الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 04 / مايو 05:01

شُرطة اللغة: امتحان اللغة العربية للمعلمين الجدد يثير الكثير من التساؤلات

كل العرب
نُشر: 17/06/10 14:00,  حُتلن: 14:59

- د. محمد امارة :

* هل يعقل أن يكون امتحان اللغة العربية بطاقة دخول للبعض، وبطاقة خروج لآخرين؟

 * كفاءة المعلم العربي في اللغة المعيارية (الفصحى) عالية جدا مهما كان مجال تخصصه

* لا شك أنه امتحان تصنيفي واضح، وهو أسهل أداة تستعملها الوزارة لاختيار المعلمين الجدد
 

أعلنت وزارة التربية والتعليم عن إجراء امتحان لغة عربية بتاريخ 22-06-2010 لكافة المتقدمين بطلب عمل في الوزارة قبل تعيينهم في المدارس العربية، وذلك ابتداء من العام الدراسي المقبل 2010-2011. وكما جاء في بيان وزارة التربية والتعليم فإنّ الهدف هو تعزيز اللغة العربية ورفع مكانتها. فاجأ هذا القرار الكثير من أبناء المجتمع العربي، وخاصة المتقدمين بطلب عمل للسنة الدراسية القادمة، ولاقى هذا القرار الاستهجان والغضب سواء في توقيته، أهدافه، أو ماهيته. كخبير في مجال اللسانيات، وكوني ترأست لجنة منهاج التربية اللغوية العربية في المرحلة الابتدائية، لديّ الكثير من التساؤلات حول مصداقية وأهداف الامتحان.

مركبات التربية اللغوية
ليكن واضحا منذ البداية، أؤيد أن تكون كفاءة المعلم العربي في اللغة المعيارية (الفصحى) عالية جدا مهما كان مجال تخصصه. أدعي أنه ما لم يحدث تغيير جوهري في مركبات التربية اللغوية (المعلم مركب واحد فقط) المختلفة فلن تتغير الصورة بشكل جوهري في جهاز التعليم العربي عما هي عليه اليوم. وأدعي أيضا أنه بتعزيز اللغة العربية وقيامها بالمهام المنوطة بها سوف نعزز التحصيل في المواضيع الأخرى وبناء إنسان قادر على مواجهة حاجاته الأكاديمية والمهنية بشكل أنجع. لكن القيام بالامتحان بهذه السرعة وبهذا الشكل ودون التشاور مع هيئات المجتمع العربي، مع الجامعات، الكليات، أكاديميين ومهنيين لهم باع في هذه المجالات يثير تساؤلات كثيرة ويضع الكثير من علامات السؤال حول مصداقيته وأهدافه.
في هذا السياق، أريد أن أذكر العديد من التساؤلات لتبيان إشكالية الامتحان:
1- ماذا يفحص الامتحان؟ وعن أية كفاءة يتحدثون؟ أهي كفاءة وظائفية أم كفاءة حول اللغة (ميتا-لغوية)؟ إذا كان المقصود قدرة المعلم على استعمال العربية السليمة، فما دخل البلاغة والعديد من الموضوعات النحوية والصرفية (حظيت 35% من العلامة الكلية)؟ للتذكير فقط، فقد هيمنت هذه الموضوعات على التعليم في القرون الوسطى.
2- أيعقل أن يُعطى نفس الامتحان لجميع المتقدمين؟- ألا يوجد فرق بين التخصصات المختلفة؟ هل الكفاءة اللغوية المطلوبة من معلم اللغة العربية هي ذاتها المطلوبة من معلم اللغة الانجليزية وذاتها المطلوبة من معلم الفيزياء؟ وهذا مناف لما تعلمناه من الأبحاث المختلفة في التربية اللغوية.
3- لماذا يُعطى لفئات ولا يعطى لفئات أخرى؟ أهي مسألة هوية (ألا يعطى للدروز والبدو في الجنوب) أم يعتبر نقصا في المعلمين كما جاء في شرح الوزير وموظفيه؟
4- هل يعقل أن يكون امتحان اللغة العربية بطاقة دخول للبعض، وبطاقة خروج لآخرين؟
 
امتحان تصنيفي واضح
كيفما نظرنا إلى الامتحان، لا شك أنه امتحان تصنيفي واضح، وهو أسهل أداة تستعملها الوزارة لاختيار المعلمين الجدد، وتضرب بالمعايير الأخرى أدراج الرياح. لقد أثار هذا القرار حفيظة الكثير من العرب لأنه قرار سياسي بيّن، وهناك الكثير من التساؤلات حول مصداقية القرار كقرار والامتحان كامتحان. إذا كان عقابًا كما يقول البعض. إذا كان التبرير لإجراء الامتحان هو تحسين وتعزيز اللغة العربية، لان النتائج في لغة الأم العربية منخفضة جدا، فحريٌّ بالوزارة أن تقوم بعملية أكثر منهجية لفحص النتائج المتدنية واقتراح حلول أكثر فاعلية، ولا تقوم بدور الشرطي الذي يحرر المخالفات فقط. الامتحانات لا تساعد على إعطاء الحلول، وإنما تأتي لتعكس واقعا معينا. وإذا كان الامتحان "شرًّا لا بدّ منه"، فسيجد المتقدمون للامتحان الحلول إما باللجوء إلى الدروس الخصوصية، وإما أن تقوم المؤسسات بإجراء دورات. وهذا حقيقة ما يحدث على أرض الواقع، بدأت تزدهر صناعة تعليم الدورات حتى في الكليات. بدلا من أن يكون لها دور فاعل مبدئيا وجوهريا من الامتحانات، وما له من تداعيات، انضمت إلى صناعة اللغة العربية "لهبش" ما يمكن "هبشه"، أو ربما ليغطوا على المستوى المتدني للغة العربية الذي تتولى هي مسؤوليته جزئيًّا. ألخص وأقول إنّ هذه مسألة حق، ولكن المراد منها باطل. وستبين لنا الأيام ان الامتحان لم يكن إلا ذرًّا للرماد في العيون لمشكلة أكثر عمقًا وبحاجة إلى جهود جبارة، نوايا صادقة ومهنية لبناء تربية لغوية عربية غنية، ويكون استخدام اللغة العربية الوظيفية أمرًا يمكن تحقيقه.

مقالات متعلقة