الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 01 / مايو 23:02

العالم بعد أسطول الحريّة بقلم:الشيخ حماد أبو دعابس

كل العرب
نُشر: 10/06/10 07:28,  حُتلن: 10:55

 - الشيخ حماد أبو دعابس:

* إسرائيل ظنت طوال الوقت الماضي أنها فوق القوانين الدولية

*إسرائيل سمحت لنفسها أن تهاجم سفينة مرمره التركية في عرض البحر، وفي المياه الدولية

* إسرائيل سترضخ رغم أنفها للإرادة الدولية المتزايدة، وإنها ستخسر دولاً عديدة كان بالإمكان أن تناصرها

* العالم لن يسمح باستمرار منهج البلطجة والقرصنة الإسرائيلية، وأن العالم لن يسكت على استهتار إسرائيل بالقوانين الدولية

اجتمع أحرار العالم من أكثر من خمسين دوله في أسطول الحرية المتوجه نحو غزه لكسر الحصار عنها، وتعرض سلاح البحرية الإسرائيلي لها وبشكل بشع مثّل قرصنة بحرية همجية بكل معنى الكلمة. وبعد هذا المشهد الذي أوقف أنفاس العالم لوقت طويل. لا بد لهذا العالم أن يتغيّر، ولا بد لمفاهيم كثيرة وموازين جديدة أن تأخذ مكانها هي أشبه بنظام عالمي جديد، يصنعه أصحاب الحق وأنصار الحضارة الإنسانية والمدافعون عن حرية الإنسان وكرامته.
إسرائيل ظنت طوال الوقت الماضي أنها فوق القوانين الدولية، وأنها مخوّلة وقادرة على أن تصنع ما تشاء دون أن تخضع لأية مساءلة. وقد تصرَّفت على هذا الأساس، فحاصرت غزه لأربع سنوات ولم تفكر أبدا في كسر هذا الحصار أو إنهائه، مستهترةً بشعب فاق المليون ونصف المليون نسمه، لا تبالي إسرائيل بظروف معيشتهم ولا حرية تحركهم. وإسرائيل سمحت لنفسها أن تهاجم سفينة مرمره التركية في عرض البحر، وفي المياه الدولية، لأنها جزء من أسطول الحرية المتوجه إلى غزه، فقتلت من قتلت بدم بارد، وجرحت من جرحت وصادرت من ممتلكات الركاب وسرقت ما سرقت، بل عاث جنودها فساداً وتخريباً وسرقةً لممتلكاتهم.
ولكن هل تمر هذه المرة مثل كل مرة؟ خصوصاً وأن الاعتداء الإسرائيلي الأخير جاء في حق تركيا. على سفينة تحمل العلم التركي في مياه دولية، ليس لإسرائيل فيها أي أحقية بالتصرف ضدها!

اختلاط الدم التركي بالدم الفلسطيني
عندما سُفك الدم التركي على سفينة الحريّة المتوجهة إلى غزة، فإن الأمر قد أعاد تركيا وبقوة إلى لعب دور كبير ومركزي في القضية الفلسطينية. فتركيا حكمت فلسطين وسائر البلاد العربية حتى الحرب العالمية الأولى عام 1917 م. وبرز من أواخر سلاطينها السلطان عبد الحميد الثاني. هذا السلطان سطَّر تاريخاً مجيداً يتعلق بفلسطين، وذلك حين رفض الرضوخ لإغراءات يهود أوروبا من أجل إعطاءهم حق شراء الأرض في فلسطين، وقال مقولته المشهورة: "لقد خدمت الأمة الإسلامية ثلاثةً وثلاثين عاماً، لم أسوِّد صفحتها في يوم من الأيام، ولان يعمل المبضع في جسدي فيقطعني إرباً إرباً أهون عليَّ من أن أرى فلسطين تقتطع من مملكتي. احفظوا عليكم أموالكم، فإذا ذهب السلطان عبد الحميد فستأخذون فلسطين بالمجًّان". وقد صدق وهذا ما كان. وجريمة إسرائيل بحق السفينة التركية يعيد تركيا إلى دورها المركزي تجاه القضية الفلسطينية، تماماً على ما كانت عليه زمن السلطان عبد الحميد الثاني.
اليوم يقف في مقابل العنجهية والصلف الإسرائيليين، دولة لها حجمها الكبير ووزنها الثقيل في الساحة الإقليمية والدولية. وعلى رأس هذه الدولة الكبرى قيادة صادقة، قوية وحازمة، ممثلةً في رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان، ورئيسها عبد الله غول. والذي يُتوقع من هذه القيادة أنها لن تمرر الجريمة الإسرائيلية بسهولة، وأنها ستقف عند مطالبها العادلة بمحاكمة القادة الإسرائيليين السياسيين والعسكريين المسئولين عن هذه الجريمة. وأنها ستقرن تطبيع العلاقات بين البلدين برفع الحصار عن قطاع غزة. فعندما تتلكأ مصر العروبة وسعودية الإسلام عن أداء دورها في الدفاع عن الفلسطينيين، فإنهما بذلك يخليان الدور لكل ذي همةٍ وغيرةٍ من دول الجوار الإسلامية مثل إيران وتركيا. وها هما يدخلان على الخط الفلسطيني بكل قوة، فلا يلومَنَّ العرب تركيا بل عليهم أن يلوموا أنفسهم، وتخاذلهم وضعفهم.

