الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 22:01

تمثال الحرية عربة خضار :شوقية عروق منصور

كل العرب-الناصرة
نُشر: 21/01/11 15:49,  حُتلن: 07:56

 المضحك ان سلاطين الانظمة العربية التي اخذ قادتها وملوكها يصرحون تصريحات تدخل في موسوعة " غينس " للدهشة

الذين كانوا يهتفون بالأمس يحيا المرشال يهتفون اليوم يحيا الجنرال

بوعزيزي ليس موضة نارية تنتشر الآن ، نسمع ونقرأ ونرى صوراً عن اشخاص في العالم العربي بدأوا يشعلون اجسادهم احتجاجاً على الاوضاع الاقتصادية التي تتسرب من تحت الأرضية السياسية

هناك تفاوت في الخيال بين الإنسان والإنسان ، لكن في خيال الشعوب لا يوجد تفاوت ، لان احلامهم وطموحاتهم تدور حول العيش السعيد المحترم ، وتوفير الحريات والحقوق والتعليم والعلاج والعمل والقوانين التي تشعرهم بإنسانيتهم وكرامتهم والمحافظة عليهم .
عبر التاريخ سقطت الشعوب تحت نير الاستعمار والاحتلال والدكتاتوريات والأنظمة الملكية والأنظمة الجمهورية وباقي الأنظمة التي كانت وما زالت براقة في دساتيرها وشعاراتها ، لكن في الواقع كانت زنازينها وسجونها وشوارعها الشعبية صوراً للقهر والقمع والفقر وكبت الحريات ، وسحق المواطن وتحويله الى مجرد ايد تصفق وافواه تهلل وتبارك بحمد الحاكم وأرجل ترقص على إيقاع خطبه الرنانة .
وهذا التاريخ لم يخرج من جيوب هذه الأنظمة الا لكي يفرغ حمولته فوق الورق ، سطوراً مشوهة ، كل نظام له فكه المفترس ، وكل صفحة مصابة بداء الهتاف والرضوخ وقد قال احد السياسين ملخصاً التاريخ ، "ان الذين كانوا يهتفون بالأمس يحيا المرشال يهتفون اليوم يحيا الجنرال " وقد قصد - المرشال بيتان والجنرال ديغول ..!

تونس والشعب التونسي
وتونس الخضراء لبست ثوب الثورة والشارع الغاضب ، ودخلت حكايات الشعوب التي ترفض ان يركب ظهورها الحاكم ويشد اللجام حتى تتعلق مشنوقة على واجهات الرضى .
لقد كتب الكثير عن تونس والشعب التونسي وعن الفساد الذي كان يحيط بالرئيس الهارب زين العابدين بن علي وزوجته ماري انطوانيت العرب ليلى الطرابلسي وبأن ثورة الياسمين التونسية كسرت القاعدة التي كانت تسير عليها الشعوب العربية " اذا جاءك الغضب دعه يمر بجميله " أي بهدوء دون اثر ، ليبقى النظام راضياً عنك ...!
لكن الجديد في لعبة الدومينو – التي تعتمد على سقوط القطعة الاولى ثم تسقط بعدها كل القطع – النار الشعبية ، لقد دخلت النار على توهج الشعوب الثائرة ، ها هي النيران تتحول الى وسيلة احتجاج مأساوية ، جنونية في فحواها ، رمزية في لهيبها ، حاقدة في رمادها ، محمد بوعزيزي الذي اشعل جسده غضباً من ظلم السلطة الحاكمة ، التي وصل ظلمها الى عربة الخضار( بوعزيزي) التي يملكها كي تصادرها بعد ان صادروا حياته وحولوه الى رجل عاطل عن العمل وينافسون طموحه حتى على عربة الخضار ، بوعزيزي هذا اصبح رمزاً وصاحب نظرية (طريقة الاشعال في الجسد) العربية ، فهذه الطريقة معروفة عالمياً وخاصة في دول شرق اسيا ، وقد رأينا شباباً صينيين ويابانيين وتايلنديين وغيرهم يشعلون النار في انفسهم في الميادين والشوارع احتجاجاً على الظلم ، واشهر من اشعل النار في نفسه احتجاجاً على الظلم ويخصنا نحن ، الشهيد الياباني ( تكاوي هيموري ) الذي أضرم النار في نفسه من اجل دعم حقوق الشعب الفلسطيني واحتجاجاً على الجرائم الاسرائيلية وعلى الحصار المفروض على ياسر عرفات .
الشهيد تكاوي الياباني الفلسطيني - اعجب من سلطة عرفات وعباس التي لم تمنح تكاوي صفة شهيد او تطلق اسمه على شارع او مؤسسة – كان معروفاً بتضامنه مع الشعب الفلسطيني وقد شارك في مظاهرات ضد مجازر صبرا وشاتيلا ، وفي 8 آذار 2001 لم يتحمل رؤية الجرائم الاسرائيلية ، فقام بسكب البنزين على جسده في الحديقة العامة في العاصمة طوكيو واضرم النار.

