الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 04 / مايو 08:02

محمد زيدان:فلسطينيو الداخل بين هوية الثقافة والجدلية

كل العرب
نُشر: 18/01/11 11:23,  حُتلن: 14:40

محمد زيدان:

تطور وسائل الاعلام وسهولة التواصل، ساهمت في خلق تربة خصبة لحصول الترابط

السجال بين الهوية والثقافة في حالة الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني (مناطق 48) يأخذ أبعاداً اخرى جدية تتجاوز الحوار الفكري والنظري لمعالجة قضايا اكثر خطورة وجدية

يكفينا استذكار اسماء شعراء وكتاب امثال سميح القاسم، راشد حسين، توفيق زياد وغيرهم الكثيرين، الذين ساهموا بكتاباتهم الأدبية ومواقفهم السياسية بلورة الهوية الثقافية لهذه الجماهير الباقية في وطنها

يرتبط مفهوم الثقافة اجمالآ بجدلية العلاقة الناشئة بينها وبين الهوية، وتأخذ في كثير من الاحيان نظرة تعرف نفسها بحدود سياسية, تفرض قيوداً وحواجز فعلية واخرى وهمية على حرية انتقالها الى الحيز القائم خلف تلك الحدود.

للهوية الأولية
وهناك مدارس مختلفة تعاملت مع مفهوم الثقافة على انها امر محدد ومعروف سلفاً، يعتمد بالأساس على الموروث للإنسان والمجموعات القومية التي يحيا بها، بمعنى ان الفرد يكون بمجرد ولادته ضمن مجموعة عينية، ملتزماً بقبول انماطها الثقافية ومعتقداتها بسبب انتماءه لهذه المجموعة من حيث النسب والسلالة، مما يشكل أساساً "للهوية الأولية" المولوده مع الانسان ضمن جماعته، والتي تعطي الجماعة مكانة أساسية في تحديد هوية وثقافة أفرادها على أنهم أعضاء الجماعة.

تحديد الهوية
اما الفكرة الأخرى فتقوم على أن العوامل الفردية المرتبطة بالفرد وفكره هي الاساس بتحديد هويته، وتًعتًبر أن اختزال الهوية والثقافة بما هو مكتسب "وراثياً" تجعل امكانية تطور الفرد وابداعه، وحتى خروجه عن طور "الثقافة المتوارثة"، أمراً غير ممكن في الواقع، الأمر الذي يحول الجماعة الى إطار ساكن غير قابل للتطور او التغيير، وهو ما لا يتماشى ولا يمثل الواقع المتحول والمتغير في الطبيعة البشرية بشكل دائم.

إغناء الهوية
وفي حالة الشعوب التي تعيش في أوطانها، فإن محاولة الفصل بين حدود الهوية وحدود الثقافة لا تشكل هاجساً يومياً لها، كون "سؤال الهوية والثقافة" لا يواجه تحديات خارجية بقدر الأسئلة التي تركز على طبيعة هذه الهوية، وبمقدار اتاحتها المجال للفرد فيها للتعبير عن ذاته ضمن اطار الجماعة، او حتى بتجاوزها لمخاطبة المحيط الانساني دون الالتفات الى الحدود الجغرافية او لمحيطه الاجتماعي والسياسي. وفي هذه الحالة ترتكز هذه التحديات على اسئلة مثل الإطار الديني او الثقافي بمفهوم "الموروث الثقافي" من عادات وتقاليد، وأثرها الايجابي في إغناء هذه الهوية، او السلبي في تحديد اطارها ومنظورها للتعامل مع الأدوات الأساسية في صنع الثقافة.

علاقة "الفرد" و"الجماعة"
وفي حالة الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني (مناطق 48) يأخذ هذا السجال بين الهوية والثقافة أبعاداً اخرى جدية تتجاوز الحوار الفكري والنظري لمعالجة قضايا اكثر خطورة وجدية، من حيث اتساع مساحة التصادم بين هذه الامور مع التحديات الناتجة عن الجغرافيا والسياسة والاجتماع. اضافة الى ترابط الاجوبة الناتجة عن هذا التصادم مع بعضها البعض من جهة وترجماتها وابعادها الاجتماعية وعلاقة "الفرد" و"الجماعة" داخل المجتمع من جهة اولى ومع "الفرد" و"الجماعة" من جمهور الاغلبية الحاكمة من جهة اخرى، تلك التي حددت هويتها المدنية والسياسية على قاعدة الدولة اليهودية، وبلورت ثقافتها على تبرير القمع والاحتلال والتهميش، وقبول التمييز والعنصرية على انه وسيلة الغالبية العددية، لتحافظ على مكانتها واميتازاتها في مجال الهوية والوعي والثقافة امام تحدي "الأغيار".

