الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 29 / أبريل 07:02

حكاية أسير أسمه إبراهيم أبو حجلة -بقلم د. زهير عابد

كل العرب
نُشر: 27/09/10 12:24,  حُتلن: 07:47

د. زهير عابد:

الأسر حالة يصعب وصفها بكلمات وسطور قليلة في مقالة صغيرة

لتزول ظلمة غيابات سجن الاحتلال الغاشم على أرضنا وشعبنا، ولتعود الحياة مع عالم الأحياء من جديد

عملية الأسر هي قتل بطيئة لنفس البشرية من خلال ممارسة القمع والقهر لسلب كل ما هو جميل من الإنسان بعد حدود جدران السجن

أنتظر يا قائد فالزمن هنا لا يتوقف كما هو في الزنازين، فنحن سوف نناضل من أجل حريتك وحرية رفاقك الأسرى حتى ينفلج فجر يوم جديد

الأسر حالة يصعب وصفها بكلمات وسطور قليلة في مقالة صغيرة، فالأسر حالة معاشة بآلامها وآمالها من حيث الاستمرارية والتواصل واحدة من أصعب الحالات كواقعة مؤلمة مجهولة المصير واحدة من أكثر الأوقات على الإنسان إيلامًا.
فمنذ اليوم الأول للأسر يتعرض الأسير إلى أشد الأوقات إيلاماً في حياته من أهانه وتعذيب من قبل رجال المخابرات الصهيونية، حيث يمارس العنف اللا إنساني بنوع من السادية الغير معروفة لبشر إلا لرجال المخابرات الصهيونية في التعامل مع الأسير الفلسطيني.

حالة الأسير...
فأنا ككاتب لا يمكن مهما وصفت أن اصف حالة الأسير كما يصفها هو، ولكن أحاول أن أبحر في نفس البطل القائد إبراهيم أبو حجلة وأتقمص شخصية فقط لكتابة هذا المقال، لأنني لا أساوي بجانب بطولته شيئاً، ولكن لأصف لكم كم هي قاسية حياة الأسير وكم يتحمل من المعاناة والألم ويضحي بسنوات عمره من أجل وطن أسمه فلسطين، يضحى من أجله بكل غالي ونفيس.
فالبطل أبو حجلة أعتقل في 31/12/2002م بعد عودته إلى أرض الوطن ليواصل طريق النضال؛ من أجل دحر الاحتلال عن أرضه وشعبه، ليحكم عليه الاحتلال بالسجن ثلاثين عاماً، بتهمة تأسيس كتائب المقاومة الوطنية، وبهذا تخرجه عصابات المخابرات الصهيونية من إطاره الاجتماعي والإنساني الكبير لكي يعيش في واقع ضيق مفروض فرضا قهرياً عليه بأساور وسلاسل الحديد فتلتقطه الأيادي القذرة ليلقوه في جحيم الليل الموحش، والنهار الطويل في زنازين سجن ريمون الصحراوي.
فهي حالة ذاتية خاصة به يعايشها هو بآلامها وأحزانها وقسوتها البشعة، منذ تكبيل يداه بالسلاسل حتى دخوله برد الزنزانة ليعايش ضيقها الضيق، وسعتها القهر، وقسوة أيامها، وطول لياليها وظلمة أسوارها، فهي تجربة خاصة بالأسير تحصره في أضيق الأماكن في معيشة لا إرادية لذات، يعيش فيها الصراعات والتناقضات ويبحر فيها بين ثنايا الثوان ليجدها سنوات طوال بين الجدران الموحشة برطوبتها وقسوتها وطولها وأسلاكها.

