الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 05 / مايو 14:02

وعد بلفور والدور البريطاني بإنتاج النكبة بقلم: النائب ابراهيم صرصور

كل العرب
نُشر: 04/11/10 19:35,  حُتلن: 10:53

النائب ابراهيم صرصور:

لا غرابة بعدما غابت عن الأمة شمس الكرامة ، سرحت الذئاب والضباع في جسدها هتكا وفتكا

وزير الخارجية البريطاني فقد جاء هو أيضا ليعزز لدى كل فلسطيني الشعور بأن بريطانيا ما زالت جزءا من المشكلة

عاد السكرتير السياسي البريطاني إلى المناورة قائلا : " لكنك تعرف أننا كوسطاء لا نستطيع فرض الحلول على أطراف النزاع"

قَدَّرَ الله سبحانه وتعالى لي أن ألتقي بمسؤولين بريطانيين هذا الأسبوع ، الأول بشكل مباشر وهو السكرتير السياسي في السفارة البريطانية في إسرائيل ، والثاني عبر ما تناقلته وسائل الإعلام من أخبار زيارته لإسرائيل وهو وزير الخارجية البريطاني الجديد والغض ( وليام هيج ) ... لمست من خلال المشهدين أن بريطانيا ما زالت هي بريطانيا ، العجوز الشمطاء الممتلئة خبثا ومكرا وكراهية لكل ما عربي وإسلامي وفلسطيني ، ولن تقوم في يوم من الأيام بدور تُكَفِّرُ فيه عن جرائمها ضد الأمة بشكل عام من المحيط إلى المحيط ، وضد الشعب الفلسطيني على وجه الخصوص ، حتى وإن أطهرت بدهائها المعهود من طرف اللسان حلاوة ، لكنها ستبقى دائما تروغ كما قال شاعرنا العربي كما يروغ الثعلب ...

وعد بلفور
كانت فرصة بالنسبة لي أن أقَيِّمَ وبشكل موضوعي في حديثي مع السكرتير السياسي في السفارة البريطانية الدور البريطاني في الشرق الأوسط منذ بداية القرن المنصرم ، خصوصا وان اللقاء جاء متزامنا مع الذكرى الثالثة والتسعين ( لوعد بلفور ) الشهير ، والذي نعتبره الخطوة الأولى على طريق نكبة فلسطين ، والخطوة الكبرى على طريق إقامة إسرائيل على أنقاض الشعب الفلسطيني في العام 1948 .
قلت للسكرتير السياسي البريطاني : " بريطانيا أولا هي من تتحمل مسؤولية النزيف الفلسطيني المستمر منذ قرن تقريبا ، وهي المطالبة في هذه الفترة بالذات أكثر من غيرها بالعمل الجاد لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وكاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف ، وحل عادل لملف اللاجئين على ضوء القرارات الدولية ذات الصلة " ...
فرد علي قائلا : " نحن نبذل قصارى جهدنا في سبيل حل عادل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ... أما ترى الدور السياسي الذي نقوم به من خلال مبعوث الرباعية ( توني بلير ) وهو رئيس وزراء بريطانيا السابق ، وكذلك الموال التي نضخها لدعم الاقتصاد التنمية الفلسطينية " ...

الشعب الفلسطيني ليس متسولا
كانت فرصتي لتحديد الرسالة ، وتفهيم هذا البريطاني أن الشعب الفلسطيني ليس متسولا ، ولن يكون يوما طالبا للفتات المتساقط من موائد المجتمع الدولي والموجه أساسا لتحويل السلطة الفلسطينية إلى نظام بوليسي قمعي يفتك بالمعارضة الفلسطينية الرافضة لسياسات الاستسلام والمصرة على تحقيق الأماني الوطنية الفلسطينية كاملة غير منقوصة . فقلت له : " ألا ترى معي أن كل ما تقدمونه للسلطة الفلسطينية ما هو إلا معونات أمنية ، وما كان منها لتنفيذ مشروعات تنموية تأتي إسرائيل كل فترة وأخرى لتدمره بشكل كامل ... ألا تعرف ما جرى في الضفة الغربية أثناء عدوان إسرائيل ( الجدار الواقي ) بعد تفجر انتفاضة القدس والأقصى ، والذي انتهى بقتل الرئيس الفلسطيني عرفات وبناء الجدار العنصري ومضاعفة الاستيطان وتشديد القبضة التهويدية على القدس الشريف والأقصى المبارك ؟؟؟ ألم تسمع بما جرى مؤخرا من تدمير وقتل وإرهاب أثناء عدوان إسرائيل الوحشي على قطاع غزة ، في إطار ما أسمته بحرب ( الرصاص المذاب ) ؟؟؟ ألا ترون إسرائيل تتعمد تدمير كل ما تستثمرونه في فلسطين حتى لا يستطيع شعبنا التقاط أنفاسه وبناء وطنه ؟؟؟

