الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 05:02

الشاعر مروان مخّول في مقالة الإعلامي محمود الورواري في قناة العربية

كل العرب
نُشر: 08/11/10 14:45,  حُتلن: 14:53

كشف الإعلامي الزميل نادر أبو تامر من وكالة "ثقافة" عن أن النّاقد الأدبي ومقدّم الأخبار في قناة "العربية" التلفزيونيّة محمود الورواري كتب مقالاً تعريفيًا للعالم العربي بالشاعر الفلسطيني الشّاب مروان مخّول يكشف فيه كاتب المقالة النّقاب (عربيًا) عن وجه هذا الشاعر الشاب الذي يأخذ في السنوات الأخيرة مكانة خاصة على الساحة الثقافيّة المحليّة هنا في الدّاخل. إليكم نص المقالة التي عنونها الكاتب بعنوان: "وهج الروح والمعنى!!!.


وهج الروح والمعنى !!!
وأنا أجوب ببصري عبر ذلك الفضاء الوهمي الذي هو الانترنت وقعت عينياي على خبيئة / هدية من صديقتي الفلسطينية التي تعرفني مريضا بالشعر ، مقطع فيديو لقصيدة بعنوان " الحذاء الوطني " لم التفت في البداية لاسم الشاعر بقدر ما شدني اسم القصيدة ، على الفور أطلقت العنان للصوت ونزعت برفق الشريط الذي حزم الصورة فانطلق الصوت المحمل ببحة الشعر الحزين ،أوقفت الصوت لبرهة لاسترجع ما قاله لي ذات لقاءٍ قلقٍ الراحل الدكتور مصطفى محمود حين التقيته وأنا لما أزل غضا في الثانوية العامة وفي يدي قصة قصيرة لأعرضها عليه ولما طلب مني ان اقرأها غبت لبرهة في غياهبها وعدت من قراءتها فسحبني من يدي إلى فضاء احد الشوارع المتفرعة من شارع جامعة الدول العربية في القاهرة وقال لي " يا ابني كما في لغتنا نحن الأطباء أن لكل مرض عرض وظواهر تدل عليه،هذا ينطبق أيضا على لغة الأدب أولها حين تسمع نبرات صوت أديب أو مبدع أو فنان فستجده لا يتكلم فقط بحباله الصوتية بل يتكلم بكل ذرة في كيانه وهؤلاء الذين يحملون مشاعرهم فوق جلودهم ".

