الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 08 / مايو 01:01

حدائق رمضان الغنّاء...الشيخ: حمّاد ابو دعابس

كل العرب -الناصرة
نُشر: 12/08/10 10:31,  حُتلن: 14:13

ابرز ما جاء في المقال :

نحن في هذه المقالة نسعى لاستعراض بعض هذه الجماليّات وهذه الثمار لعلّنا نُحسن تذوّقها

زرت بيت الله في صلاة الفجر وتلوت القرآن وخشعت في الصّلاة وشاركت جموع المسلمين

ما أعظم أن ندخل رمضان ونحن نعرفه على حقيقته، ونعرف حقيقة ما نريد منه ، ونعرف كيفية تحقيق ذلك على الوجه الأكمل. ولقد أكّدت لنا الأحاديث النبوية أنّ الصّيام مراتب، وعليه فإنّ الاستفادة من رمضان هي أيضاُ مستويات ومراتب. فهنالك صوم العموم وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص . فالأوّل صوم عن المُفطّرات حيث يصوم البطن والفرج ، والثاني صوم الجوارح عن كل ما يخالف الخُلق الإسلاميّ الرفيع والتعرّف النبيل ، والثالث صوم القلب عن كل ما يشغل الصائم عن الله تعالى .إنّ هذه المستويات المتفاوتة في فهم ماهيّة الصّوم ، يواكبها مستويات متفاوتة أيضاّ في تذوّق جماليات رمضان ومعانيه وتحصيل الثمرة المرجوّة منه . ونحن في هذه المقالة نسعى لاستعراض بعض هذه الجماليّات وهذه الثمار لعلّنا نُحسن تذوّقها والعيش في ظلالها لكي نبلغ درجة جاء عنها في الحديث النّبوي :" لو تعلم أمتي ما في رمضان من الخير لتمنَّت العام كلّه رمضان " .
تصوَّر نفسك تزور بستاناً كبيراً وجميلاً فيه من جميع أنواع الثمار ألطيّبه ، والفاكهة اليانعة . وفيه من جميع أنواع الزّهر التي تفوح منها الروائح الزكيّة، إلى جانب الظّلال الوارفة والنّسيم العليل الذي يحرّك الأغصان ، فتسمع لها فحيحاً عذباً ، تصحبه زقزقة رنّامه للطيور بأشكالها وأحجامها وألوانها ، ثم تقع عيناك على أنواع الثمار اليانعة في عزِّ موسمها حلوة المذاق من كل ما لذَّ وطاب . لكنّ هذا البستان الجميل بحاجة إلى سفر عدة أميال ، والمشي على الأقدام عشرات الخطوط والى جانب ذلك الاستئذان من صاحب البستان الذي سيوصيك ببعض الوصايا ويقدّم لك بعض الإرشادات للإستفادة القصوى من زيارتك لهذا البستان . فهل تشدُّك هذه الرّحلة ، وهل يجذبك مثل هذا العرض ، أم أنّك ستنسى أوصاف البستان ولا تذكر إلا الأميال التي ستقطعها والخطوات التي ستمشيها والإرشادات التي تحتاج للإستماع إليها . هذا البستان الجميل الماتع ، وارف الظّل ، وفوَّاح الأريج ، ويانع الثّمار هو بستان من بساتين رمضان . فإذا زرناه حريٌّ بنا أن نتمتّع بكل ما فيه،بجماله،وظلاله،ورائحته،وأصواته العذبة وثماره ألطيبه .

صمت في نهار رمضان

فهيا بنا إلى بستان من بساتين رمضان نتلذّذ فيه بالعبادة ونتذوّق فيه حلاوة الأُنس ، وجمال العفَّة والطُّهر ، وظلال الأُخوّة والمحبّة ، وثمار التّقوى والعتق من النّار ، وروائح البشرى بالرّحمة والمغفرة والجنّة حيث باب الريّان ورضا الرّحمن وعطاءات المنّان . بل إنني أجزم بانّ رمضان ليس مجرّد بستانٍ من هذه البساتين العظيمة التي سردنا وصفها إنّما هو جنَّةٌ من الجنان ، بابها الريّان وسقفها عرش الرّحمن وأجمل أصواتها القرآن ، فإذا صمت في نهار رمضان عن المأكل والمشرب والمنكح ، فهو استغناء بالله عن بعض ما وهبك الله في وقت حدده الله لك . فإذا جاء وقت إفطارك فتح الله عليك من أبواب عطائه وسخائه وكرمه ، فجعل لك وللصائمين فرحتين : فرحة عند فطركم وفرحة عند لقاء ربكم ، فإذا تسحّرت حلّت البركة في عافيتك وفي نهارك ، فهي مباركةٌ لك في طريقك نحو بستان هذا اليوم من الصيام :" تسحّروا فإن في السحور بركة " وإذا رفع أذان الفجر فهو الإذن بدخول بستان ذلك اليوم .فإذا زرت بيت الله في صلاة الفجر وتلوت القرآن وخشعت في الصّلاة وشاركت جموع المسلمين،فقد تفيّأت بعض ظلال هذا البستان وسمعت بعض أصواته . وإذا ذكرت الله كثيراً ،وحمدته ومجدته ودعوته فقد تعرّضت لك نسمات زاكية فوّاحة هبّت على هذا البستان فاستمتع بها من فيه . فإذا غربت شمس ذلك اليوم فقد وصلت إلى ثمرة ٍ من ثماره ،فلك أن تأكلها هنيئة مريئة . ألا وانّ أطيب ثمرات هذا البستان هي التّقوى : " يا أيها الذين امنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ".
نحن لا ننكر أنّ في الصّوم مشقّة ، في الجوع والعطش وحرارة الصّيف وطول النّهار ، ولكن إذا ما قورن هذا الجهد وهذه المشقة بالمتعة والثمرة ، هان عليك الثمن مقابل السلعة والثمرة المرجوَّة .فإيَّاك أن تعيش رمضان كلّه وأنت تتأفف من الحرّ والجوع والعطش ، دون أن تستشعر عظم هذا الشهر ولذّة الطّاعة ومتعة العبادة. وكأنك بعد أن قطعت الطريق المؤدي إلى البستان ،انشغلت في أخر محطات الطريق وبِتَّ تشكو آلامها ووعثاءها . ولو أنّك دخلت البستان فتمتّعت بجماله وظلاله ونسماته وروائحه لأنساك ذلك التّعب والمشقةِ التي لقيت في طريقك .فمن ظلال رمضان ومتعة الأُنس فيه انك تصوم محبةً لله تعالى ، وإرضاءً له وابتغاءً للأجر عنده ، وهو الله تعالى الذي يقول في الحديث القدسي : " كل عمل ابن ادم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ".فأنت تستشعر الجوع والعطش والحرّ ، ولكن بمتعته أنّه من اجل الله : أيماناً واحتساباً.

