الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 02 / مايو 10:02

ربيع إبريق يدندن: آه يا زمن النفاق على منبر العرب

كل العرب
نُشر: 28/12/10 17:59,  حُتلن: 12:38

كان أبو نبيه غارقا في تفكيره، وإذ بمنظر يكاد لا يكون بعيدا عن ماضيه القريب

أقدم مدير لشركة الجديد على خطوة أثارت دهشة واستغراب كل من شارك في الاحتفال

استمر الحضور بالتوافد للإحتفال ، وبقي الكرسيان عن يمين وعن يسار أبي نبيه فارغين- دون جليس

لبس أبو نبيه ملابسهُ الانيقة، انتعل حذاءه الاسود البراق اللامع، تعطّر بعطره الثمين المميز، الذي ينتقيه من أفخم محلات العطور ، قاد مركبته الفخمة ووجهها نحو بناية الشركة ، وما أن وصل ولامست قدماه ساحة الشركة حتى اشعل سيجارته الفاخرة ، تلك السيجارة التي تُداعبها أناملهُ باسلوب خاص يوحي بالكبرياء والتفاخر والمباهاة...
ارتجل ابو نبيه ومشى الهوينا كعادته ، وكاد رأسه يلامس الغمام. وصل إلى باحة الاحتفال الذي تٌقيمه شركتنا كل سنة احتفالا بعامليها وبمدرائها- السابقين والحاليين.
صافح العمال والموظفون، فردوا عليه بمصافحة عادية باردة لم يعتد عليها في الايام الغابرة. وجّههُ المنظمون إلى كرسي حُجز خصيصا له ، ليجلس ويستريح حتى يحين موعد الاحتفال الخطابي الذي سيليه عشاء فاخر أُعّد بهذه المناسبة، وقبل أن يستريح على كرسيه ألقى السلام على الجالسين ، فردّ قسم منهم السلام بأبرد منه وتمتم القسم الآخر بكلام مُبهم. نظر إلى الوجوه المشاركة بالاحتفال مبتسما، فبادلوه بابتسامات ثلجية من باب المجاملة ، ابتسامات خرجت من الافواه والوجوه وليس من القلوب . جلس على كرسي في مركز الصّف الأول ، بحيث بقي الكرسيان اللذان عن يمينه وعن يساره فارغين. بدأ الموظفون يمرون من أمامه وعن جنبه ، قسم يلقي السلام وقسم آخر يتجاهل وجوده ، بقصد أو بدونه. اختار الحضور جميع الكراسي مستراحا لهم ، تاركين الكرسيين عن يمينه وعن يساره. لم يجرأ أحد على الجلوس جنبه أو الاقتراب منه ، وكأنه مصاب بالجزام. نظر حوله فتنهد، فتفهّم فابتسم...
وبينما كان أبو نبيه غارقا في تفكيره، وإذ بمنظر يكاد لا يكون بعيدا عن ماضيه القريب شدّ انتباهه ولفت نظره ، ففي المدخل الشرقي للشركة تجمهر العمال والموظفون حول مدير الشركة الجديد ، وقلوبهم تكاد تطير فرحا. لاقوه بالوّد واخذوه بالأحضان، مُبدين له البشاشة واللطف والتودد ، مُتلونين كالحرباء التي تتشكل وتتلون على حسب ما يحيط بها من ظروف وتضاريس بيئية. تطايرت عبارات الترحيب والتهليل والتمجيد في سماء الشركة ، مُصفاحة بدون توقف وعناق يكاد يقطع الأنفاس . تقدّم مدير الشركة الجديد نحو الحضور وألقى السلام فردّوا عليه بعبارات ترحيب تصم الآذان . وقف جمهور الحاضرين، مُهللين- مُبجلين، كل ٌ يرغب بأن يجلس جنبه، أن يلامسهُ ، أن ينظر اليه ، أن يكرم عليه بابتسامة ، حتى لو كانت من فوق الشفتين...
بعد لحظات اختار المدير دون تعمد أو قصد كرسيا مقابل كرسي ابي نبيه – المدير السابق، التقت نظراتهما فاحمّرت وجوهما.
استمر الحضور بالتوافد للإحتفال ، وبقي الكرسيان عن يمين وعن يسار أبي نبيه فارغين- دون جليس . فجأة دخل إلى ساحة الاحتفال أبو صادق – المدير الأسبق للشركة. استقبلوه ببرود طبيعي ، لم يُفاجئ أحدا من الموجودين. ألقى السلام على الحضور وبالكاد ردّوا عليه السلام. بحث عن كرسي يخفيه من جمع المنافقين ، فوقع نظره على كرسي فارغ بجانب ابي نبيه ، وبالرغم من حالة الجفاء التي سادت بينهما على مر السنين إلا انه لم يتردد واسرع ليلقي بجسده على ذاك الكرسي. جلس أبو صادق ، ناظرا إلى أبي نبيه، فابتسما ابتسامة مشتركة تنّمُ عن تفهمهما لما يحدث حولهما!!!
- مساء الخير يا أبا نبيه!
- مساء الخير يا أبا صادق ، كيف الحال؟
- نحمد الله ، كما ترى فقد أصبحنا أزهارا دون رحيق ، فغاب النحل عنا وتنكر لنا بعد أن كان يحوم حولنا ...
- صدقت يا أبا صادق ، فالزهرة المحملة بالرحيق تجلس في الجهة المقابلة لنا!

نظرا سويا إلى مدير الشركة الجديد ، الذي بدا عليه الارهاق من كثرة "النحل" المحيط به ، ذاك "النحل" الذي حام في الأمس القريب والبعيد حول غيره.
فجأة- أقدم مدير لشركة الجديد على خطوة أثارت دهشة واستغراب كل من شارك في الاحتفال ، فقد ترك مكان جلوسه واتجه بمحاذاة الكرسي الفارغ وجلس بين أبي نبيه وأبي صادق.

- مساء الخير لكما!
- مساء الخير!
- -اعرف بأنكما مُستغربان ومندهشان من خطوتي هذه. صدّقاني بأني أعرف وأدرك تماما ما يدور في ذهنكما عن مظاهر الرياء،المداهنة،الزيف والنفاق في هذا المجتمع، وأعرف أيضا بأن مصيري في المستقبل سيكون هنا بينكما- على هذا الكرسي!!!

مقالات متعلقة