حكم..
من وقتها تعلمت أداة جديدة يمكنني عبرها أن احكم على مبدع أو فنان عبر نبرة صوته ولما درست النقد وتخصصت فيه في اكاديمة الفنون وجدت ثمة مرجعية لذلك فيما يتعلق بدراسة سيكولوجية المبدع عبر كم الدفق الخارج من وجدان المبدع عبر صوته وتعابير وجهه .
تيقن لي عبر أول فانوس ان ذلك الصوت يحمل بصمة مبدعة ففككت قيد الصوت ورحت استمع:
رفيقَ دربي يا حذائي
يا يدي اليُمنى
تراكَ قد شَبّثْتَني بالأرض يا
أوفى من التجّارِ يوم النكبة المُرّةْ.
معًا.. أسيرُ حيث تبغي
بَيْدَ أنّي لا أريد المشي نحو الشّرقِ
قد جرّبتُ أهل الضّادِ في الماضي بلا جدوى
وما الجدوى من الماضي سوى درسٍ
يُعيدُ لي صوابي من جديدٍ، فاغِرًا
فَمَّ الأمامْ؟
لا شرقَ في الشرقِ
أيا نعلي..
فلا تمشِ وقِفْ!
يكفيك أنّي عارِفٌ كَسري الذي
طيَّبتُهُ، حتّى أُطِل كيفما أريدُ
أو يريد لي
معنى التّمام.
أرجوكَ لا تفهَمْ ندائي عكس ما أعني؛
لا تلتَفتْ للغرب إن شَبَّ الغياب
ها وُجهَتي في أنَّني ابنُ المكانِ قاعِدٌ
دربي ثباتٌ في الخُطى لا في الكلام
اعرف ان هناك من سيقول لما اخترت هذا الجزء الطويل من القصيدة ؟
أقول ذلك أول مقطع لها ،استهلالها، هو المقطع الذي لا يحتمل البتر منه ، أي أننا أمام شاعر ذي نفس شعري ممتد ، وقصيدة لا تخرج دفقتها كلمات مبعثرة تتكئ على الموسيقى وحدها وإنما تُخرج دفقاتها بناءً متكاملاً يمكن أن تُؤخذ بمعزل عن بقية إقرانها لتكون قصيدةً في حد ذاتها ، كالمهندس المطالَب ببناء مدينة صغيرة فينجز مشروعه على مراحل كل مرحلة بيتا قائما بذاته حتى إذا تجاورت البيوت أصبحنا أمام مدينة سكنية متناسقة .
هذا النفس الطويل لم يحظى به سوى الشعراء القلائل منهم الراحل محمود درويش الذي إذا بدأت القصيدة أخذت تفريعات بنائية وراحت تتشكل من ذاتها حتى لتصبح معلما.
رحت ابحث عن ذلك الشاعر وعن اسمه " مروان مخول " وهل ثمة علاقة حقيقية بينه وبين درويش غير تلك العلاقة التي تلمستها أنا في شعره ، فوجدت ما قاله درويش عن ذلك الشاعر
"لفلسطين شعراء شباب، أحدهم قلق ويعجبني، أسمه مروان مخول"
هذا ما قاله محمود درويش عن مروان ومع بعض البحث وصلت الى ما قاله مروان عن درويش رثاءً
"(اصعدْ سَماءكَ وارمِ لي حبلاً، أُعلّقُ ما كَتَبتَ مِن الملاحمِ
كي تَمُدَّ الفوقَ بالمغزى.. وكي يتنوّرَ الشيطانُ
علَّ إلهكَ الفرحانَ يغفرُ ما لآدمَ من ذُنوبٍ، لا تَخُصُّكْ. (
إذن تلك العلاقة الخفية التي تربط بين الروح التي غادرها جسدُها الفاني وبقيت هي متوهجة ومتمثلة في درويش وبين تلك الروح التي تخوض رحلة توهج وانصهار متمثله في مروان ،تلك العلاقة إذن علاقة سحرية وسرية ومُنجبة لهذا الدفق الشعري المطرد .
درويش أضاف عن مروان أن هذا النفس الشعري الفلسطيني سيضع أنصاف الشعراء في أزمة ، وأنا أقول إن الأزمة لن تكون لأنصاف الشعراء أو الأشباه في فلسطين فحسب بل في العالم العربي اجمع .
يقولون في النسق الديني سيأتي كل مائة عام من يجدد الدين " وأنا ادعي ان ذلك القول مسحوبا على الشعر، فان كانت المائة عام الماضية حفلت بالعديد من الرواد الذين غيروا وجه الشعر وجملوه من " أمل دنقل وصلاح عبد الصبور و البياتي والسياب ونازك والجواهري ودرويش وادونيس " فثمة أسماء تؤسس لنفسها لتحي المائة عام القادمة ادعي أن ذلك الشاعر منهم .
ولد مروان مخول في بلدة البقيعة الجليلية، هو ابن 30 عامًاً، أمّا عمره الشعري فهو 10 أعوام على الأكثر، رصيده من دواوين الشعر "صفر"!
هذا الطفل المشاكس الذي أهمل المدرسة ولعب في شوارع البلدة وحيدًاً، وعايش آلام أخوته الذين يعانون من إعاقة جسدية، كَبُرَ ولدًا مشاغبًا في ظروف استثنائية ثمَّ ثار على ضياعهِ ليصبح اليوم مهندساً ناجحًا وشاعرًا مختلف.
ولأنه واحد من سكان عرب 48 يحمل رؤية عن ذلك فيقول " الحصار الجغرافي وعدم الاختلاط بالعالم العربي من جرّاء عملية عدم التطبيع الذي يمارسها هذا المجتمع الواسع علينا، دون التفريق بين الكيان الصهيوني المجرم من جهة وبين الأقليّة العربية الحيّة في الداخل الفلسطيني من جهة أخرى "
يقول العارفون بالشعر إن لكل شاعر نافذته الخاصة التي يطل منها على الحياة ، نافذة تأتيه بالغريب الذي لو وضعه في قصيدة جعلته يُرينا العالم وكأننا نراه لأول مرة ، لمروان تلك النافذة التي تتمثل في القصيدة بالصورة الشعرية شديدة الخصوصية ، بالصورة الممتدة غير المبتورة ، صورة كليةُ تصل إلى حد رسم مشاهد كاملة ، كما في قصيدته عن غزة :
على هذا الرّكامِ المُرِّ في غزّة
نبتتْ ذِراعُ طفلٍ. لوّحَتْ
للهِ مِنْ يومَيْنِ،
لكنَّ السَّماءَ تَحجّبتْ
إذ أَجّرَتْ للطّائِراتِ مَحلَّها الرَّمزيِّ، كي
لا تُرى تلكَ اليَدُ الحُبلى بعنقاءِ
الرَّمادِ، وما يُسمّى بالأَمَلْ
هذا النوع من الشعراء يواصل المقاومة بالبقاء هي تيمة شعراء فلسطين وشعراء الثمانية واربعين لا اختلاف إذن ورغم التسعة والعشرين عاما او التسع والعشرين طلقهة وهي عمر شاعرنا إلا انه رضع من ذلك الثدي الضارب في الأرض فيقول :
.
عكّا كَيافا، أو كَحيفا؛ أختِها
في اللّفظِ أو في الصبرِ
إن صحَّ الذي قد قاله الجرحُ الجميلْ.
غَدي هُنا، لا في مَكانٍ آخرٍ
أمشي وأمسي لا يُباعْ
إنّي هنا
تيهي هنا
بابي هنا
بيتي هنا
سقفي هنا
قبري هنا
أرضي، وأرضُ الكلِّ من حولي فضاءاتٌ
لها أسمى من الأعلى فلا أبكي
ولا كَرْمي مَشاعْ.

مقالات متعلقة