الحلال كفايةٌ ووقايةٌ ومتعةٌ

ومن جمال رمضان أنك تغضّ بصرك عن محارم الله ، حتى تتمتَّع عيناك بالحلال الذي أباحه لك الله في وقت إفطارك . فالمؤمن يكفيه الله بحلاله عن حرامه ، وبفضله عمن سواه . أما الذي يمدُّ عينيه ويديه وأذنيه إلى الحرام ، فإنه يزهد في الحلال ولا يستمتع به ، بل يشعر بأنّ الحلال يقيِّده ويحدِّده . فتوقَّف عند حدود ما احل الله لك ، تتعدَّ إلى الحرام تجد أنّ في الحلال كفايةٌ ووقايةٌ ومتعةٌ وجمال .
وإنّ أجمل الأصوات في بستان رمضان ، تلاوة القرآن الكريم .وقد دعانا نبينا الكريم صلّى الله عليه وسلّم إلى تحسين أصواتنا بالقران . وكان سلفنا الصالح إذا دخل رمضان حرصوا على الإكثار من تلاوة القران . حتى ورد ان بعضهم ختم المصحف كل يوم ختمتين ، ولربما ختمةٌ كل يوم او كل ثلاثة أيام او كل أسبوع ، واعتقد انّ ذلك اقل القليل في رمضان .فأقرأ القرآن ورتله ترتيلا ، وتدبَّر آياته واستشعر عظمته . تلاوةً مصحوبةً بالهيبة ِوالجلال ، وبالرهبة والتعظيم لمن انزله واحكمه وبينه .
أما نسيم رمضان العليل ورائحته الفوّاحة ، فنشتمُّها في تعاملنا مع المسلمين ، من بني جلدتنا ، وشعبنا وأُمتنا . حيث نعتزّ ونتشرّف بانتسابنا لهذه الأمة العريقة ، التي يجمعها رمضان على اكبر القواسم المشتركة . صيام وقيام وصدقة وتلاوة ، وتراحم وتغافر . فمن فطّر صائماً كان له من الآجر مثل اجر الصائم لا ينقص من أجره شيئاً .ومن أحبّ الأعمال إلى الله تعالى إدخال السرور على المسلم .ورعاية اليتيم وتفقّد الفقير والمحتاج ، وإخراج صدقة الفطر وزكاة الأموال كل ذلك يسهم في صياغة المجتمع المتكافل الذي يطيب لك العيش فيه . فرمضان شهر التراحم والتفاخر . ومردة الشياطين مصفدة ، فهي فرصةٌ لفض الخصومات ونشر روح التسامح والمحبة بين الأهل والجيران وبين أبناء البلد الواحد والشعب الواحد وآلامه الواحدة.
ثم الثمرة الكبرى "لعلكم تتقون "،"ولنعم دار المتّقين".

خير من الدنيا وما عليها

إنّ تقوى الله عزَّ وجلَّ،مخافته ، وخشيته ، محبته ،وتعظيمه ، ابتغاء أجره والخوف من سخطه هي أعظم ثمرات الصّيام والقيام وتلاوة القران والصدقة والصلاة في رمضان ، فنحن نؤدّي العبادات محبَّةً لله وتقربُّاً إليه ، شوقاً إلى رحمته ومغفرته ، وحذراً من سخطه وعقابه .ولذلك ينبغي أن نحبّ ما يحبّه الله لمحبتنا لله ، ونرضى بما يرضاه لنا الله لرضانا عن الله . ويكون فرحنا بإرضائنا لربنا وطاعتنا له استشعاراً بأنه من فضل الله ورحمته وهما خير من الدنيا وما عليها .لقوله تعالى :" قل بفضل الله وبرحمته فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون "وقد ورد في الأثر :"من أسرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ".
إنها دعوة لنا جميعاً بالإصلاح التّامِّ مع الله عز وجل . وإحسان التعامل مع خلقه . واقرب الناس الينا هم أولى الناس بإحساننا . فقد أجاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على سؤال السائل :" من أولى الناس بحسن صحابتي قال عليه الصلاة والسلام :" أمَّك " ثم سئل فأجاب " ثم امُّك ثم امُّك ثم أبوك " وقوله عليه الصلاة والسلام :" خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ".و" ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه ".ثم "الدين ألمعامله " .و" ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ".
أسال الله تعالى أن يمتّعكم بجنة رمضان ، وكما سلَّمه لكم أساله سبحانه أن يسلمكم لرمضان وان يتسلَّمه منكم متقبلاً.
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

مقالات متعلقة