فكيف لو قطعت تركيا علاقاتها بإسرائيل؟
تركيا تحاول منذ عقود كثيرة الانضمام للاتحاد الأوروبي، وأوروبا تماطل، وتعقد المسألة وتشترط شروطاً لا نهاية لها. ويبدو أن تركيا منذ زمن تتوجه في نفس الوقت إلى الشرق لتبني تحالفات بديلة مع العالم الإسلامي، فلقاء أردوغان مع الأسد، وزيارته إلى البرازيل ومن قبلها إيران والعراق ومصر والسعودية، ومؤتمر اسطنبول الأخير تشير كلها إلى بدائل أخرى تفكر فيها تركيا بجديَّة، فإذا خرجت لحيِّز التنفيذ فإنها ستحدث تغييرات إستراتيجية بارزة في موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط، وستتغيَّر بناءاً عليه كثير من قوانين اللعبة السياسية والعسكرية والدبلوماسية. أما إذا قطعت تركيا علاقاتها البتَّة مع إسرائيل، فإن الأمر يعرض إسرائيل لانتكاسة سياسية، عسكرية، اقتصادية ودبلوماسية هائلة. فكل خطوط الطيران الإسرائيلية إلى الشرق تقريباً، تمر من سماء تركيا، كما أن تصنيعاً عسكرياً هائلاً وعلاقات اقتصادية كبيرة ستتأثر إسرائيل بتوقُّفها مع قطع مثل هذه العلاقات.
إن تحققت مثل هذه السيناريوهات المحتملة، فإن هذا سيؤدي إلى ضرب العنجهيَّة الإسرائيلية في الصميم. فإن كان في القيادة الإسرائيلية بقية من عقل ومنطق، فإنها ستدرك أن العالم قد تغيَّر، وأن هذا العالم لن يسمح باستمرار منهج البلطجة والقرصنة الإسرائيلية، وأن العالم لن يسكت على استهتار إسرائيل بالقوانين الدولية، وتعاملها كدولة فوق القانون الدولي. وإن كنت حقيقةً أشك بوجود هذا المنطق أو العقل لدى القيادة الإسرائيلية. ولكن على جميع الأحوال فإن إسرائيل سترضخ رغم أنفها للإرادة الدولية المتزايدة، وإنها ستخسر دولاً عديدة كان بالإمكان أن تناصرها، وستبقى في القريب في عزلة سياسية عن العالم إلا عن أمريكا.
ويبدو لي أن تركيا قد درست الأمر جيداً، قبل تسييرها لأسطول الحريَّة. وإن أوراقها الدولية في أقوى ما يمكن أن تكون عليه. فهي اليوم عضو في مجلس الأمن الدولي الذي ترأسه لهذه الفترة لبنان، البلد العربي المقاوم. ولا بد من استثمار هذه المرحلة لاستصدار الأوامر الدولية المناسبة، ولإقامة المحاكمات الدولية المطلوبة لقادة إسرائيل العسكرية والسياسية الذين ينبغي أن يدفعوا ثمن حماقاتهم وتصرفاتهم الخارجة عن كل منطق وقانون وعرف شرعيٍ ودوليٍ وإنسانيٍ. ونحن من جملة من يترقب النتائج الإيجابية لما بعد أسطول الحرية:
أولها – فك الحصار نهائياً عن غزه.
ثانيا – محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين على ما اقترفوه من جريمة بحق الأسطول.
ثالثها – إيجاد آلية الردع لإسرائيل التي تمنع الكثير من الجرائم المستقبلية بحق أمم الأرض وشعوبها.
والله غالب على أمره..
 

مقالات متعلقة