الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 05 / مايو 10:01

يوسف جمل يكتب-مفتاح داري يا جاري

كل العرب
نُشر: 18/10/10 14:35,  حُتلن: 14:52

يوسف جمل في مقاله:

كانت أيام كنا ننام والأبواب والنوافذ مفتوحة على مصراعيها , لم يكن حينها للمفاتيح قيمة , ولم يكن أجهزة إنذار أو كاميرات أو عيون سحرية

صرنا ما من يوم يمر إلا ونسمع عن سرقة هنا ونصب هناك وغش هنا واحتيال هناك , صار لدينا كم كبير من المصطلحات

هاي مفتاح داري يا جاري أبو أسعد , قالها الجار عطية عندما أراد السفر لعدة أيام هو وزوجته تاركاً ومستودعاً كل ما يملك بين يدي جاره وهو في غاية الاطمئنان والأمان .
وكان أبو أسعد على القدر العظيم في حمل الأمانة والرعاية والحرص على بيت جاره عطية , وينشط أكثر في متابعة كل ما يستلزم بيت الجار طيلة فترة غيابه , كان يسقي الزرع , ويتفقد الدجاجات ويرعى الحصان , ويرقب البيت ويتفقده ويقوم بكل ما يستدعي القيام به وكأنه بيته وأكثر , والأهم من كل ذلك أنه كان يفعل كل ذلك وهو في قمة السعادة .
وإذا ما طال سفر الجار عطية فإنه لم يكن ليقلق أو يخشى على بيته فهو في يد أمينة , يد جاره أبو أسعد الذي يحفظ الود وحق الجوار والصداقة والعشرة الطيبة .
كانت أم أسعد تستيقظ في ثنايا الليل إذا ما سمعت صوتاً وتوقظ زوجها وهي تقول :- إصحى يا أبو أسعد , قوم شوف دار جارنا , سامعة صوت من جهة دارهم , فيهب لا يثنيه لذة نوم أو تعب النهار عن حفظ الأمانة .

انعدام الامان هذه الأيام
كانت أيام , كنا ننام والأبواب والنوافذ مفتوحة على مصراعيها , لم يكن حينها للمفاتيح قيمة , ولم يكن أجهزة إنذار أو كاميرات أو عيون سحرية أو أبواب كهربائية , وأرقام سرية , وساعات توقيت وصفارات وحماية حديدية فولاذية كهربائية والكترونية كان جدي يضع المفتاح في طيات زناره رمزاً ووثيقة وكوشان طابو لملكيته على البيت .

اعتداء وسرقة
ومع هذا لم يكن ( إلا ما ندر ) حالات أو حوادث اعتداء وسرقة ونهب لأننا كنا وقتها نحن نحن وكان لبيوتنا حرمات ولحدودنا ضوابط لا نتعداها ولم نكن لنفكر بها وفيها ولم تخطر على بال بشر وكانت هناك خطوط حمراء . كانت الأغنام ترعى سوية , يأخذها الراعي في الصباح من بيوت أهل البلدة يجمع أغنام أهل الحي مع أغنامه وفي المساء تعود الأغنام كل إلى بيت صاحبها سليمة معافية .

كانت أيام...
كنا نجول في سهول القرية فتنادينا أم سعيد , تعال يا إبن حنيفة , تعال يا إبن جميلة , تعال يا إبن هند , تعالوا وخذوا لأمهاتكم طبخة باذنجان , أو زهرة أو حبات من الخيار أو البنادورة , كنا نعود من جولاتنا بالغنائم فرحين مسرورين . كانت أمي تقول لأبي رحمهما الله ورحم أيام زمان :- دار أبو فلان بعثوا لنا بكذا وكذا وإم أحمد أرسلت لنا كذا وكذا , وأرسلنا لدار أبو زهير كذا وكذا , كنا نعرف ما طبخ أهل الحارة من أصناف الطعام التي على موائدنا . كانت أيام !!

