الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 18 / مايو 17:01

الشيخ إبراهيم صرصور: شعوب تستحق منا الاعتذار

كل العرب
نُشر: 04/02/11 10:57,  حُتلن: 14:16

الشيخ إبراهيم صرصور في مقاله:

أنا على ثقة من قدرة ملايين الثائرين على تفويت الفرصة على هؤلاء الأعداء الألداء

يبدو أن أكثر الأنظمة العربية لم تُبْقِ لشعوبها خيارات غير الخروج إلى الشارع من خلال ثورات شعبية عارمة بهدف إسقاط منظومات الاستبداد فوق إسقاطها للمستبدين

لعلنا أساءنا الظن في امتنا وشعوبنا العربية ... لقد وصلنا قبل الثورات الشعبية التي ما زال يخوضها الشعبان التونسي والمصري لتغيير الأوضاع جذريا في دولهما ، إلى حالة من اليأس تقريبا من إمكانية أن تقوم هذه الشعوب في وجه حكامها الظالمين ، مصرة على المضي في حركتها الجماهيرية العارمة حتى زوال الأنظمة بكل ما تمثله من استبداد ودكتاتورية وظلامية مهما كلفها ذلك من تضحيات ... لذلك تستحق منا هذه الشعوب الاعتذار على إساءة الظن فيها ، وإن كان ذلك ثمرة مرة لصبر دام عقودا طويلة تجرعنا فيها معها كؤوسا مترعة من الذل والهوان في كل ساحة وميدان ... نعم لقد تفاجأت من التطور المتسارع للأحداث ... تفاجأت من شجاعة هذه الشعوب التي أعادت إلينا الأمل من جديد ... لم أتصور في أكثر أحلامي وردية أن نصل إلى هذا اليوم المشهود الذي بدأت فيه شعوبنا تصنع تاريخا يليق بها وبمكانتها كما نتخيلها ونريدها ، ويضعها على طريق الإقلاع في عالم الإنجاز والإبداع ، تماما كما كانت على مدى قرون ...

التأييد الكامل للحراك الشعبي
من نافلة القول التأكيد على تأييدنا الكامل للحراك الشعبي في أكثر من بلد عربي بهدف تغيير الأوضاع المتردية ، والتخلص من أنظمة الاستبداد المزمنة التي سئمتها الشعوب بعد أن عطلت مؤسساتها ، وفرطت في حقوقها ، وامتصت خيراتها لمصلحة قلة من منتفعيها ، لأن ذلك حق دستوري وطبيعي تقره وتكفله الأديان والشرائع والقوانين ، بل هو واجب شرعي تأثم الأمة كلها إن لم تنهض به على الوجه الأكمل ، وتُعَرِّضُ نفسها إلى سلسلة من العقوبات الإلهية إن هي قَصَّرَتْ في القيام به ، أقلها حبس الرعاية الربانية عنها ، وتشديد قبضة الظلم عليها حتى تعود إلى الاضطلاع بدورها وأداء الأمانة الملقاة على عاتقها في الضرب على يد الظالمين ، فإما الاستجابة لمطالب الشعب ،وإما الخلع والإبعاد كما جاء في قواعدنا الشرعية ....

ثورات شعبية عارمة
يبدو أن أكثر الأنظمة العربية لم تُبْقِ لشعوبها خيارات غير الخروج إلى الشارع من خلال ثورات شعبية عارمة بهدف إسقاط منظومات الاستبداد فوق إسقاطها للمستبدين ، وتحرير نفسها من أغلال الدكتاتورية التي ظنت للحظة أنها قد أطفأت في نفوس شعوبها شعلة الكرامة الوطنية ، ونجحت في شلِّ حركتها بسبب ما فرضته عليها من ثقافة الخوف بسبب قبضة أجهزتها الأمنية الحديدية ، وبسبب ما روجت إليه من ثقافة الاستهلاك الغرائزي التي امتلأت به فضاءات العرب من خلال ( كباريهات ) الإعلام الرسمي المفتوحة ، وحلفائه في قطاع الإعلام الخاص التي سخرت نفسها لخدمته ولو دمرت في طريقها حصون الأمة الأخلاقية والقيمية ... جاءت الثورات/الانتفاضات/ الحركات الشعبية لتثبت أن الشعوب العربية قد تصبر طويلا على الظلم وحكم الاستبداد وظلم الدكتاتوريات ، إلا أنها إن تحركت فهي قادرة على إحداث التغيير المطلوب .

