الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 03 / مايو 21:01

إبراهيم صرصور-الالتزام الذاتي هو الحل، مراكز الأحياء كأنموذج

كل العرب
نُشر: 27/11/10 08:00,  حُتلن: 08:03

الشيخ النائب إبراهيم صرصور في مقاله:

نشأت كما المئات والآلاف من أمثالي منذ الصغر تحت ظلال الحركة الإسلامية الوارفة التي جعلت من الاهتمام بأوضاع المجتمع جزءا من العقيدة

يجب أن نعترف أن انتكاسة خطيرة وتراجعا اخطر أصاب هذا المشروع الذي حمى مجتمعاتنا عبر العصور في أكثر مراحل حياتها صعوبة

 شاءت الأقدار أن أخوض تجربة إصلاحية أحسبها ناضجة ومفيدة ، وذلك أثناء فترتي رئاستي لمجلس كفر قاسم لفترة عشر سنوات كاملة ، وما زالت حية تعطي أكلها

أرَّقَني منذ وَعَيْتُ ما يصيب مجتمعنا من أزمات في كل مجال من مجالات الحياة ... زاد اهتمامي بما يجري من حولي ، والحرص على أن تكون لي بصمتي على مجمل جهود التغيير المجتمعي مهما كان حجمها ، أنني نشأت كما المئات والآلاف من أمثالي منذ الصغر تحت ظلال الحركة الإسلامية الوارفة التي جعلت من الاهتمام بأوضاع المجتمع جزءا من العقيدة ومؤشر من مؤشرات الإيمان الصادق ...

مراحل حياتنا
كَبُرَ هذا الاهتمام مع كل مرحلة مرت من مراحل حياتنا ... ازداد فيها الوعي ، وعظمت بالضرورة الهِمَّةُ من اجل المساهمة ولو بشكل متواضع في إصلاح الأوضاع بما يتناسب مع عظيم شأن هذه الأمة ، وجليل دورها ، وَكِبَرِ مهمتها وثقل الأمانة الملقاة على عاتقها ، وهي التي قال الله فيها ( كنتم خير أمة أخْرِجَتْ للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ... ) ... فهمنا منذ نعومة أظفارنا أن ( الخيرية ) المُشار إليها في الآية ليست ( خيرية عنصرية ) متعلقة بالقومية أو اللون أو العرق أو الجغرافيا ، كما هي عند حملة الفكر العنصري الذي يعتبرون أنفسهم ( الأمة المختارة ) لذاتها فقط ، فهم ( المختارون ) مهما ارتكبوا من الجرائم وانتهكوا من المحرمات وخانوا من الأمانات . أنها ليست ( خيرية مطلقة ) ، بل هي خيرية مقيدة بنص الآية الكريمة ... معنى ذلك أن المدخل لحيازة شرف ( الخيرية ) مرتبط بشروط ، وعلى رأسها : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي يعني ( مشروع إصلاح شامل ) يستغرق كل جوانب الحياة ، جعله الله سبحانه في الآية قبل الإيمان به ، وفي ذلك إشارة لا تخفي على اللبيب ،ولا تغيب عن الأريب ، وهي أن الإيمان لا يكتمل ولا يمكن أن يحقق هدفه في تغيير الذات والمجتمع إلا من خلال العمل الجاد في صناعة الحياة بما يتفق مع القيم العليا والمُثُلِ السامية ... زاوية مضيئة أخرى نلتقطها من الآية الكريمة وهي أن المخاطبين بها هم عامة المسلمين وليس خاصتهم ، وبذلك تصبح عمليه الإصلاح مسؤولية كل فرد في المجتمع ، وإن كانت هذه المسؤولية عقلا ومنطقا متفاوتة من حيث قدرات الناس ومواقعهم على امتداد الهرم التنظيمي للمجتمع من قمته إلى قاعدته ... هكذا فهمنا المسألة ، فكرسا حياتنا من أجلها وفي سبيلها ، لعل الله سبحانه يكتب لنا ولمجتمعنا النجاة في العاجل والآجل ، وفي المعاش والمعاد ...

تجربة ناضجة ومفيدة
شاءت الأقدار أن أخوض تجربة إصلاحية أحسبها ناضجة ومفيدة ، وذلك أثناء فترتي رئاستي لمجلس كفر قاسم لفترة عشر سنوات كاملة ، ما زالت حية تعطي أكلها ، بشكل أو بآخر ، كل حين بإذن ربها حتى أيامنا هذه . شارك في إنجاح هذه التجربة المئات من الإخوة والأخوات في البلدة ، مدعومين بالآلاف من الأهل الأعزاء الذين أعلنوا احتضانهم لها وإسنادهم لجهودها بالغالي والرخيص ، لما رأوا من نتائجها المباركة على مشهد الحياة في المدينة . هدفها التصدي بحزم لظواهر الانحراف والفوضى ، والتعامل الفاعل مع كل أعراض وإفرازات حالة الخلل التي جرّأتْ عددا قليلا من الخارجين على كل شيء جميل في المجتمع ، فعاثوا في الأرض فسادا ، وحسبوا أن أحدا لن يقف في وجههم ، ويرد كيدهم إلى نحورهم ...

