الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 03 / مايو 10:02

معمرة فلسطينية تحفظ تفاصيل التاريخ منذ الأتراك حفرت قبرها وجهزت كفنها

كل العرب
نُشر: 10/05/10 14:26,  حُتلن: 13:38

* الحاجة علمية حلوين حمودة :

- المرأة عنوانها بيتها وليس الوظيفة في الحكومة أو المصانع

- من الصعب الشعور أن كل من في جيلك وأصغر منك قد غادروا الدنيا، وأنت ما زالت تتنفس فيها

- فترة الحكم الإنجليزي كانت الأفضل التي مرت علينا طوال حياتي، فكل ما يحتاجه الإنسان كان متوفر من الطعام والعلاج والهدوء

-كنت أولد النساء قبل دخول اليهود بفترة طويلة، وعندما دخل اليهود أصبحت هذه مهنتي الأساسية بعد أن وفروا لي خاتم رسمي يتم التعامل معه في كافة المؤسسات الحكومية

القدس -  على وجهها رسم التاريخ علاماته البارزة، وعلى لسانها تسير الكلمات كما لو كانت شريطاً مسجلاً، تتنقل بالسامعين من حقبة تاريخية إلى أخرى، تحفظ تفاصيلها عن ظهر قلب، كثيرة الدعابة ومبتسمة كما لو كانت في مقتبل العمر، لكن الغريب أنها جهزت قبرها منذ عشرات السنين وتحتفظ بكفنها على سرير نومها، أملاً في لقاء ربها الذي لم يشأ ذلك بعد.
إنها الحاجة علمية حلوين حمودة التي دخلت في العقد الثاني بعد المائة من عمرها، والتي التقتها في بلدة جباليا شمال قطاع غزة، حيث منزلها القديم المبني من الطوب الصخري، الذي عادة ما يتردد عليه الأبناء والأحفاد بشكل يومي، آملاً في سماع قصة مسلية أو تجربة حياة تحمل في طياتها عبر كثيرة لا يمكن قراءتها في كتاب أو مشاهدتها في قناة تلفزيونية.

مرحلة الحكم التركي لفلسطين كانت مرحلة عصيبة وصعبة
الحاجة علمية تروي كيف استقبلت والدها الجندي في الجيش التركي بعد الهزيمة، وقد بدا عليه الإعياء والتعب الشديدين من قلة المؤنة وطول الطريق. وقالت: "كنا في منطقة بئر السبع عندما عاد إلينا والدي بعد انتهاء الحرب، وعندما سألناه ما الذي حدث؟ أجاب: كل شيء انتهي والحمد الله أنني بينكم". وأضافت: "مرحلة الحكم التركي لفلسطين كانت مرحلة عصيبة وصعبة، وكنا نعيش فيها في فقر مدقع وجوع مستمر، فالطعام والشراب كان من الأمور التي لا نستطيع الحصول عليه إلا بشق الأنفس". وتتابع: "كنا نتنقل على الحمير والجمال، ولم يكن هناك سيارات ولا دبابات مثل الإنجليز".
ولم تحظ المعمرة الفلسطينية بنصيبها من التعليم، فلم يكن في كل المنطقة التي نشأت فيها أي مدرسة، لكنها تعلمت حفظ القرآن الكريم وتستطيع تلاوة ما حفظت منه بسهولة.
وتعتبر الحاجة علمية أن فترة الحكم الإنجليزي كانت الأفضل التي مرت عليها طوال حياتها، فكل ما يحتاجه الإنسان كان متوفر من الطعام والعلاج والهدوء، بعيداً عن الاحتلال والسياسة التي لم تكن تفهم فيها كثيراً، على حد قولها.
وقالت: "مضت فترة الإنجليز جيدة، إلى حين أن قاموا بتسليم فلسطين لليهود، وعندها كانت القنابل تنزل فوق رؤوسنا من كل اتجاه، ولم نعرف أين يمكن لنا الهروب". وأضافت وهي تحاول التأكد من أن كفنها لم يعبث فيه أحد من الحاضرين: "الشعب الفلسطيني ظل دائماً يعاني منذ أن كنت صغيرة وحتى الآن، ولا أعرف لماذا كل هذه المشقة".
تنتقل بنا الحاجة علمية إلى الحديث عن مهنتها التي تعتز بها وهي "القبالة" أو ما يعرف محلياً بـ"الداية"، والتي منعها الإنجليز من ممارستها لفترة محدودة، وهددوها بالحبس لمدة ستة أشهر إن هي استمرت في توليد النساء، لكنها قالت للجندي البريطاني: "هل أترك امرأة تصرخ والدم يسل منها ولا أساعدها؟ عندها ابتسم الجندي الإنجليزي وسمح لي بالعودة إلى مهنتي من جديد".
وعلى يديها – كما تقول – ولد المئات من الفلسطينيين، الذين يترددون عليها بين الفينة والأخرى ليقدموا لها الهدايا ويستذكروا قصة ولادتهم. وقالت: "كنت أولد النساء قبل دخول اليهود بفترة طويلة، وعندما دخل اليهود أصبحت هذه مهنتي الأساسية بعد أن وفروا لي خاتم رسمي يتم التعامل معه في كافة المؤسسات الحكومية".
وتحتفظ المعمرة الفلسطينية بنماذج من أختامها التي أخذت تتطور في شكلها من الخاتم الخشبي إلى البلاستيكي إلى الآلي، والذي استخدمته قبل أقل من شهرين عندما استنجد بها أحد الجيران لتوليد زوجته. وقالت: "خلال الحرب الأخيرة ساعدت العديد من النساء في الولادة أنا وزوجة ابني التي أخذت المهنة عني". وأضافت: "حاولت تعليمها لواحدة من بناتي لكنهن رفضن، ووجدت القبول عند زوجة أحد أبنائي".


