الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 28 / أبريل 07:01

في مطار برشلونة- بقلم: مطانس فرح (حيفا)

كل العرب
نُشر: 30/07/10 09:04,  حُتلن: 14:03

- مطانس فرح في مقاله:

* يهودي شرقي قال لي: 

* كيف يمكن أن تكون فلسطينيًا وأنت تحمل جواز سفر إسرائيلي؟! كما أنك لا تبدو فلسطينيًا

* عملية التفتيش بالأساس، جاءت بهدف منع الفلسطينيين من حمل أية سوائل وإدخالها إلى الطائرة، كي لا يقوموا بأيّة عمليّة إرهابية

مُنهكًا، وصلت مطار برشلونة، بعد قضاء أكثر من أسبوع في شمال إسپانيا الخلاّبة والرائعة، وجنوب فرنسا الساحرة، قاصدًا العودة - رغمًا عنّي - إلى البلاد؛ فظروف العمل منعتني، للأسف، من إطالة إقامتي في تلك البقعة الأوروپية الجميلة.
لم يكن المطار مكتظًا، كما وجدته لحظة وصولي؛ وكأنّ من يصل إلى تلك المناطق يصعب عليه مغادرتها بسهولة، فيفضّل البقاء وإطالة فترة الإقامة عن العودة مهرولاً إلى بلاده.
كان الطابور الأطول في المطار هو ذلك الذي يجب أن أقف فيه، لإتمام الإجراءات والفحوصات الأمنيّة قبل التوجّه إلى الطائرة الأوروپية المقلعة إلى مطار اللد «بن غوريون».
وقفت في الطابور وراء زوج يهودي شاب، من أصل شرقي، يسكنان جنوب البلاد، اجتماعيّان إلى أبعد الحدود. فمنذ لحظة وقوفي ورائهما بادرا إلى الحديث، وقاما بتضييفي بشتّى الحلويّات والمكسّرات، فرِحان «فرحة العيد» لانتهاء إجازتهما وعودتهما إلى أرض الوطن، إلى بلاد الحليب والعسل..
كانت اللحظات تمرّ ببطء رهيب، كنت منهكًا جدًا - كما ذكرت - وهذا الزوج لم يكفّا عن الحديث والتفاخر «بأننا» - نحن الإسرائيليون اليهود - شعب الله المختار، لدينا أفضل وأقوى وأعظم دولة في العالم وألذّ طعام وشراب كذلك، فبلادنا بلاد «الحليب والعسل».. "אין כמו בארץ אחי"، معتقدان بأنّي يهودي فخور مثلهما.
كنت مستمعًا، لم أشاركهما الحديث، ولم أعلّق على أقوالهما لا إيجابًا ولا سلبًا، لأني لم أكن في مزاج يسمح لي الخوض في نقاشات قد تأخذني لمكان آخر، بعيدًا عن «الإكستازا» - النشوة - التي ما زلت أحياها؛ نشوة سحر وعظمة أوروپا.
وأخيرًا، وبعد انتظار طويل نسبيًا، سلّمت الحقائب وحصلت على تذكرة لمقعد الطائرة؛ أكملت طريقي إلى نقطة التفتيش الأخيرة؛ وكما هو معلوم، ففي السنوات الأخيرة يُمنع من أيّ مسافر حَمل أيّ سائل كان إلى متن الطائرة، حتى الشراب والعطور؛ فكل من يحمل سائلاً يُطلب منه تركه في أرض المطار أو وضعه في حقائب السفر التي تُشحن إلى داخل الطائرة.
