صحيفة بريطانية:

الوثائق تؤكد ان الجانب الفلسطيني كان مستعدا للذهاب بعيدا جدا وتقديم تنازلات ضخمة

 الوثائق لم تتسبب في كثير من اللغط الداخلي وعلى الشارع الاسرائيلي بل أثبتت ان المفاوض الاسرائيلي لم يكن منافقا يوما وكانت خطواته في العلن

المتضرر الاول والاكبر من كشف هذه الوثائق هو الكبرياء الفلسطيني، فالتنازلات الفاضحة التي تقدمها السلطة عبر هذه الوثائق تطعن في صميم الكرامة الفلسطينية

اهتمت الصحف البريطانية صباح اليوم بالوثائق الفلسطينية التي ادلي عليها الستار والتي توضح ما دار من مفاوضات سرية بين السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس والحكومة الاسرائيلية في عام 2008. والتي بموجبها قدم الجانب الفلسطيني تنازلات غير مسبوقة. ونطالع في زاوية الرأي لصحيفة الجادريان البريطانية مقالة تحليلة لكاتبها جوناثان فريدلاند تحت عنوان: "وثائق فلسطينية: نعلم الان انه كان لاسرائيل شريك سلام فلسطيني".

الكرامة الفلسطينية
وقال فريدلاند في افتتاحية مقالته ان الوثائق تؤكد ان الجانب الفلسطيني كان مستعدا للذهاب بعيدا جدا وتقديم تنازلات ضخمة فيما تتصلب الحكومات الاسرائيلية عند نقطة واحدة لا تتزحزح عنها, لتبقى العملية السلمية جامدة في مكانها. ثم يذهب فريدلاند الى القول ان المتضرر الاول والاكبر من كشف هذه الوثائق هو الكبرياء الفلسطيني. فالتنازلات الفاضحة التي تقدمها السلطة عبر هذه الوثائق تطعن في صميم الكرامة الفلسطينية. وان الشارع الفلسطيني لن يقف على فحوى التنازلات التي قدمها الفريق المفاوض النائب عن السلطة الفلسطينية انما اللغة التي كتبت فيها هذه المفاوضات. فلن يقف الفلسطينيون عند المساحات الكبيرة التي تتنازل عنها السلطة الفلسطينية في القدس المحتل انما لغة المفاوض المخضرم صائب عريقات التي استخدمها ليصف ان الجانب الفلسطيني مستعد للتنازل عن اكبر "يورشاليم" في التاريخ". أي ان استخدامه للاسم العبري لمدينة القدس تعتبر تمريغا للجباه الفلسطينية الاشمة في التراب.

صداقة شارون
ضف على ذلك وصف رئيس الحكومة الاسرائيلي الاسبق, اريئيل شارون على انه "صديق" لن يلقى استحسان الكثيرين في الشارع الفلسطيني, خصوصوا لاعتباره "جزار بيروت" في حرب 82 على لبنان. ناهيك عن القول لتسيبي ليفني وزيرة الخارجية الاسرائيلية في وقتها وعشية الانتخابات البرلمانية للكنيست الاسيرائيلي. القول لها :"لو استطعت لصوت لصالحك".

التنازلات الوخيمة
يقول فريدلاند ان مثل هذه العبارات ستعلق في حلق ابناء الشعب الفلسطيني بقدر ما ستعلق فيه التنازلات الوخيمة التي قدمتها عناصر المفاوضة الفلسطينية للاسرائيليين على الارض, علاوة على ما ستعلن عنه صحيفة الجارديان في الايام المقبلة من تعاون فلسطيني سري مع سلطات الامن الاسرائيلي واستعدادهم (المفاوضين الفلسطينيين) للتنازل عن حق العودة. ان الكشف عن مثل هذه الوثائق تلحق الضرر الاكبر بالسلطة الفلسطينية ومصداقيتها وحركة فتح ومسؤوليها, وعله صائب عريقات قد خسر سمعته ومصداقيته الى الابد. الا ان النتيجة الاخرى التي قد تتمخض عنها هذه الوثائق هي فقدان الشارع الفلسطيني ايمانه بالمفاوضات مع الجانب الاسرائيلي اساسا, وبحل الدولتين.

كسب الرأي العالمي
مع هذا كله فان الوثائق قد تسدي للسلطة الفلسطينية معروفا بكسب الرأي العالمي لصالحها. فالوثائق تظهر المدى البعيد الذي كان المفاوض الفلسطيني مستعد للذهاب اليه, وكبر التنازلات التي كان مستعدا لتقديمها اذ ان الفريق الفلسطيني كان على استعداد تام لتخطي خطوطه الحمراء وتقديم ارض لم تكن في المساءلة اساسا. واخص ما يكون في القدس الشريف. اما عاقبة الإسرائيليين فستكون العكس تماما. فعلى الصعيد الداخلي فان الوثائق لم تتسبب في كثير من اللغط الداخلي وعلى الشارع الاسرائيلي بل أثبتت ان المفاوض الاسرائيلي لم يكن منافقا يوما وكانت خطواته في العلن كما هي في السر. بل وستظهر ان رئيس المعارضة الان تسيبي ليفني لم تلق خدا لينا للفلسطينيين.

تصلب السياسية الاسرائيلية
ولكن على صعيد الرأي العام العالمي بالنتيجة عكسية تماما. فالوثائق تشير الى تصلب في السياسية الاسرائيلية وعدم تقديمها التنازلات سعيا الى التوصل الى حل سلمي مع الجيران الفلسطينيين هذا على الرغم من كل التنازلات الضخمة التي كان الفلسطينيون على استعداد لتقديمها.
وفوق هذا كله فان الوثائق تهب في وجه الادعاء الاسرائيلي القديم-جديد والذريعة الاساسية القائلة بعدم وجود شريك سلمي حقيقي في الجانب الاسرائيلي.

الوثائق السرية والعملية السلمية
ولكن ما هو تأثير الكشف عن هذه الوثائق السرية على العملية السلمية في الشرق الاوسط؟ يتساءل فريدلاند ويسارع بالاجابة قائلا: ان واحد من الاحتمالات وهو الاكثر تشاؤم يقضي بان ينقطع نبض الحياة الضعيف الذي كان في هذه العملية السلمية الى الابد. فالوثائق تعزز من قوة حماس وتؤكد مواقفها بان المفاوضات ليست سبيلا مع العدو الاسرائيلي وان المفاوضات لم تنجم عن لا شيء فحسب بل جلبت العار والخزي والمذلة للشعب الفلسطيني. من ناحية اخرى سينتاب البعض ان فشل المفاوضات بين الطرفين وعدم التوصل الى حل الدولتين في ظل هذه الظروف ومع كل ما قدم الجانب الفلسطيني يؤكد انه لن يتحقق (حل الدولتين وسلام) ابدا. ودائما وابدا سيقع الماكسيموم الفلسطيني بعيدا عن المنيموم الاسرائيلي المطالب الدنيا والضرورية للاسرائيليين. اما الاحتمال الاكثر تفاؤل فيقضي بتدخل امريكي عادل ومنصف والعمل على تأكيد الضغط على اسرائيل لتقوم بتقديم التنازلات اللازمة للتوصل الى حل سلمي.