برامج استعمارية
وكل من يخوض في جدلية العلاقة بين الهوية والثقافة لدى الفلسطينيين في مناطق 48، لا بد وان يكتشف أن بلورة هذه المفاهيم لا تتم داخل الحيز الاجتماعي الفلسطيني الخاص بمعزل عن التأثيرات والعوامل المرتبطة بالحيز العام الذي تفرضه اسرائيل واقعاً سياسياً واجتماعياً، بشكل لا يقل في اهميته عن العوامل والمؤثرات الذاتية والداخلية لهذا المجتمع المحاصر جغرافياً بحدود الدولة العبرية وهويتها اليهودية المفروضة قسراً، والتي اخذت منذ العام 1948 بوضع المخططات والمقدرات لتحقيق حلمها في تغييب الهوية الأصلانية، ليس عن الجغرافيا والارض فحسب، بل من رؤوس البقية الباقية في وطنها، اضافة لعملها من خلال المساهمة باحداث التغييرات قسراً في مركبات هذه الهوية بما يتماشى مع مخططاتها وبرامجها الاستعمارية للأرض والانسان.

ثقافة الأغلبية
ولكن تطور الهوية والثقافة الفلسطينية لدى الفلسطينين الباقين في أرضهم منذ عام 1948، تؤكد بما لا مجال للشك فيه (باستثناء بعض الاخفاقات في بعض المناطق المحددة –مدن مختلطة بعض القرى ذات الطابع الاجتماعي الواحد) , أن معادلة الحراك الاجتماعي الداخلي (العلماني، الديني، المحافظ، الليبرالي ..) علاوة على نواتج التصادم والاحتكاك مع هوية وثقافة الاغلبية اليهودية. اضافة لمراجعة التطورات الحاصلة على هوية هذا الجزء الذي تحول بفعل النكبة الى أقلية عددية وجدت نفسها على هامش أغلبية مهاجرة غريبة بهويتها وثقافتها، فإننا نرى ان بوصلة التطور والتغيير على محور الزمن، قد حافظت الى مدى كبير على ضمان عدم اندماجها القسري او الطوعي في "ثقافة الأغلبية"، وضمنت استمرارها حتى في نقض مع ما رسمته لها مؤسسات الاغلبية السياسية والثقافية، وهذا "الانجاز الحضاري" لم يكن دوما نتاجا لحراك وقوة داخلية لمقاومة مخططات الاسرلة الثقافية فحسب , بل اعتمد في نجاحاته على ما احتواه هذا المخطط من نظرة عنصرية واستعلاء ادى لرفض انصهار اي مندوبين عن ثقافة السكان الاصليين في الثقافة التي انتجها المشروع الاستعماري في فلسطين بعد طرد غالبية اهلها الاصليين.

سميح القاسم وعزمي بشارة ومحمود درويش
ويكفينا استذكار اسماء شعراء وكتاب امثال سميح القاسم، راشد حسين، توفيق زياد وغيرهم الكثيرين، الذين ساهموا بكتاباتهم الأدبية ومواقفهم السياسية بلورة الهوية الثقافية لهذه الجماهير الباقية في وطنها، وتجاوزوا في تأثيرهم حدود الرقعة الجغرافية المحصورة في فلسطين 48 ، ليشكلوا مدرسة في الشعر والأدب والفكر السياسي، لا في فلسطين فحسب بل في محيطهم القومي في العالم العربي. وبالتالي فإن الحصار المفروض على هذه الأقلية الأصلية في وطنها شكل بحد ذاته محفزاً ومحركاً، بل ملهماً لانجازات ثقافية لم تعالج مواضع الأزمة الناتجة من هذا الحصار فحسب، بل تجاوزت أزمتها واستطاعت أن تشكل رافداً هاماً في تطوير الثقافة والهوية العربية على مستوى رقعة الوطن العربي بأسره، وتلتحم في جدلية الثقافة العالمية التقدمية, كما هو الحال لأسماء مثل عزمي بشارة ومحمود درويش وغيرهم.

التغييرات والحواجز الفكرية والسياسية
ومن المؤكد ان تطور وسائل الاعلام وسهولة التواصل، ساهمت في خلق تربة خصبة لحصول هذا الترابط الذي فتح آفاقاً وأبواباً واسعة لحصول هذا اللقاء والترابط الايجابي بين المحلي والاقليمي، وينطلق من المحلي نحو العالمي في العديد من القضايا الثقافية.، ليلعب دور المتلقي والمساهم في تطوير الهوية والثقافة، ليست للفلسطينيين في الداخل فحسب بل للفلسطينيين والعرب بشكل عام، حيث تكون الثقافة أوسع مساحه من مجرد الإبداع والتميز الفكري او الادبي والفني.
ومن المثير اخيراً مراجعة هذه السيرورة في ترابط الداخل الفلسطيني بمحيطه العربي والعالمي، من خلال تجاوز التغييرات والحواجز الفكرية والسياسية، علاوة على الحواجز الفعلية وجدران الفصل، ضمن مراجعة تأثير هذه الهوية وما تحتويه من نظم وقيم انسانية على انماط التصرف الفردي والجمعي، وهو امر يستحق الدراسة بحد ذاته حتى يتسنى مراجعة التأثيرات الفعلية والترجمات العملية لهذه الهوية وهذه الثقافة.

مقالات متعلقة