وصلت إلى نقطة التفتيش، فوجدت أمامي مجددًا ذلك الزوج الشرقي، إضافةً إلى رجل الأمن الذي كان في انتظاري.. عندها تذكّرت أنّي، وقبل دخولي المطار، كنت قد اشتريت قنينة «فانتا»، إلاّ أني لم أشربها.. وعندما سألني رجل الأمن إن كنت أحمل سائلاً، أجبته بالإيجاب وبأنّي لم أفتح القنينة بعد. فاعتذر وطلب منّي، بكل أدب، أن أبقيها في المطار أو أشربها. لم أكن عطشًا لحظتها، فاقترحت عليه أن يأخذها لأنها ما زالت باردة؛ ابتسم ورحّب بالفكرة.
وبعد مضي أكثر من نصف ساعة وأنا في انتظار صعودي الطائرة، قمت باقتناء قنينة «فانتا» من أرض المطار.. رآني ذلك الشاب اليهودي الفخور، فجاء إليّ مهرولاً ضاحكًا، قائلاً: «أرأيت أخذوا منك قنينة «الفانتا»، لتشتري بدلاً منها قنينة أخرى من «كافيتريا» المطار..».
أجبته: «نعم، أعتقد بأن كل هذه الفكرة هي تجاريّة بالأساس؛ فما الفرق بين تلك القنينة التي حملتها سابقًا، وتلك التي أحملها حاليًا؟! إنهم يجبرون المسافرين على اقتناء العطور والشراب وما شابه من دكاكين المشتريات الحرّة Duty Free.. فكرة تجاريّة جهنّمية.. لا أعتقد بأن لها أية علاقة بالأمن..!».
انتفض «زميلي» الاجتماعيّ، وقال: «هل جننت؟! إنّ كل هذه العمليّة بالأساس، جاءت بهدف منع الفلسطينيين من حمل أية سوائل وإدخالها إلى الطائرة، كي لا يقوموا بأيّة عمليّة إرهابية!!».
كان هذا أغبى جواب سمعته في حياتي!
فابتسمت ابتسامةً ماكرة، وقلت: «ولكنك يهودي إسرائيلي «فخور»، فلماذا أخذوا منك، أنت كذلك، قنينة المياه ومنعوك من حملها إلى الطائرة؟! بل قاموا أيضًا بفتح وتفتيش حقيبتك بعد مرورها بجهاز الكشف؛ بينما أنا الفلسطيني «الإرهابي» بنظرك، لم يفتحوا حقيبتي بتاتًا!!».
«فلسطيني؟!» - سألني والدهشة تعلو وجهه.
«نعم» - أجبته.
وأضفت: «وأنا لست الوحيد، فهنالك فلسطينيون كثيرون على متن الطائرة العائدة إلى بلاد الحليب والعسل»!
«كيف يمكن أن تكون فلسطينيًا وأنت تحمل جواز سفر إسرائيلي؟! كما أنك لا تبدو فلسطينيًا!» - سألني مستغربًا.
أجبته بكل استهتار: «كيف يجب أن يبدو الفلسطيني في نظرك؟!».
أجاب: «لا أعلم، ولكن..»
وقبل أن يتابع قاطعته: «سأُريحك.. أنت تعتقد بأن جميع الفلسطينيين إرهابيون، فهذه هي الصورة المرسومة في ذهنك.. هل سمعتَ عن: يعقوڤ تايتل، باروخ غولدشطاين، كهانا، نتان زادا وغيرهم..؟! فهل يجب عليّ في هذه الحالة أيضًا، أن أعمّم ذلك على اليهود أجمعين، وأقول بأن جميعهم إرهابيون؟!».
ارتبك لدى سماعه جوابي، وحاول تفسير وجهة نظره.
أدرت ظهري؛ وقبل أن أبتعد، التفتُ نحوه وقلت: «آسف لا أريد الخوض في نقاش قد ينسيني متعة الرحلة والنشوة التي أعيشها.. ولكني أتمنّى لك سفرة ممتعة برفقة فلسطينيين، كلّ منهم عائد على متن الطائرة ذاتها إلى أرض وطنه، إلى بلاده.. إلى بلاد الحليب والعسل..»!
(حيفا) 

مقالات متعلقة