مجلس الطائفة الأرثوذكسية يكرم ويرفع الستار عن لوحة تخليد الشخصية الوطنية

على مدى عقود خدم المدينة بعضويته في المجلس البلدية عن كتلة الحزب الشيوعي وفي عضويته لمجلس الطائفة الأرثوذكسية

اقام مجلس الطائفة الأرثوذكسية في مدينة الناصرة، حفل احياء للذكرى الـ 90 لميلاد الشخصية الوطنية والشيوعية النصراوية خليل خوري، ابو فرح، حضره ممن عرفوا الراحل الكبير، وعايشوه ورافقوه في نضالاته وجمهور واسع.
وقد بدا الحفل بإزاحة الستار عن اللوحة التي تخلد ذكراه، وتم نصبها على مبنى تم بناؤه بتبرع سخي من زوجة الراحل، ثم انتقل الحضور إلى قاعة البشارة حيث أقيم حفل، أداره المربي منذر غريب، مفتتحا الحفل بكلمة عن تضحيات خليل خوري ومحطات بارزة في حياته، ثم جرى عرض صور من حياة الراحل.

جرايسي: كان العطاء من شيمه
وكانت الكلمة الأولى لرئيس بلدية الناصرة، المهندس رامز جرايسي، فقال إن هذا اللقاء هو وفاء لذكرى انسان أعطى لهذه المدينة وخدم أهلها سنوات طويلة، في ظل أعقد الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية ما بعد النكبة، وحتى آخر أيام حياتِه، ووفاته المفاجئة التي صدمت رفاقهُ وأصدقاءَهُ وكل من عرفه من قريب او بعيد.
وتكلم جرايسي عن عطاء خليل خوري في المجلس البلدي خلال كتلة الحزب الشيوعي، وفي العمل الوطني بشكل عام، ودوره الريادي في مجلس الطائفة الأرثوذكسية، وقال، إن العطاء كان من شيَمِه، وليس فقط خلال خدمته ضمن المواقع التي اشغلها، بل أيضا فيما كان يقدمه من مساعدات لبعض العائلات المستورة، يرسلها مع رفيق شبيبة شيوعية إلى بيت العائلة، دون أن تعرف مصدرها ودون ضجيج.
وقال جرايسي، لقد اختار خليل خوري خلال إشغاله عضوية بلدية الناصرة لعدة دورات خلال عقدين ما بين سنة 1954 وسنة 1974 عضوية اللجان البلدية ذات الطابع الاجتماعي، وتلك ذات العلاقة المباشرة مع الجمهور، فقد كان قريباً من الناس العاديين، والذين عانوا من اوضاع اجتماعية اقتصادية صعبة، وخصوصا في منطقة السوق والبلدة القديمة، موقع متجره، الذي كان ايضا ملتقىً للرفاق والأصدقاء وذوي الحاجة لمعاملات بلدية كان يساعدهم على قضائِها.
واضاف جرايسي، إن خليل خوري خدم ايضا في عضويته لمجلس الطائفة، لعدة دورات، بتأكيده على البعد النصراوي العام والوطني لهذا المجلس، الى جانب غايته الأساس في خدمة أبناء الطائفة وتوفير احتياجاتها العامة الدينية والعلمانية وخدمة أهل الناصرة عموماً ضمن نسيج اجتماعي متين، متداخل.

حكيم: الكف استطاع ملاطمة المخرز
وكانت الكلمة لرئيس الهيئة التمثيلية للطائفة الأرثوذكسية، الدكتور عزمي حكيم، فعدد محطات بارزة في حياة الراحل، منها حضور خليل خوري الشاب في عصبة التحرر الوطني الفلسطيني، وحضوره قبل ذلك في ثورة 1936، وحضوره في قريته الأم: المجيدل، وما تمثله من تشريد وتهجير ومحاولة تهويد المكان والذاكرة والجغرافيا والتاريخ، وحضوره في "أول أيار ثمانية وخمسين" حين ثبت أن باستطاعة الكفّ ملاطمة المخرز.
وأبرز د. حكيم المواقف الوطنية والمسؤولة للراحل خوري، فقال، لقد جاءوه عام 1954 بطلب تشكيل قائمة طائفية، للروم الأرثوذكس، لتخوض انتخابات البلدية. ولم يتردد خليل خوري وكان بجوابه الواضح والقاطع، كما جاء حرفيا في برتوكول جلسة مجلس الطائفة في تلك الأيام، "أنا لا أرى بأنه توجد أي مصلحة للطائفة الأرثوذكسية منفصلة عن مصلحة البلد، وعلى هذا فاني أعارض مبدئيا أي ترشيح يجري على أساس طائفي مهما كان نوع هذا الترشيح، وأعارض بحث هذا الموضوع في أي مجلس طائفي".
وقال د. حكيم، كان الراحل إميل حبيبي، يردد دائمًا عبارَتَهُ المشهورة التي أخذَها من "لكع بن لكع". العبارةُ كانت تقولْ: كأنَنَا، يا بدرُ، لا رُحْنا ولا جينا. لكننا، يا خليلْ خوري، قد رُحْنا وقد جينا ومَرَرْنا بتجاربٍ أقْسَى. وسيبقى الدرسُ الأوّلْ، الى أبدِ الآبدين آمين، ان "البلد يجب أن ترى بأنّهُ لا توجدُ أي مصلحة لطائفةٍ في البلد منفصلةٌ عن مصلحةِ كلِ البلدْ".

