات متعلقة