الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 05 / مايو 21:02

عن الشاعر مروان مخول - بقلم: الشاعر راضي عبد الجواد

كل العرب
نُشر: 08/05/10 13:50,  حُتلن: 20:13

- الشاعر راضي عبد الجواد:

* أخافني العنوان، لكنه لم يخفني أكثر مما أخافتني القصيدة ذاتها

* إذا كان الشاعر مخول لا يريد أن يلتفت لا للشرق ولا للغرب فإلى أين يريد أن يلتفت؟

ألقى المهندس مروان مخول في مهرجان العودة الى مسكة المهجرة قصيدة بعنوان "نشيد الحذاء الوطني"، والتي وزعت كمنشورٍ في ذات اليوم برعاية "جمعية الدفاع عن حقوق المهجَّرين"! وكانت القصيدة ذاتها نشرت في صحيفة "كل العرب".
أرهبني مضمون القصيدة وأصابني برعبٍ لا يغتفر. ففي مطلع القصيدة يرشق مروان الأمة العربية بتقذيع لاذع منفِّر، لا يمكن أن يصدر خاصة عن "شاعر" وبالذات من يدعي تسلحه باللغة العربية كسلاح وجدانه المعرفي فهو يقول :
"قد جرّبتُ أهل الضّاد في الماضي بلا جدوى"
أخافني العنوان، لكنه لم يخفني أكثر مما أخافتني القصيدة ذاتها0 فأن يقترن النشيد الوطني بالحذاء شيئ مرعب بحدّ ذاته، ولكن تفضيل الحذاء على أهل الضّاد، أبناء جلدتنا ففيه تجنٍّ لا يغتفر وخصوصاً إذا جاء في مناسبة كمناسبة إحياء ذكرى نكبة فلسطين التي يفترض بها أن تبرز الوجه الأكثر إشراقاً لشعبنا الفلسطيني وأن تكون مُجمِّعة لكل الطاقات التي تدعم قضيتنا وفي مقدمتها جماهير الأمة العربية المغلوبة على أمرها والمنكوبة قبلنا بحُكّام مأجورين ومجمّعة لكل من يصطفّ إلى جانب قضيتنا الوطنية من الحركات الثورية العالمية، بل وحتى الأنظمة التي تبدي التعاطف الفعلي مع قضيتنا، وفي هذا الإطار كان تفهّمنا، بل ورضانا من رفع علم تركيا في المسيرة.

المرور مرور الكرام

كان من الممكن لهذه القصيدة أن تمرّ مرور الكرام لو قرأتها في مواقع الإنترنت غير المتخصصة أو غير الملتزمة أو في صفحة جريدة غير أدبية، أما أن يكون حذاء الشاعر، أو حتى حذاء كل الشعب الفلسطيني نشيداً لشعبنا وأن تُقرأ هذه القصيدة في ذكرى النكبة فذلك هو التحقير بعينه، لا لأهل الضّاد وحدهم، بصفة عامة، وإنما لأهل فلسطين بصفة خاصّة.
كائنة ما تكون الأسباب التي دعت جمعية الدفاع عن حقوق المهجّرين إلى السماح لهذه القصيدة بأن تكون نشيد النكبة، فإن الجمعية بذلك وعن دون قصدٍ بالتأكيد تكون قد أجحفت إجحافاً كبيراً بقضية المهجّرين والنكبة0 ونحن لا يمكننا إلاّ أن نشهد بأن هذا الخطأ- إن لم نقل الخطيئة- لم يكن مقصوداً ولكن كما يقولون فإن الطريق إلى جهنّم مُبَلَّطة بالنوايا الحسنة. فأيّ جهنّم تنتظرنا بعد وصولنا إلى هذا المستوى من التحقير والتنفير للحلفاء الطبيعيين!

لنتمعَّنَ جيداً وعن كثب قول الشاعر مروان مخول:
"قد جرّبتُ أهل الضّاد في الماضي بلا جدوى"
فمن هم أهل الضّاد غير أبناء أمتنا العربية؟ إن الادّعاء بأن الشاعر قصد بهذا الحكام العرب لا يقارب الحقيقة في شيئ0 شتّان بين قول مظفّرالنواب في قصيدة "القدس عروس عروبتم" :
"أولاد القح 0000 لا أستثني منكم أحداً"
وبين تعبير أهل الضّاد الذي يشير إلى كل العرب. بل لعله من العدل أن نخرج حكام العرب من أهل الضّاد لأنهم لم يكونوا يوماً محسوبين على الأمة العربية منذ أن باعوا مصالحها واشتروا بها رضا الأعداء. إن استهداف الأنظمة العربية شيئ والنأي عن الأمة العربية شيئ آخر.
إذا كان الشاعر مخول لا يريد أن يلتفت لا للشرق ولا للغرب فإلى أين يريد أن يلتفت؟ جميل أن يمحور الشاعر طرف االنضال المركزي في الصراع في أصحاب القضية، تصديقاً للمثل القائل " ما حكّ جلدَك غير ظفرك"، عندما قال:
"فلا يُجديك إلا أنت، لا بَدَلك"، ولكن الالتفات إلى الذات وحدها يعزلنا عن القوى الثورية العالمية المؤثرة بالضرورة في كفاحنا المرير ويتركنا فريسة لأعدائنا الذين يجنّدون القوى في كل مكان ضدنا.