جرجورة: البذرة باتت سنديانة شامخة متجذرة
والقى رئيس اللجنة التنفيذية للمؤتمر الأرثوذكسي في البلاد، القاضي رائق جرجورة، كلمة قال فيها، إن ابا فرح قضى حياته في خدمة شعبه، من خلال عضويته في الحزب الشيوعي وممثلا عنه في المجلس البلدي في الناصرة، اضافة إلى نشاطات اجتماعية في المدينة، ومن ضمنها، مجلس الطائفة الارثوذكسية، الذي قدم خدمات قيّمة لأهل المدينة، دون تمييز بين طوائفها الدينية المتعددة، من منطلق أساسي ومبدئي، وهو أن "الدين لله والوطن للجميع"، وأننا على مختلف طوائفنا الدينية شعب عربي واحد نعيش في وطن واحد لا بديل لنا سواه.
وقال القضائي جرجورة قائلا، إن غرس ونشر هذه المبادئ في سنوات الخمسين والستين من القرن الماضي لم تكن مهمة سهلة في ظل الحكم العسكري والسياسة الرسمية القائمة على مبدا فرّق تسد، والقمع والتمييز العنصري التي مارستها حكومات إسرائيل وما زالت.
وتابع القضائي جرجورة قائلا إن التصدي لهذه السياسة ومقاومتها في تلك الايام لم يكن امرا بسيطا، فقد أدت إلى اعتقال ومحاكمة وسجن المئات من المناضلين، وفي هذه الأجواء عمل ابو فرح وزملاؤه، ومن هنا أيضا ينبع تقديرنا له، ونستطيع اليوم أن نطمئن أبا فرح وزملاءه أن شعبنا الواعي وقيادته السياسية والدينية يقفون بالمرصاد لهذه السياسة سعيا لافشالها، وأن البذرة التي زرعها ذلك الجيل اصبحت سنديانة تنمو وتتعمق جذورها في ارضنا، صمدت بشجاعة وبراس مرفوع امام الزوابع التي هبّت وتلاشت أمام صمودنا.

الشيح سليمان: من الذين حافظوا على المدينة ونسيجها
وألقى السكرتير الأسبق لفرع الحزب الشيوعي في الناصرة، سليم الشيخ سليمان، كلمة رفاق الدرب، فقال إن أبو فرح خليل خوري، هو ليس رجلا آخر من حارة الروم، وليس قائدا آخر من الناصرة، وليس إبنا بارا آخر من أبناء شعبنا فحسب. إنه واحد من تلك المجموعة التي حافظت على مدينة الناصرة ومنعت ترحيل أهلها ووضعت قواعد مميزة لنمو وتطور الأجيال اللاحقة.
وتابع الشيخ سليمان قائلا، قد يسمع هذا الكلام عاديا لمن لم يعش تلك المرحلة. ولكن معركة البقاء لم تكن عادية أبدا. كانت معركة محفوفة بالمخاطر الجسيمة. ومليئة بالتضحيات. كانت تكلف صاحبها ثمنا باهظا وخسائر فادحة. بعض أبناء هذا الجيل خسروا أموالهم، وبعضهم فقدوا عائلاتهم، وبعضهم خسروا حتى أرواحهم. لكن المعركة تكللت بالنجاح. ولا أقول انتهت بنجاح، لأنها لم تنته بعد. فالخطر على وجودنا ما زال قائما.
وقال الشيخ لسيمان، لقد كان خليل خوري كان من أبرز أولئك القادة، الذين صمدوا وواصلوا المسيرة. ورأوا في ذلك الوقت أمورا لا تراها قيادات عديدة اليوم، أهمها: كيف تجابه سياسة التركيع والتجهيل والتمييز بالحكمة والعقل. كانت تتمتع بشعور عال من المسؤولية. فأنت كقائد تعرف أن كل كلمة تقولها محسوبة عليك. ولها تأثير على الناس. لم يرفعوا شعارات طنانة بلا تغطية. لم يدفعوا الناس الى مغامرات.
وألقى البروفيسور غاوي غاوي، كلمة اصدقاء ومعارف الراحل، فتحدث عن العلاقة الخاصة التي ربطته بأبي فرح، حين كان شابا في مقتبل العمر، وابو فرح من قيادة فرع الحزب الشيوعي، وقال إن أبا فرح كان من القادة الذين يضحون ولا ينتظرون مقابلا.
والقت رفيقة درب الراحل، زوجته، بديعة عزام خوري، كلمة شكرت فيها مجلس الطائفة والحضور على اقامة الحفل، وتخللت كلمتها بعضا من نشاط ابو فرح وتضحياته، واليوم الأخير له قبل رحيله عنا.