الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 04 / مايو 09:02

أحلام أحمد وعيسى.. تمتعوا بالقراءة

كل العرب
نُشر: 10/02/11 18:58,  حُتلن: 08:18

جاءني اليوْمَ عمِّي ناصر إلى الدارِ. لمْ أرَهُ مِنْذُ زمنٍ بعيدٍ. أظنُّ أنَّني رأيتُهُ آخرَ مرَّةٍ وأنا في الصفِّ الأولِ. انتظرتُهُ طويلاً بشوْقٍ فلمْ يأتِ. سألتُ عنهُ فقالَ لي أبي رحِمَهُ اللهُ: (عمُّكَ يا بنيَ مُعْتَقَلٌ في سجونِ العدوِّ الصهيوني..) كنْتُ أذكرُهُ كثيراً.. وأذكُرُ أغانيه، يعزفُها لي على العودِ وأمِّي تُصَفِّقُ لـه تَصْفيقاً خفيفاً وتميلُ برأسِها طَرَباً وسروراً بعيونٍ طافِحَةِ بالفَرَحِ.


صورة توضيحية

عادَ عمي بعدَ غيابٍ طَويلٍ ليجدَني في دارِ أبناءِ الشُّهداء. ضَمَّني عمي ناصر وبكى طَويلاً بصَمْتٍ. كنتُ أشْعُرُ بدموعِهِ تَنْهالُ على شعري وتَنْحَدِرُ على عُنُقي. حاولتُ أنْ أتَحَرَّرُ من بين يَديه لأنْظُرَ إلى عينيه لكنَّني لمْ أُفْلِحْ. ثُمَّ رَفَعَ رأسَهُ وقالَ لي بكلماتٍ هادئة: (هيَّا يا أحمد.. سنعيشُ معاً.. أنا وأنت.. سنكونُ صديقين وحبيبين..) لم أجِبْه. نَظَرْتُ طويلاً إلى ساعدِهِ المبْتورَةِ.. إنََّها يدُه اليُمنى التي يَمْسِكُ بها ريشَةَ العودِ ويعزِفُ بها. سألتُ نفسي: (هل تَحْتاجُ إليَّ يا عمي؟!) آهٍ ما أصعبَ الإجابَةَ عن هذا السؤالِ. هلْ أستطيعُ أنْ أحكي لكَ يا عمي عن صديقي عيسى في هذه اللَّحَظاتِ الحميمةِ؟؟ كِلانا في الصفِّ الخامسِ. لقدْ أرسَلَهُ اللهُ إليّ ليكونَ تَوْءَمَ روحي. عندما يَتَحَدَّثُ عيسى عن آلامِه، أشْعُرُ أنَّهُ يتحدثُ بقلبي وروحي.. وعندما يَحْكي لي عن أحلامِهِ، أشْعُرُ أنِّي أقودُ جَيْشاً كبيراً، يَهُبُّ من مكانٍ إلى آخرَ، ليُحَقِقَ العدْلَ والمساواة. آهٍ يا عمي.. لقَدْ زَرَعْنا بأَحْلامِنا العالمَ كلَّهُ وجَعَلْناهُ روضةً كبيرةً واسعةً ليكونَ جَنَّةً لكلِّ طفلٍ ذاقَ طَعْمَ القَهْرِ والظلمِ والحِرْمان واليُتْمِ والمرارةِ. يا عمِّي منصور! أنا وصديقي ندْرُسُ ونَجْتَهدُ طوالَ النهارِ، وفي المساءِ نمضي مع أحلامِنا نَحْرُثُ ونزْرَع ونسقي رياضَ أحلامِنا، ونَقْطِفُ ما لذَّ وطاب من الثمار؛ نوزعها على الفقراء والمحرومين والمساكين من أطفالِ هذه الدنيا. هي أحلامٌ يا عمي.

نَعَمْ أحْلامٌ.. سنقاتلُ بها أوهامَ الصهاينة الأشرار. بالأمْسِ حدَّثَنا الأُسْتاذُ ماجد عن أوهامِ الصهاينة الأشرار. سألتُه أنْ يَشْرَحَ لنا هذه الكلمةَ بأسلوبٍ بَسيطٍ فقالَ: (الأوهامُ ـ هي أطماعُ الأشرارِ.. الأطماعُ المُسْتحيلَةُ ـ هي التي نُسَميها أوهاماً..) ونَبَّهنا الأستاذُ ماجد قائلاًُ: (يا أحبائي.. نحنُ العرب سنحرِقُ أوهامَ الصهيونيةِ بشجاعتنا وتَضْحياتِنا من أجْلِ الإنسانية جَمْعاء) ونحن يا عمي ناصر.. نطيرُ كغيومٍ ونحلِّقُ فوقَ السهولِ والجِبالِ والوِدْيان، حينَ نَسْتَمِعُ إلى أستاذِنا ماجد.

