الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 03 / مايو 11:02

إبراهيم صرصور:الدراسات المستقبلية في خدمة مشروعنا الإصلاحي

كل العرب
نُشر: 20/01/11 13:57,  حُتلن: 15:03

إبراهيم صرصور في مقاله:


الدراسات المستقبلية لدى المسلمين جاءت لخدمة غاية كبرى من غايات الدين ، طورت بالضرورة فلسفة ذات وزن نوعي مميز حول الدنيا


أعتقد أننا قادرون كمجتمع عربي في هذا الجزء من الوطن المقدس أن ننهض بهذا المشروع تحت مظلة هيئاتنا الجامعة وعلى رأسها ( لجنة المتابعة العليا ) وفي أسرع وقت ممكن

قلنا في الجزء الأول من هذه المقالة أن ثقافة الدراسات المستقبلية لم تكن غريبة عن فضائنا الإسلامي عبر فترات النهضة الطويلة ... ومن يعتقد بغير ذلك فقد ظلم تاريخنا ولم ينصف حضارتنا ... فقرآننا الكريم وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وموروث علمائنا الهائل ، ثم تجربة امتنا وممارساتها على مدى ألف عام تقريبا قبل أن تبدأ ( مرحلة الانحطاط ) ، فيها من الأدلة ما لا يخفى على لبيب ولا على أريب منصف من كل ملة ونحلة ، على أن امتنا مارست دراسة المستقبل واستشرافه والتخطيط المسبق لمفاجئاته السارة والمحزنة ، كجزء من حياتها ، وما كانت لتنجح في أن تبني حضارتها العالمية والإنسانية العظمى لولا رعاية الله تعالى ثم اعتمادها لأدوات الفعل القادرة على صناعة الحياة وصياغتها على أسس خالدة رسمها الإسلام العظيم ... لعل في القول المشهور ( عش لدنياك كأنك تعيش أبدا ، وعش لآخرتك كأنك تموت غدا ) ، ما يلقي الضوء على هذا المعنى التي فجر إمكانات الأمة وجعل أحلامها وطموحها أبعد من الدنيا وما فيها ، مع الحرص الشديد على استثمار الدنيا وهي دار الممر بكل الطاقة المتوفرة ، على اعتبارها القنطرة التي يتوقف عليها مكان المؤمن في الجنة ...

قيم الزهد والتقشف
الدراسات المستقبلية لدى المسلمين جاءت لخدمة غاية كبرى من غايات الدين ، طورت بالضرورة فلسفة ذات وزن نوعي مميز حول الدنيا ، وضعت قيم الزهد والتقشف والإعراض عن الدنيا تحت ضوء جديد وإيجابي ... لعل ما يمكن أن يشير إلى هذا المعنى ، ما جاء في قصة رجل ذم الدنيا بحضرة احد الصالحين ، فقال له : ( أسكت ، فإن الدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار غناء لمن تزود منها ، ودار عافية لمن فهم عنها . هي مسجد أبينا آدم ومهبط وحيه ، ومتجر أوليائه . فاكتسبوا منها الرحمة وادخروا منها الجنة . ) ... كلام ليس بحاجة إلى تعليق ، فهو أبلغ من كل تعليق ... 
 
أوضاع مستقبلية
إذا كانت الدراسات المستقبلية في عصرنا تعني من بين ما تعني استخلاص العبر من الماضي من خلال دراسة أهم التطورات وما ينتج عنها من تأثيرات ، وتصور وضع / أوضاع مستقبلية لعقدين أو ثلاثة لتحديد الأهداف والمصالح التفصيلية ، وتحديد القدرات اللازمة لإنجاز أي مسار مستقبلي بشريا وماديا ، والتركيز على عوامل التنمية في مختلف القطاعات لتحقيق الأهداف بشكل فعال واعتماد سيناريوهات مختلفة ومعدة سلفا لجميع الحالات الطارئة والمحتملة ، فلا يمكن إلا أن نعترف من غير تحيز أن تاريخنا الإسلامي مثل تطبيقا أمينا وصادقا لهذه التعريفات المعاصرة ، وعلى رأسها أن الله تعالى طالبنا بالتخطيط ليس فقط لعقدين أو ثلاثة ، ولكن للحياة كلها ، وجعل الإنجاز الدنيوي أداة الوصول إلى الغاية وهي الله والجنة ... لذلك ولذلك فقط ، جاء إنجاز الأمة رائعا فكرا وفقها وعلما وحضارة ومدنية ...