خطة بعيدة المدى
لم تكن الخطة التي اعتمدناها موضعية فقط ، وإنما جاءت شاملة وبعيدة المدى وعميقة الأثر ، مبنية على رؤية محددة ورسالة واضحة تستمد قوة دفعها من خلال عملية ( تثوير ) للطاقات الكامنة والمعطلة وغير الإيجابية في المجتمع ، ومن خلال عملية ( تحرير ) للوعي من عقدة الخوف والتردد واللامبالاة وعدم الاكتراث وضعف الانتماء ، ونهايةً من خلال عملية ( تنظيم وتعبئة ) لكل الكفاءات المجتمعية بلا استثناء على قاعدة ( وتعاونوا على البر والتقوى ) ، و ( ومن تطوع خيرا فهو خير له ) ، و ( وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) و ( وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ) ، و( المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) ، و ( أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون ) ، وعلى قاعدة أنه ( من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ) ، و ( إن لله عبادا اختصهم لقضاء حوائج الناس ، حببهم للخير وحبب الخير إليهم ، أولئك الناجون من عذاب بوم القيامة ) ، و ( لأن تغدوا مع أخيك فتقضي حاجته ، خير لك من أن تصلي في مسجدي هذا ) ، و ( خير الناس انفعهم للناس ) ، و ( المال مال الله ، والناس عيال الله ، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله ) ، و ( أنت على ثغرة من ثغر الإسلام ، فلا نؤتين أو يُؤتين من قبلك ) ، و ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) و ( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ،أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ) و ( ... كلا ، والله لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، ولتأخُذٌنَّ على يد الظالم ، ولتأطرنه على الحق أطرا ( أي تلزمونه به ) ، ولتقصرنه على الحق قصرا ( أي تجبرونه عليه ) ، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ، ثم ليلعنكم كما لعنهم ) ...

الروح لم تنطفئ
للحقيقة والتاريخ ، هذا النوع من العمل لم يتوقف يوما في تاريخ مجتمعاتنا وإن بتفاوت ، وهذه الروح لم تنطفئ بالكلية وإن بتفاوت أيضا ، إلا أننا يجب أن نعترف أن انتكاسة خطيرة وتراجعا اخطر أصاب هذا المشروع الذي حمى مجتمعاتنا عبر العصور في أكثر مراحل حياتها صعوبة ، حتى لنكاد نرى جماهيرنا تغوص في مستنقعات العنف والفوضى بفعل مجموعات صغيرة متمردة وخارجة عن الأخلاق والقانون والقيم والأعراف والتقاليد الحميدة والجميلة ، أمام ذهول وشلل الأغلبية الساحقة من المسالمين والصالحين ، ولكن الصامتين ... فتمت بذلك سيطرة القلة الضالة من الممارسين للإجرام بكل أنواعه وأشكاله ، وهم الأجبن والأضعف لو وجدوا من يتصدى لهم ، ويخلص المجتمع من شرهم ، دون الحاجة ربما لاستعمال أي نوع من العنف المضاد حتى وإن كان من النوع ( المنضبط ) و( المقنن ) ، وذلك من خلال موقف مجتمعي موحد ورافض لهذه الظواهر الكارثية والمدمرة عملا وقولا ...

عمل تطوعي حقيقي
جوهر هذه الخطة الناجحة والتجربة الرائدة يكمن في استثمار الاستعداد لدى قطاعات المجتمع المختلفة لخدمة نفسها من خلال ما يمكن أن نسميه ( بإنموذج مركز الحي ) كرافعة للنهوض بمشروع الإصلاح الشامل بما فيه مواجهة ظواهر العنف والجريمة ، على اعتبار أن العنصر البشري حاسم في هذه العملية ، فكلما زاد استثمارنا في إعداد وتأهيل وتعبئة الفرد والمجموعة ، كلما نجحنا في إطلاق عمل تطوعي حقيقي ... العامل الأساسي للنجاح في هذا المشروع يتوقف على الروح الطلائعية التي يجب أن يتمتع بها القائمون عليه ، فمهما كانت الخطط والبرامج رائعة وإلى أبعد حد ، لن تجد طريقها إلى واقع الناس ما لم يحملها من يؤمن بها ، ويتفانى في سبيلها ، ويكرس حياته من أجلها ... هذا صحيح في القضايا الصغيرة كما هو في الكبيرة ...

تحقيق الانتصار
تنادي مجموعات من الرواد والطلائعيين في كل مدينة وقرية ومجمع سكني ، وهم عادة قلة في كل مجتمع ، إلى التبشير بهذا المشروع والتعاهد على المضي به رغم كل العوائق ، وتحقيق الانتصار على كل العقبات ، من خلال رؤية ليس في قاموسها مكان لليأس والإحباط ، أو التراجع والهزيمة ، أو المستحيل والجمود ، كفيلة ببداية لا بد أن تحقق الأهداف ، ولنا في تاريخ الأمم وخاصة أمتنا أصدق شاهد على هذه الحقيقة ... أترك تفاصيل الرؤية لهذا المشروع إلى الحلقة القادمة إن شاء الله ...

مقالات متعلقة