استحداث نظام التوريث بمعناه الحرفي أو السياسي
واضح أن الشعوب العربية قد وصلت إلى قناعة أن أنظمة الاستبداد واستئثار الحزب الواحد بالسلطة الكاملة ، والإعداد ( لتأبيد !!! ) نظام الحكم من خلال استحداث نظام التوريث بمعناه الحرفي أو السياسي ، واختزال الدولة والشعب والمال العام والثروات في شخص الرئيس ( الصنم الإله !!! ) الذي لا يُسأل عما يفعل ، وتزييف إرادة الشعب والضحك على ذقنه من خلال انتخابات مزورة وصورية ، كل ذلك لن يتم تغييره بالبيانات والتصريحات وملاطفة النظام واستجدائه لرفع حذائه عن كرامة الشعب ولقمة عيشه وقراره ، وإنما يكون بالثورة الشعبية عليه ، واقتلاعه من جذوره وإلقائه في مكب نفايات التاريخ . أنا لا أستطيع أن أتنبأ بنتائج ما يجري في أكثر من دولة عربية ، لكني على ثقة بأن حاجز الخوف قد انكسر بالفعل ، ولم يعد أمام النظام العربي في اغلبه إلا أن يرحل وبطريقة سلمية ، لتتسلم القوى الحية الأسيرة في الأمة مهمة الإنقاذ ووضع الآليات لعملية انتقال سلسة إلى مرحلة الحريات والديمقراطية الحقيقية ، ووضع الضمانات القادرة على حماية الإنجاز من المتربصين والنفعيين ، ووضع دستور يؤمن مسيرة الشعب من خلال ضمانٍ لتداول السلطة بين أحزاب الأمة وقواها الحية ، ويكفل رحيل الاستبداد إلى الأبد من خلال تحديد مدة حكم الرئيس لعشر سنين فقط ، في ظل إطلاق لحرية التنظيم والتعددية الحزبية والصحافة ، وتعميق وسائل الرقابة والشفافية ، وضخ ثقافة احترام الرأي والرأي الآخر ما لم يخرج عن ميراث الأمة وهويتها الدينية والقومية والوطنية .

التعديلات التجميلية المزيفة
لن يكون مقبولا من الآن فصاعدا على الشعوب العربية ( شراءها ) ببعض التعديلات التجميلية المزيفة ، ولا ( امتصاص ) غضبتها الحقيقية من خلال إقالة حكومة هنا أو هناك ، فالشعوب أذكى من أن تنطلي عليها هذه الحركات البهلوانية المكشوفة ... الشعب قرر إسقاط منظومة الاستبداد كلها وليس فقط رأس هذه المنظومة أو بعضها ، فمرض سرطان الاستبداد يجب أن يجتث من جذوره ، وإلا سيبقى مهددا لصحة الجسم كله .

منظومة الاستبداد
قلبي على هذا الحراك الشعبي من أعداء ثلاث ...أولها ، منظومة الاستبداد بما تملكه من وسائل الترهيب والترغيب ، وثانيها ، المتسلقون من صيادي الفرص الذين يتأهبون في الخفاء ( لسرقة ) الثورة ، كما حصل في عالمنا العربي بعد فترات التحرر من الاستعمار الغربي ، والتي شكلت شعوبنا المخلصة وقودها الحي ، لكن الخفافيش التي نعاني منها حتى اليوم اختطفتها من أصحابها الشرعيين ، وصادرتها تحت مختلف الشعارات لتحول تحررنا إلى استعمار أشد فتكا من استعمار الغرباء . وثالثها ، أنظمة الغرب عموما والولايات المتحدة الأمريكية خصوصا ، التي دعمت الدكتاتورية بكل قوة ، وغضت الطرف عن جرائمها بسبب ما تقدمه في سبيل سياساتها وامتيازاتها ومصالحها من خدمات جليلة ، بل وساهمت في أكثر من مناسبة في الإجهاز على محاولات حقيقية للتغيير في عالمنا العربي والإسلامي كما حدث في الجزائر وفلسطين ، ثم هي تأتي اليوم لتُخَيِّلَ للرأي العام العربي من سحرها أنها تسعى لدعم الثورات الشعبية في مصر وتونس ، وهي في ذلك ليست أكثر من أفعى تحاول أن تلدغ هذه الجهود في مقتل ...
أنا على ثقة من قدرة ملايين الثائرين على تفويت الفرصة على هؤلاء الأعداء الألداء ، وعلى أن يرسموا بصلابتهم ووحدتهم وإيمانهم لوحة النصر في حياة امتنا ، وعلى أن يفتحوا بوابات الأمل أمام الأجيال في أجواء أكثر صحية وأمانا ...

مقالات متعلقة