الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 06 / مايو 12:02

برهوم جرايسي- رسالة شرقي متخلف إلى إمبراطورية الديمقراطية

كل العرب
نُشر: 13/09/10 13:04,  حُتلن: 13:05

برهوم جرايسي في مقاله:

تعلمنا يا سيدتي الإمبراطورية العظمى، أن حرية الفرد تنتهي عندما تبدأ بالاعتداء على حرية الآخرين، ولربما يكون هذا المبدأ هو أيضا شرقي متخلف

اليهودي يدعو إلى طرد وقتل العرب هذه حرية تعبير، أما أن يقول عربي لعنصري يهودي، "أنت عنصري"، فتعاقبه المحكمة بمائة ساعة لخدمة الجمهور

كم أتمنى أن تسمح لي إمبراطورية الديمقراطية العظمى، وأنا الشرقيُّ المتخلف، وهذه المرّة تخلف باعتزاز، أن أعرض عليها شيئا ما من الديمقراطية حسبما نفهمها نحن، ترتكز على القيم الإنسانية واحترام الآخر، منزوعة من المصالح الكونية، هذه المصالح التي حرقت ودمرت شعوبا بأسرها.
أنشر رسالتي هذه على الملأ، وأنا على أحر من الجمر، انتظر تقرير وزارة خارجيتكم السنوي حول الاضطهاد الديني في العالم، حقيقة أنني أسهر كل عام ليالي عديدة، مع اقتراب موعد نشره، ولكن الشوق هذه المرّة مضاعف، إذ أتساءل: هل سيشمل تقريركم هذا العام بندا عن ذلك النكرة المسمى عندكم قسيسا، ويتزعم وكرا في فلوريدا أسماه كنيسة، فلا هي كنيسة ولا هو قسيس، وإنما مأجور مغمور، يترزق على الحقد والكراهية، منتفعا بأجر مدفوع له من جهة ما، مدعيا دينا، دينا علم أساسا بأن: "أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون اليكم"، فكيف حال التعامل حينما يكون مع كتاب مقدس، القرآن الكريم.

التخلف
تعلمنا يا سيدتي الإمبراطورية العظمى، أن حرية الفرد تنتهي عندما تبدأ بالاعتداء على حرية الآخرين، ولربما يكون هذا المبدأ هو أيضا شرقي متخلف إلى درجة أنه لم يستطع قطع المحيطات حتى يصل إليكم، أو أنه متخلف بمستوى كبير يجعلكم ترفضونه.
في أوج الأيام الصاخبة السابقة، ظهر علينا في إحدى الإذاعات، شخص من عندكم، أعجبت به جدا حينما تنازل حضرته وتواضع، وأقر بأصوله العربية، وشدد على اسمه، كي يشير إلى انتمائه الديني ليقنعنا "بموضوعيته" و"ليبراليته"، وكما يبدو فإنه يمارس ساعات إضافية من الحماسة للديمقراطية الأميركية، ولقننا درسا لن ننساه، مفاده أن في أميركا لا توجد قيود على حرية التعبير، والديمقراطية هناك واسعة، وما أعلنه ذلك النكرة المسمى قسيسا هو عمل فردي.

إمبراطورية الديمقراطية
شعرت بتأنيب ضمير، فكيف أتجرأ على التطاول على إمبراطورية الديمقراطية العظمى واتهمها بالتواطؤ مع ذلك النكرة، فجلست إلى الانترنت لأحفظ دروسا أخرى، علني أتخلص من تخلفي الشرقي، وبحثت كثيرا بمساعدة أخي غوغل الانترنيتي، لأجد أنه بالفعل كل شيء مباح في الولايات المتحدة الأميركية، كل شيء، نعم كل شيء، باستثناء، "معاداة السامية"، وهي الاسم الحركي لانتقاد السياسة الإسرائيلية، وباستثناء نفي وجود المحرقة، التي لا ننفيها، إلا أن الصهيونية جعلت مأساة الملايين كمسمار جحا لها، لتحشر أنفها في كل دولة ودولة لترهبها.
وذكرني هذا بحرية التعبير في واحتكم الشرق أوسطية، إسرائيل، فأن يدعو اليهودي إلى طرد وقتل العرب فهذه حرية تعبير، أما أن يقول عربي لعنصري يهودي، "أنت عنصري"، فتعاقبه المحكمة بمائة ساعة لخدمة الجمهور، على الرغم من أن المحكمة العليا الإسرائيلية أقرت بعنصريته.

القسيس الإرهابي
عندنا في الشرق المتخلف، نسمي مثل هذا النكرة المسمى عندكم قسيسا، إرهابيا بكل ما في الكلمة من معنى، وأمثاله لا يحق لهم التجوال بين الناس لأنهم خطر على المجتمع، وهذه حقيقة، في شرقنا المتخلف كنا سنحاكمه، ليقبع في زنزانة يكف فيها شرّه عن البشر، فهذا ليس قمعا بل ضرورة لتنظيف الأجواء الإنسانية من هذا التلوث البيئي.
فأي منطق إنساني وأخلاقي، قبل الحديث عن كل المواعظ والقيم الدينية أياً كانت، يعطي لهذا النكرة هذه المكانة الإعلامية العالمية، تُفتتح وتُختتم به النشرات الإخبارية بلغاتها المتعددة، ويتفرغ لقضيته وزير دفاع، ورئيس أكبر دولة عظمى، فهل المس بمعتقدات وكرامة مئات ملايين البشر بات إلى هذه الدرجة من السهولة ليصبح مادة للهو الإعلامي وجذب الأنظار؟.

نعيق ونهيق
لسنا من عشاق نظرية المؤامرة، ولكن طالما أن أصواتا نكراء كهذه تواصل نعيقها ونهيقها، وتحظى بهذا الزخم من التغطية الإعلامية، ولا تجد من يردعها ويُخرسها، فهذا سيرسّخ فينا القناعة، بأن جهة ما معنية بهذا التوتير والغضب، ومهمة الكشف عن المستفيد ليست صعبة.
إذا كانت ديمقراطيتكم على هذا النحو، فنحن نعتبرها قاع الحضيض الأخلاقي، فاتركونا مرتاحين بتخلفنا، وأريحونا من دروس ديمقراطيتكم، ولكن على الأقل أغلقوا هذه البالوعة عندكم، لأنها تنفث روائحها الكريهة التي تسمم أجواء العالم بأسره.

مقالات متعلقة