إنجازات جليلة
حتى لا نبقى في الماضي وما حقق فيه أسلافنا من إنجازات جليلة ، نعود على أنفسنا في هذا العصر ، لنسأل ما إذا كان بإمكاننا أن نلعب دورا في هذا المجال يجدد دور الإسلام والمسلمين في حياة العالمين ...!!! لا يختلف اثنان على أن بوابة التجديد بمعناه الأعمق يبدأ من عند بوابة فهم الواقع بلا تهويل ولا تهوين ، والذي يعني استيعابا واقعيا وموضوعيا لمجموع الجوانب في حياة الأمة غثها وسمينها على حد سواء ... هذا الفهم لا بد أن يفضي إلى مجموعة من الأسئلة تتأثر دائما بواقع الحياة سلبا أو إيجابا ، إقداما أو إحجاما ، وجودا أو عدما ...هذا الفهم للواقع ، وهذا التناول الموضوعي لتفاصيله ، ما هو إلا مقدمة ضرورية تنقلنا إلى المرحلة الأهم والتي ستحدد إذا ما كان في مقدور موروث الأمة ، أعني به طبعا منهاجها السماوي وفسيفساء فهمه المتنوع عبر العصور ، التعامل مع هذا الواقع المرير الذي نعيشه بما يضمن الانتقال به إلى حال أفضل يخدم حاضر ومستقبل الأمة ، ويضعها من جديد في موضعها على خريطة العالم في مجالي الحضارة والسياسة على قدم المساواة مع أمم ( العالم الأول !!! ) ...

اتجاه الذات الديني
ما من شك في أن واقعنا كجماهير عربية في إسرائيل لا يختلف عن واقع الشعوب العربية ، بل لعله أكثر تعقيدا بسبب الوضع الخاص الذي نعيشه والذي يفرض علينا معركتين في آن واحد ... الأولى في اتجاه الذات الديني والقومي والوطني بهدف بلورة الشخصية الجماعية ( القادرة والعادلة ) ، والذي يعني بداهة حماية الهوية بكل مركباتها الدينية والوطنية ، وحماية الوجود في مواجهة هجمة شرسة وغير مسبوقة من إفرازات ثقافة الاستهلاك والتي تعتبر ( الأنانية ) الفردية والجماعية ، الطائفية والقبلية ، ثم غياب ( الأخلاق ) وانحسار ( الأعراف الجميلة ) وتراجع ( العادات النبيلة ) التي عرفت بها مجتمعاتنا ، والتي أخلت مكانها ( للعنف ) و ( البلطجية ) ، والتي أصبحت سائدة بلا منازع في غالب مجتمعاتنا ، أبرز سماتها وأبشع ملامحها ... أما المعركة الثانية ففي مواجهة السلطة كدولة وحكومات في إسرائيل ، تحمل كلها قناعات تتناقض مع ثوابتنا ، ومع ذلك فنحن مطالبون بالتعاطي معها تخفيفا للأضرار وجلبا للمصالح بقدر الإمكان ، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا ...

خدمة أهداف الإصلاحية
هذه مهمة ليست بالبسيطة ولا بالسهلة ، ولن ننجح في القيام بأعبائها بمحاضرة هنا أو هناك ، ولا بمؤتمر تحت رعاية هذه الجهة أو تلك ، ولا بمظاهرة ينظمها هذا الفصيل أو ذاك ، مع تقديري لكل هذه الجهود ، وإنما نواجهها فقد بجهد جماعي وحدوي ، يقوم على دراسات علمية ورؤى موضوعية وبحوث ميدانية استقرائية ، تضع بين أيدينا معطيات إحصائية ، يمكن أن تشكل أساسا لبناء خطط المواجهة من خلال استثمار الطاقات المتاحة والممكنة ، والاستفادة القصوى من التجارب المتراكمة عندنا وعند غيرنا ، وإحياء ما درس من قيمنا وأخلاقنا وأعرافنا وتقاليدنا ، ووضعها في خدمة أهدافنا الإصلاحية الكلية...

التحدي المصيري
أعتقد أننا قادرون كمجتمع عربي في هذا الجزء من الوطن المقدس أن ننهض بهذا المشروع تحت مظلة هيئاتنا الجامعة وعلى رأسها ( لجنة المتابعة العليا ) ، وفي أسرع وقت ممكن ... أمام هذا التحدي المصيري ، أنا على ثقة من أن كل أطيافنا ستتجند على أمل أن ننجح في إنقاذ ما يمكن إنقاذه ...

مقالات متعلقة