رسالة إسرائيلية
أتعتقد أن إسرائيل تفعل ذلك جزافا ودون تخطيط مسبق ؟؟ ألا ترون في ذلك رسالة إسرائيلية لكم أولا في أن الحكومات الإسرائيلية لن تسمح بإقامة الدولة الفلسطينية أبدا مهما كلفها ذلك من ثمن ، وخصوصا حكومة نتنياهو الحالية ؟؟؟ وأين انتم من عمليات إسرائيل الممنهجة في تدمير استثماراتكم في فلسطين ، ولماذا لا تطالبون إسرائيل بدفع تعويضات كاملة عن كل ما ترتكبه من أعمال تخريب لجهودكم ومشاريعكم التي كلفت المليارات من أموال دافعي الضرائب في بلادكم ؟؟؟ هذا أولا أما ثانيا ، فمن قال لك أن الفلسطينيين مجموعة من المتسولين الذين ينتظرون المَنَّ من احد حتى لو كان هذا الأحد من بني جلدتهم من العرب والمسلمين ، ناهيك عن الغرب الذي يساند إسرائيل ويدعمها بالمال والسلاح والحماية السياسية ؟؟؟ آن الأوان أن تفهموا أن ما يريده الشعب الفلسطيني هو الاستقلال والحرية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي البغيض ، وإقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين الذين ساهمت بريطانيا في تشريدهم ... أعطوا الفلسطينيين دولة مستقلة أسوة بكل دول العالم المتحضرة ، ودعوهم يبنون دولتهم ... أنا على ثقة بأن الفلسطينيين سيفاجئون العالم بما يستطيعون تحقيقه في هذا الشأن ، وسينجحون في إقامة دولة نموذجية يحسدنا الكثير عليها ." ...

وسطاء لا يفضون النزاع
عاد السكرتير السياسي البريطاني إلى المناورة قائلا : " لكنك تعرف أننا كوسطاء لا نستطيع فرض الحلول على أطراف النزاع ، فهذه مسألة قناعة واتفاق من المفروض أن يكون بالتراضي بين طرفي النزاع الفلسطيني والإسرائيلي ... لا نستطيع في ظل الظروف الحالية إلا أن نقدم النصيحة والمساعدة الفنية للأطراف ، ولكن القرار سيبقى في أيديهم هم وليس في أيدينا . "...
فقلت له مشددا : " كان من المفروض عليك منطقا وعدالة أن تقول ، نحن لا نستطيع فرض أي حل على إسرائيل وليس على ( الأطراف ) ، فأنت تعرف جيدا أن المبادرة العربية بغض النظر عن رأينا فيها ، عبرت عن استعداد عرب وإسلامي وفلسطيني بالاعتراف بإسرائيل وفتح سفارات لها في كل العواصم العربية والإسلامية ، وتطبيع العلاقات معها ، شرط الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة في العام 1967 ، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ، وحل عادل متفق عليه لمسألة اللاجئين ... إذا العرب والفلسطينيون قدموا أكثر مما يجب من أجل التوصل إلى اتفاق شامل للصراع ، فماذا كان موقف إسرائيل من المبادرة ؟؟ أنت تعرف كما يعرف غيرك أن إسرائيل سحقت المبادرة بحذائها الثقيل ومعه ما تبقى من الكرامة العربية ، فماذا فعلتم لدعم المبادرة عمليا ، وأية ضغوط مارستموها على إسرائيل في سبيل القبول بالعرض العربي التي يعتبر وبكل المعايير الأكثر إنصافا على الإطلاق من منظور الشرعية الدولية وليس من منظورنا ؟؟؟ أنتم لم تفعلوا شيئا ... تجاهلتم هذا العرض العربي التاريخي ، ورحتم تصرون على نفس الأسلوب رغم علمكم المسبق أن إسرائيل لن تقبل بأية حلول إلا أن تكون استسلاما عربيا وفلسطينيا كاملا . ثم هل هذا ما فعلتموه منذ ( وعد بلفور ) المشؤوم واتفاقية ( سايكس – بيكو ) ، والانتداب البريطاني الذي سلم فلسطين لليهود ، حينما قررتم إعطاء ما لا تملكون ( فلسطين ) لمن لا يستحقون ( اليهود ) ؟؟ وهل تشاورتم حينها مع الشعب الفلسطيني وأخذتم رأيه فيما خططتم له واتخذتم القرارات بشأنه ؟؟؟ لقد أقمت إسرائيل بقوة السلاح ، وعليكم أن تقيموا فلسطين بقوة السلام إن احتاج الأمر .. هذا هو الحل ، وما عداه وَهْمٌ أخشى أنكم شركاء في الترويج له حتى تتم السيطرة لإسرائيل على كل فلسطين التاريخية ، وبذلك تتم الخطة ويغلق الستار . " ...