62 عاما على النكبة

المرأة عنوانها بيتها وليس الوظيفة في الحكومة أو المصانع
لكن الحاجة علمية تعارض تماماً عمل المرأة مهما كانت الظروف، إلا في مهنة "الداية" التي تعتبرها من صميم دور المرأة. وقالت: "عندما جاءت الوظيفة لأحد بناتي قلت لها: لو كلنا بدنا نموت والله ما بتشتغلي". وأضافت: "المرأة عنوانها بيتها وليس الوظيفة في الحكومة أو المصانع".
وأكثر ما يؤلم الحاجة علمية أنها عاشت لتشهد وفاة 5 من أبنائها التسعة، والتي كان آخرها وفاة ابنتها الكبرى يسرى قبل 3 سنوات عن عمر ناهز 90 عاماً، مشيرة إلى أنه من الصعب الشعور أن كل من في جيلك وأصغر منك قد غادروا الدنيا، وأنت ما زالت تتنفس فيها من دون رفيق أو صديق خصوصاً وأن زوجها توفي قبل 40 عاماً.
يتدخل أبنها الحاج صالح (78 عاماً) ليداعبها قائلاً: "يا حاجة أنا ما زلت على قيد الحياة وأنا إلى جانبك، أم أنك تعتقدين أنني ما زلت صغيراً". ويقترب الولد الكبير الصغير من أمه لتضرب وجهه بكفها النحيل، فيبتسم الجميع من دون أن تغير هي تفاصيل وجهها الحزين.
وتواظب الحاجة علمية على أداء الصلوات في مواعيدها، كما أن ذكر الله عز وجل لا يغادر لسانها، وهي حجت إلى بيت الله الحرام 4 مرات كلها قبل أكثر من 35 عاماً، وتقضي جل وقتها إما في الصلاة أو التسبيح والاستغفار، حتى في الليل الذي لا تنام فيه أكثر من 3 ساعات.

لم يعد لي في الدنيا شيء
شيئاً فشيئاً أخذتنا الحاجة علمية إلى الموت بعد أن كان وجهها وضاء كالورد، لتدعو الله العلي القدير أن يتفقدها برحمته قريباً، فكما تقول: "لم يعد لي في الدنيا شيء وكل ما في خاطري فعلته، ولا أتمنى الآن سوى لقاء ربي وهو راض عني وأنا في كامل صحتي كما تشاهدون".
وتقف الحاجة لتصطحبنا إلى خارج المنزل، لتثبت لكل الحضور أنها ما زالت بصحة جيدة، وأنها لن تلجأ إلى طبيب، بل ستظل تعتمد على أكل ما تحب من دون خوف أو وجل، لتنتهي بنا الزيارة ونحن في شوق إلى جلسة أخرى علنا نقطف من بستان "علمية" أكثر من زهرة.

مقالات متعلقة

14º
سماء صافية
11:00 AM
14º
سماء صافية
02:00 PM
13º
سماء صافية
05:00 PM
9º
سماء صافية
08:00 PM
9º
سماء صافية
11:00 PM
06:12 AM
05:31 PM
2.78 km/h

حالة الطقس لمدة اسبوع في الناصرة

14º
الأحد
16º
الاثنين
15º
الثلاثاء
14º
الأربعاء
17º
الخميس
16º
الجمعة
16º
السبت
3.72
USD
4.00
EUR
4.67
GBP
221457.11
BTC
0.51
CNY