نواحي فكرية... وفنية...
هذا من الناحية الفكرية، أما من الناحية الفنية البحتة فقد كان ينبغي أن تراجع القصيدة لغوياً وفنّياً من قبل مختصّين. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، هناك أخطاء لغوية في القصيدة. ففي قوله:
"وما الجدوى من الماضي سوى درسٍ
يُعيدُ لي صوابي من جديد، فاغرٍ
فمّ الأمام؟
المفترض أن تكون كلمة "فاغر" حالا. والحال هنا يجب أن يكون منصوباً أو في محل نصب.
أما كلمة "فمّ" فليست من العربية الفصحى في شيئ، فالصحيح أن يُقال "فَمَ الأمام". وكذلك كلمة "التعبان" بدلاً من" المتعب" أو "التّعِب".
أما بالنسبة لقوله:
"ها لنا غدٌ أمامَ أمسٍ مفعمٍ بالشمسِ"،
فما هو المُفعمُ بالشمس؟ الغد أم الأمس؟ إن كان يقصد الغد- وهذا صحيح من ناحية المعنى، فلمَ لم يرفع النّعت "مفعم"؟ وأن كان يقصد الأمس فقد أضرّ بالمعنى.
أما في قوله:
"بعد أن يفنى بكاءٌ
صار جزءً من تراث الناي في أعراسنا"
ففيه خطأ إملائي، إذ ينبغي أن تكتب الكلمة هكذا "جزءاً".
أما قوله:
"عكا كيافا، أو كحيفا، أختُها"
فالأصل أن تكون "أختها" مجرورة لأنها بدل لاسم مجرور.
أما قوله:
" غدي هنا، لا في مكانٍ آخرٍ"
فالصحيح أن تمنع كلمة "آخر" من الصرف، وهذا ما لم يفعله الشاعر.

وأما من الناحية الفنية، فقول الشاعر:
رقصي أمل/ صمتي أمل/ أمّي أمل/ ابني أمل/ غربي أمل/ شرقي أمل/ فوقي أمل/تحتي أمل/ كلّي أمل"، ففيه تكرار ممل لا يضيف إلى المعنى الذي يريده الشاعر أي جديد. لقد قالوا عن الكلام بصورةعامة: " خير الكلام ما قلّ ودلَّ"، فما رأيكم بالشعر الذي يفترض به الإيجاز وتكثيف الكلمات والاقتصاد في توظيفها على نحو أوسع مما يجوز في النثر. ولو كان يجوز للشاعر أن يستمرّ في وصف بواعث الأمل عنده والتي قد لا تنتهي على هذا المنوال لأضاف "أُختي أمل/ عمّي أمل/ جدّي أمل/ جاري أمل/ ...  أمل، وكل ما يتخيله الشاعر ونسجم مع التفعيلة أمل. هل قصد الشاعر بقوله "غربي أمل/ شرقي أمل" جهتين من الجهات الأربع؟ أم قصد الشرق بأممه والغرب بأممه؟ إن كان يقصد اثنتين من الجهات الأربع، فهذا يدخل في نطاق الحشو الممل بدلاً من التكثيف والاقتصاد. وإن كان يقصد الأمم في الغرب والشرق فهذا مناقض لعدم التفاته في البداية لا للشرق ولا للغرب وفي كل من الحالتين مأزق، إما فنّي أو معنوي فكري.
لقد ذكّرتني قصيده وبخاصة تسعة الأبيات الأخيرة المؤلفة من ثمانية عشر كلمة تسعة منا كلمة أمل بفكاهة ظريفة للفنان الكبير دريد لحام عندما سمع يوماً شخصاً يقول بالعامية :
"أنا وْحبيبتي في المَيْ
قُدّامْنا مَي
وورانا مَي
من فوقْنا مَي
تَحتينا مَي
عَ يمينّا مَي
عً شْمالنا مَي"
فقال له دريد:
"شو هَيدا بيت شِعِر؟"
فقال له الشخص:
"لأ، هَيدا بيت مَي".

مقالات متعلقة