لوْ تعرفُ يا عمي ناصر، كَمْ أنا فَرِحٌ بكَ.. عندما اقتَرَبْتَ منِّي، غَمَرَتْني رائحةُ أبي فَتَبَخَّرَتْ آلمي وأحزاني، وغرَّدَتْ روحي. ولَوْلا شوقي إلى أبي وأمي لغَرِقْتُ في نوْمٍ عَميقٍ وَطُفْتُ بِقاعَ الدنيا مع ملكِ الأحلامِ وأنا بين ذراعيكَ. كنتُ أتَمنى أنْ أغوصَ في عينيكَ وهُما طافحتانِ بدموعِ الشَّوْقِ والحُزْنِ والأَلمِ، في لحظةٍ تَرْقُصُ فيها الأفراحُ على أنغامِ نَبَضاتِ قلوبِ الأحِبَّةِ. كنتُ أظنُّكَ أقربَ النَّاسِ إليَّ؛ حتى أقربَ من أبي وأمي، عندما كنت تزورنا لتلعب معي وتُغَنِّي وترقُصَ لي. وأحزَنُ وأغْضَبُ عندما كنت تُغادرَنا.. وكنتُ أتَمَنّى أنْ تأخذَني معكَ إلى حيثُ أنتَ ذاهبٌ.. لقدْ أَحْبَبْتُكَ أكثرَ من والدي ووالدتي.. وأُحِبُّكَ الآنَ أكثَرَ. قَطَعَ اللهُ من بَتَرَ ساعدَك وحَرَمَكَ من العَزْفِ على عودِكَ الغالي. أينَ عودُكَ الآنَ يا عمِّي ناصر؟؟ أذْكُرُ أنَّهُ كان مُعَلَّقاً على الجِّدارِ يُزَيِّنُ مَنْزِلنا الذي أصْبَحَ كَوْمَةً من الأنْقاضِ على يَدِ الصهاينةِ الأشرارَ. وكمْ أتَمنَّى أنْ أمضي معكَ الآنَ إلى حيثُ تشاءُ، لأكونَ خادِمكَ الأمينَ وصَديقَك الحَميمَ ورفيقَكَ الوفيَّ... ولكنْ، كيفَ أتركُ صَديقي وحَبيبي ورفيقَ أحلامي عيسى، وَحيداً في الدَّارِ؟؟ لا، لنْ يكونَ وحيداً.. فهو مَحْبوبٌ جداً من زُملائه وأصْدِقائه جميعاً، في الدَّارِ.. لكنَّنا تعاهَدْنا على أنْ نكونَ روحاً وقلبْا ويداً واحدة.. نبني ونزْرَعُ ونَجني معاً.. ولنْ يُفَرِّقَنا إلاَّ الموتُ. قَبَّلَني عمي في جَبْهَتي وقال مُوَدِّعا:
ـ سأزورُكُم دائماً!
وابتسم لي بألَمٍ وقالَ بأسى:
ـ سأتزَوَّجُ يا أحمد. وأريدُكَ أن تكونَ إلى جانبي.
قَفَزْتُ مُعَبِّراً عن بَهْجَتي هاتِفا: (ألفُ.. ألفُ مَبْروك يا عمِّي!!) وقَبَّلتُ عمِّي مُهَنِّئا مُتَمَنِّيا لَهُ التَّوفيق والنَّجَاحَ. وقَبْلَ أنْ يَمْضي، انحنى وتناولَ كيسا كانَ إلى جانبِه وهوَ يقولُ: (هذا لكُمْ جَميعا) ثُمَّ صافَحَني ومَضى. نادَيْتُه: (عمي! أرجوكَ أن تُسَمِّي أوَّلَ ابن لك عيسى على اسم صديقي) رَفَعَ يدَهُ تَعْبيراً عنْ عَدَمِ موافَقَتِه. اقتَرَبَ منِّي ثانيةً وهَمَسَ بأُذُني: (أتَمَنى أنْ يكونَ ابني صديقاً لأحمدَ وعيسى.. لكما معاً.. سأسمِّي ابني على اسمِ أبيكَ (عمر) ليكونَ أحمدُ وعيسى وعُمَرٌ روحاً وقلباً ويَداً واحدةً، يَزْرَعونَ ويبنونَ أحْلامَنا.. أحْلامَ أُمَّتِنا العربيةِ.

مقالات متعلقة