الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 07:02

القاضي أحمد الناطور- رمضان مبارك وعيد فطر سعيد

كل العرب
نُشر: 07/09/10 13:34,  حُتلن: 08:04

القاضي الدكتور احمد الناطور:

إننا مدعوون اليوم إلى ترسيخ ملامح انتمائنا، كي يستطيع أبناؤنا التعرفَ علينا

في الإسلام فالعيد محصلة إنجاز حظي َ المسلم في نيله، وسجّل به رصيداً في حسابه

في الإسلام عيد الفكرة العابدة، لا مناسبة سطحية عابثة ، إنما حكمته أن تجتمع الأمة على إرادة واحدة

للعيد غريزة خلقِ مقومات التقارب الأقرب إلى النسب، به تتحقق في الأمة تشابه الصفات حتى تحول أسرة ، ويصبح الوطنُ بيتاً

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّد الخلق أجمعين ، وعلى صحبه الغرّ الميامين .
قال تعالى : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون ) . أيُها الأهل الأعزاء ،
يطيب لي في هذه الساعات المباركة أن أتقدم منكم ومن المسلمين في شتى بقاع الأرض بأطيب التهاني بمناسبة حلول عيد الفطر السعيد ضارعاً إلى العلي القدير ليعيده علينا جميعاً ونحن أحسن حالاً وأهدأ بالاً ، وقد حلت على الأرض السكينة.  قال صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏: "‏ ‏كَانَ لَكُمْ ‏‏ يَوْمَانِ ‏ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا وَقَدْ أَبْدَلَكُمْ اللَّهُ بِهِمَا ‏‏ خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ ‏ الْفِطْرِ ‏ وَيَوْمَ ‏ الأضْحَى " ‏.

الفكرة العابدة
ما كان العيد عند الأمم إلا استعادةً لذكرى حدثٍِ قد نـُقش في ذاكرتها، فعزّ عليها ثقلُ الزمان عليه فذهبت تحييه بالشوق إلى ما كان. أما في الإسلام فالعيد محصلة إنجاز حظي َ المسلم في نيله، وسجّل به رصيداً في حسابه. إنه فرحة النفس باكتمال قدرة التغلب والإصرار، حتى إذا بلغت مبلغ الأماني، كان لها أن تغمر ذاتها بفخرٍ اكتفاءٍ كأنه النصر.  فالعيد إنما هو معنى اليوم لا ذاته. وهو في الإسلام عيد الفكرة العابدة، لا مناسبة سطحية عابثة ، إنما حكمته أن تجتمع الأمة على إرادة واحدة ... على حقيقة واحدة . أما اليوم ذاته ، إنْ عُزلت عنه دلالته فلا يتعدى كونه إطاراً مرّقعاً لجمع الأمة على تقليد بغير حقيقة ولا يتسع إلا لأن يكون ملاذاً للضعيف من ذلّه وهوانه .

فلسفةِ فكرٍ شاملٍ
إن للعيد غريزة خلقِ مقومات التقارب الأقرب إلى النسب ، به تتحقق في الأمة تشابه الصفات حتى تحول أسرة ، ويصبح الوطنُ بيتاً ، والخلاف وفاقاً والاختلاف تعدداً تجمعه طبيعة واحدة .  في العيد تتحد ُ الخواطر وتشتد الأواصر، لتكتسب معنىً ودلالة ، هو شيء من فلسفةِ فكرٍ شاملٍ لحقيقة العبادة في الدين الحنيف . وكما يفعل الصائم في رمضان من محاسبة لنفسه في كل حين ، فإنما ينبغي أن نزِن في العيد حالنا ونتحرى مآلنا فنعمل لصلاح وإصلاحِ أحوالنا .

توجه شرس
هناك توجه شرس نحو مقدراتنا ، يقف وراءه من الحاقدين المتشنجين زرافات كلهم من فصيلة واحدة ، تصوّب نحو هدف واحد – هو الإجهاز على الهوية والأرض والمعالم ، إسلامية كانت أو مسيحية أو درزية ، فقد باعوا العهدة العمرية ، رمز الأخوة الإسلامية المسيحية ، موقع التقاء الفاروق عمر بن الخطاب وبطريك القدس – على عهد الالتحام والالتئام في مصير واحد . إنها مؤامرة لبيع التاريخ المشرف في سوق النخاسة . صودرت أراضي المنصورة ، هدمت العراقيب مراراً ، ودنست مقدسات حتى العظم تكراراً . في الوقت ذاته تستهدف سوائب المتطرفين المسجد الأقصى المبارك . ونحن إذ نعود لنحذّر من أنّ أي اعتداء من المتطرفين على المسجد الأقصى المبارك ، سيفجر حرباً عالمية طاحنة ، بين اليهودية والإسلام ، لا تنطفئ نارها إلى يوم الدين .

ترسيخ ملامح انتمائنا
أما نحن ، على شتى مشاربنا ، فمطالبون بالالتقاء على حقيقة المصير الواحد ، كما السيل يلتقي فيصوّب إلى مجراه . ولنُقبل على بعضنا إقبال الجو على الطير الحبيس، بجاذبية التلاحم الفطري واتحاد الإرادة.  لا يجوز أن نتقهقر إزاء اختلاط مقومات المسيرة العرجاء التي جعلت كيان الأمة المرَقّع مسخاً مشوهاً ، جراء التشرذم والانتثار الذي كاد يؤتي ضياعاً غير معلـَن مع أنه معلوم للخلق جميعاً .  إننا مدعوون اليوم إلى ترسيخ ملامح انتمائنا ، كي يستطيع أبناؤنا التعرفَ علينا . ونحن في ذلك لا ندعو إلى مخاصمة العصر ، بل هو التصالح مع الذات . إنها دعوة لاسترداد الذات بحق وحقيقة ، لا أن نستسلم لأية ترجمة هزيلة للشخصية ،منقسمة الداخل والخارج ، إلى شخصية رديئة الخلْق والخُلق . 

بئر قد جفّت منذ زمان
إننا إزاء هذا الخطر الداهم الذي يقتلع الأصل والفرع معاً ، لا يجوز أن نتشاجر بعد اليوم على جرعة ماء من بئر قد جفّت منذ زمان ، أو على موْرد إبل أو رُمة بعير ! يطيب لي وأنا أبرق إلى المسلمين في كل مكان بباقة من التهاني ، أن أتوجه إلى القادر عزّ وجل ، بصادق الدعاء والرجاء ليعيد هذا العيد على الأمتين الإسلامية والعربية ، وعلى الناس جميعاً وقد ساد الوفاق والاتفاق والوئام والالتئام ونزلت على الناس السكينة .
إنه على ذلك لقدير وبالإجابة جدير وكل عام وأنتم يا أهلنا جميعكم بخير
القاضي الدكتور احمد الناطور ، رئيس محكمة الاستئناف الشرعية العليا

مقالات متعلقة