رجال الوطن العربي الاحرار
(بوعزيزي) ليس موضة نارية تنتشر الآن ، نسمع ونقرأ ونرى صوراً عن اشخاص في العالم العربي بدأوا يشعلون اجسادهم احتجاجاً على الاوضاع الاقتصادية التي تتسرب من تحت الأرضية السياسية ،(بوعزيزي) صفحة جديدة في عالم الرفض الذي وصل الى درجة الصفر ، درجة احراق حياة وعمر وسنوات .
ان الشرطية التي صفعت ( محمد بوعزيزي ) وصادرت عربة الخضار لم تعلم ان صفعتها وجرها للعربة سيجر الرئيس وعائلته الى الهروب والمنافي المذلة .
لكن المضحك ان سلاطين الانظمة العربية التي اخذ قادتها وملوكها يصرحون تصريحات تدخل في موسوعة " غينس " للدهشة ، (من حق الشعب التونسي ان يختار نظام الحكم اللي بدو اياه ) لا اعرف لماذا لم يتذكروا شعوبهم ؟ ولماذا لا يتركونهم يختارون بدلاً من البقاء فوق رقابهم سنوات طويلة ، يحكمونهم بالحديد والزنازين والفساد والنار.
اقترح ان تقيم الشعوب العربية تمثالاً للحرية عبارة عن ( عربة خضار ) ، مع اننا تعودنا ان يكون تمثال الحرية عبارة عن امراة تحمل المشعل ) ويحضر في الذاكرة تمثال الحرية الذي اهدته فرنسا للولايات المتحدة عام 1886 بمناسبة الذكرى المئوية للثورة الامريكية ، 1775-1783 الموجود في ولاية نيويورك والذي يرمز الى سيدة تحررت من الاستبداد تمسك بيدها مشعلاً يرمز الى الحرية .
فهل نرى مستقبلاً (عربات الخضار المحررة ) منصوبة على مداخل الدول العربية ، ام ستدخل (عربة الخضاربوعزيزي ) المتحف وتتحول الى مخلفات ثورة عابرة ...؟
احد اغنياء الخليج يريد ان يشتري عربة خضار بوعزيزي ، هذا ما تناقلته الفضائيات على سبيل الشهامة والحماس ، وقد ذكرني هذا العرض بحذاء ( منتظر الزيدي ) العراقي الذي تهافت عليه الأغنياء ورجال الوطن العربي الاحرار ، فتحول الحذاء الى سوق مزايدات من يدفع ومن يحمل الحذاء الذي القي على الرئيس الامريكي ، لكن بعد ان خرج صاحب الحذاء ، منتظر الزيدي من السجن تبين ان لا احد اشترى او ساعده مالياً ، فقط كانت المساعدة لفظية ، لأنهم كانوا في حفلات ثرثرة صاخبة .
لذا فأن الخوف كل الخوف ان توضع عربة خضار البوعزيزي الى جانب حذاء الزيدي ..؟!!

مقالات متعلقة