ممارسة العنف
ليمارسون العنف على حقيقته القذرة من إهانة وضرب وقهر وسلب للإرادة مع الحرمان الكامل من أبسط الحقوق الإنسانية التي تخرج الإنسان من إنسانيته لتدخله في حيوانية أخرى يخجل منها الحيوان نفسه، فيحرم من النوم ويحرم من قضاء الحاجة أو الطعام، مع تواصل في الإهانة للحصول على قدر من الاعتراف بالذنب؛ لإيجاد نقطة ضعف في النفس البشرية للأسير للدخول منها إلى مفاتيح الإرادة لديه، من أجل زرع بذرة الشك في نفسه وبدء مرحلة التراجع عنده إلى الوراء والانهيار، وهز القناعات بالثبات على المواقف؛ لإحداث الانهيار المدمر بالاعتراف بالتهمة الموجهة إليه لإخراجه من وطنيته وخطه الثابت من نضاله، ليصبح في صف رجل المخابرات، وبدء الخيانة بالمساومة والمقايضة على الحرية مقابل الاعتراف، كاختبارات للنفس البشرية الضعيفة. 

ضربات متتالية من القهر
لحصره في ضيق المكان، وعزله عن محيطه الخارجي، لفرض شروط التراجع الذاتي عليه في ظل كل الإمكانيات والوسائل المادية القهرية الشاملة.
فالأسر يتعرض لضربات متتالية من القهر لسلخه من مكوناته الإنسانية الطبيعية فهم يحاولون سلخ الروح عن الجسد، والإرادة عن الروح والعقل، من خلال إغراءات مثبطة لهذه المكونات للولوج إلى نفس الأسير وقهره بدقائق معدودة من النوم، أو تخفيف من الضغط مقابل الاعتراف بالذنب.
فعملية الأسر هي قتل بطيئة لنفس البشرية من خلال ممارسة القمع والقهر لسلب كل ما هو جميل من الإنسان بعد حدود جدران السجن في عذاب متواصل يقطعه عن الأحبة من الأهل والمجتمع المحيط به، من رفاق النضال والدرب في المقاومة والنضال، ليبقى في ظل ظله بين جدران جامدة لا تنطق بكلمة مواسة واحدة، وتكون أشد قسوة من السجان في صمتها الطويل، ليختزل كل معاني الحياة الواسعة في جدران ضيقة كبهو القبر الموحش، جدران يصغر لتضيق فيه الأنفاس، وتحدد فيه الحركات ليتسع على جدار تلو الجدار اللا متناهي من الجدران لتضيق بك الحياة في حيز ضيق، لتصبح بلا معنى مع مرور الدقائق والثوان.

حياة من نوع أخر يمر بها الأسير بين ثنايا الجدران
لتبدء حياة من نوع أخر يمر بها الأسير بين ثنايا الجدران ليكون هو قطعة منها جامدة كجمود الجليد الموحش في صحراء سيبريا، أو كصقيع الصحراء الكبرى في ليالي الشتاء، فيتوقف هنا رصد الزمن من طول وبطء وضيق واتساع، لينحصر في حكاية سجين هو البطل إبراهيم أبو حجلة الذي يقضي أيام السجن الموحش منتظراً الحرية، وليعيد الزمن يعد ثوانية من جديد بإرادة المناضل القوي القادر على العطاء وتأسيس حياة على صفحات الزمن القادم بفجر الحرية له ولإخوانه من الأسرى المناضلين.
ولتزول ظلمة غيابات سجن الاحتلال الغاشم على أرضنا وشعبنا، ولتعود الحياة مع عالم الأحياء من جديد، فأنتظر يا قائد فالزمن هنا لا يتوقف كما هو في الزنازين، فنحن سوف نناضل من أجل حريتك وحرية رفاقك الأسرى حتى ينفلج فجر يوم جديد.
فالتحية لأبو حجلة ورفاقه الأبطال أمثال سفيان عبد الحليم بركات، ومصطفى كامل بدارنة، وعصمت عمر منصور، وجمال حماد حسين، ولجميع الأسرى من أبناء شعبنا المناضل في سجون الاحتلال، ونقول لهم صبرا ففجر الحرية قادم لا محال ولا بد لليل أن ينجلي وللقيود أن تنكسر بإرادتكم وصمودكم. 
 

مقالات متعلقة