الوسيط النزيه!!
وأضفت : " تعال حتى نفحص أنا وأنت المسألة من زاوية أخرى هي في نظري الحاسمة ... واسمح أن أوجه لك سؤالا غاية في البساطة : أريد أن اتفق معك على أنكم في بريطانيا تقومون بدور ( الوسيط النزيه !! ) بين الأطراف المتنازعة ، ولكن افرض جدلا أن إسرائيل بقيت مصرة على رفض هذه الوساطة القائمة على الشرعية الدولية المنحازة في نظرنا إلى إسرائيل ، فماذا ستفعلون عندها ؟؟ هل عندكم خططا بديلة ؟؟ هل هنالك احتمال أن تنتقلوا إلى مزيد من الضغط على إسرائيل قد تصل حد العقوبات الحقيقية والمؤثرة كما تفعلون مع إيران وسوريا والعراق وأفغانستان وغيرها من الدول العربية والإسلامية ؟؟" ...
تردد كثيرا قبل أن يجيب مستجيبا لإلحاحي وتشجيعي له في الحصول على جواب صريح ... عندها قال " الحقيقة أن لا خطط بديلة في حال رفضت إسرائيل الوساطات ولم تستجب لنصائح ونداءات العالم . "... قلت له عندها : " هذا ما تراهن عليه إسرائيل ... فلا العرب ولا انتم تملكون من الشجاعة ما يكفي للانتقال إلى مرحلة الضغط الحقيقي الذي قد يصل حد الإجراءات المستندة إلى ( الفصل السابع ) من ميثاق الأمم المتحدة في حال الرفض والتمرد الإسرائيلي على القانون والشرعية والقرارات الدولية ، ولذلك لا تنتظروا من إسرائيل قبولا لأية وساطة ، حتى لو أدى الأمر إلى نشوب حرب عالمية ثالثة .. عليك أن تنقل لحكومتك ، أن كنتم حريصين فعلا على إسرائيل ، فعليها أن تفهم أنكم لن تتردوا في استعمال القوة العسكرية إن اقتضى الأمر من أجل إجبارها على القبول بالحلول المعقولة والمنطقية ، وإلا فانتظروا مفاجئات المستقبل والتي لن تكون في صالح الأمن والاستقرار الدوليين . "...

الأمة وشمس الكرامة المفقودة
أما وزير الخارجية البريطاني فقد جاء هو أيضا ليعزز لدى كل فلسطيني الشعور بأن بريطانيا ما زالت جزءا من المشكلة ولن تكون كما يبدو يوما ما جزءا من الحل ... في زيارته مؤخرا لإسرائيل التقى ( وليم هيج ) بعائلة الجندي الإسرائيلي الأسير ( جلعاد شاليط ) ، وفي نهاية اللقاء ، صرح بالقول أن على ( خاطفي جلعاد شاليط إطلاق سراحه دون شروط مسبقة !!!! ) ... هكذا وبكل وقاحة وصفاقة ، يتجاهل الوزير البريطاني أكثر من عشرة آلاف أسير فلسطيني يعانون أشد المعاناة في السجون الإسرائيلية منهم الأطفال والنساء والمرضى وكبار السن ، د ون أن يحظوا منه بكلمة تعاطف واحدة ... كلامٌ وموقفٌ بريطاني أقل ما يمكن أن يقال فيه ( مقزز إلى حد التقيئ !!! ) ... ولكن هذه هي بريطانيا ، وهذا هو الغرب الذي يراهن عليه البعض ... ولكن لا غرابة بعدما غابت عن الأمة شمس الكرامة ، فسرحت الذئاب والضباع في جسدها هتكا وفتكا ... ولكن إلى حين ... نعم إلى حين ...

مقالات متعلقة