تكليف وأعراس
كانت سهرات الجيران بدون تكليف وأعراس الناس بالبساطة والمتعة , وتعترينا النخوة عند الشدة و كان الجميع يشاركون ببناء بيت أو صبة سقف من الباطون , كنا نتعاون في قطف الزيتون , وكانت أيامها الجاروعة في آخر يوم من القطف , يحضرون المأكولات والحلويات والمشروبات , كانت أيام !!
كان الحاج حسن , الرجل الضرير , يجوب شوارع القرية بدون مساعد أو دليل , يوقظنا للسحور في رمضان , ونخرج لندعوه إلى مشاركتنا السحور فيلبي مرة ومرة يعتذر لدعوة سبقت من جار آخر .
كان الحاج حسن يجوب شوارع القرية ينادي ويقول :- يا سامعين الصوت , صلوا على محمد , فنسكت لنسمع , فيردف قائلاً :- يا مين شاف , عثر على أو فقد , ضاع منه شيء ( ويذكره )
حتى يعرف الذي وجد من الذي أضاع وفقد فيعيده إليه .

خيانة وسرقة
كنا على الغالب نسمع أن صاحب الإسورة الذهبية وجدها وقد عثر عليها فلان , وأن الحصان وجده فلان وأعاده لصاحبه والنقود التي أعلن عنها ظهر صاحبها وهكذا ..... كانت أيام .
كانت الأوضاع صعبة وكانت الحاجة ماسة وكان الفقر مدقعاً لكن قل ما وجدنا خيانة وسرقة وكذباً وغشاً ونصباً واحتيالاً , كان المحتاج يقترض ولكنه كان يعيد ما اقترض , لم يكن هناك شيكات أو كمبيالات ولم تكن نقوداً مزورة , لأنه كان وقتها عزة وإباء وصدق وأمانة وكبرياء .
كانت أيام , إذا ما حدثت حادثة من هذا القبيل , تقوم الدنيا وتقعد , والجميع يعلمون بها ويصيب الخائن الخزي والعار ويضرب السارق بالنعال .

أين الله؟
علمونا وقتها عن الغراب والقطاة حين تنازعا على حفرة فلما حكم قاضي الطير للقطاة بالحفرة وهي ليست لها قالت جملتها المشهورة :- أن يعرف عني الصدق والأمانة خير لي من ألف حفرة , وعندما حاول الخليفة إغراء الراعي وإقناعه بأن يعطيه غنمة من قطيع صاحبه قال جملته المشهورة :- إن لم يكن صاحب الغنم يراني فأين الله ؟!!!
وعندما أنكر الجار ذهب جاره الذي أودعه عنده وادّعى أن الفئران قد أكلته استطاع بالأسلوب الجميل وبالحيلة استرداد الذهب عندما بحث الجار عن ابنه فقال له أنه رأى طائراً يختطفه ويطير به في السماء , أنكر عليه هذا الأمر فقال له جملته المشهورة :- إن كانت الفئران تأكل الذهب فالطيور تقدر على حمل الصبيان واختطافهم فما العجب ؟؟!!!

وكثرت الحوادث
كلها دروس تعلمناها وأكثر لكنها مع الأيام لم يعد لها ذكر وكأن الكل تبخَّر !
صرنا ما من يوم يمر إلا ونسمع عن سرقة هنا ونصب هناك وغش هنا واحتيال هناك , صار لدينا كم كبير من المصطلحات , شيكات راجعة , دفتر الديون , حلقلو , عليه العوض , بالملح , استنى , خفة إيدو , الأخضر واليابس , عالحديدة , مش ناسي , لما أحاسب , لما أصرف الشك , مش هون , طيب شو طارت الدنيا , بتهون وغيرها وغيرها .....
كثرت حوادث السلب والنصب والسطو والنهب في محلاتنا التجارية وفي بيوتنا وسهولنا ومرافقنا وشوارعنا وسياراتنا ومعاملاتنا وأفراحنا وأتراحنا وليس هذا وحسب بل صرنا نسمع عن سرقات في الأماكن العامة وفي بيوت الله مساجدنا وبيوت العلم مدارسنا , صرنا نسمع عن كل هذا , نشرب على الخبر كأساً من الماء ونمضي ....
 

مقالات متعلقة