الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 02 / مايو 19:01

الباطل لا يتغير ، فلماذا لا يتغير أهل الحق ؟؟!!...بقلم: إبراهيم صرصور

كل العرب
نُشر: 08/05/10 07:12,  حُتلن: 07:42

* إذا كانت أمريكا وإسرائيل لم تتغيرا في سياساتهما تجاه العرب عموما والقضية الفلسطينية  فلماذا لا يستخلص العرب والمسلمون والفلسطينيون العبر؟

المفاوضات مع إسرائيل نعم أو لا ، والكثير من الكلام والتحليلات التي قيلت فيها ، والكتابات التي نشرت حولها ، ذكرتني بلقاء تم بيننا وبين السيد سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني الفلسطيني في مكتبه بالعاصمة عمان في وقت سابق ، تم فيه وضع تقييم للأسباب التي أدت إلى انتفاضة الأقصى ، والتي كان الزيارة العدائية لأريئيل شارون حينها للحرم القدسي الشريف ( القشة التي كسرت ظهر البعير ) كما يقال في أمثلتنا العامية ، ولم تكن أبدا السبب المباشر لاندلاعها ... فشل مفاوضات ( كامب ديفيد 2 ) ، حالة الإحباط التي اجتاحت الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده وخصوصا في الضفة والقطاع والقدس الشرقية وداخل الخط الأخضر ، انسداد أفق الأمل في حل قريب ، وتشديد قبضة الاحتلال على الشأن الفلسطيني إنسانا وأرضا ومقدسات ومقدرات ، كلها أسباب أدت إلى انفجار حالة من الغضب كان هدفها لفت نظر العالم ، أكثر من تحقيق انتصار استراتيجي على إسرائيل ، لعل هذا العالم يتحرك انتصارا للشرعية الدولية وللقرارات الأممية إن لم يكن للدماء التي تنزف والأرواح التي تُزْهَق والوجود الذي يُسْحَق ... فهل نحن اليوم بعد عشر سنوات تقريبا من بداية الانتفاضة في وضع أفضل مما كنا عليه ، إسرائيليا ، فلسطينيا وعربيا ، ودوليا ؟؟!! ... وهل يبشر التحرك السياسي الجديد بفرصة تضع القضية الفلسطينية على طريق الحل النهائي ؟؟!! ...

 وجدت في ما كشف عنه السيد الزعنون من خفايا المفاوضات التي جرت في ( كامب ديفيد ) حينها بين الجانب الفلسطيني برئاسة عرفات رحمه الله ، وباراك ، وبرعاية كلينتون ، ما يفسر حركة التاريخ التي لا تتغير خاصة ما يتعلق منها في سلوك الباطل وأهله ، فهو واحد وإن تغيرت أشكاله وصوره ... الباطل القوي غاشم في تصرفه ، ظالم في قراراته ، أنانيٌّ في رؤيته للحلول ، لا مكان للأخلاق والقيم في حساباته ... أما الحق الضعيف عُدّةً وعتادا ، فهو كالريشة تتقاذفها رياح الباطل في كل اتجاه ، فلا تقوى على الثبات في وجه العواصف الهوجاء والضغوطات النفسية إلا نادرا ... هذا هو حال الباطل الأمريكو – إسرائيلي ، والحق الفلسطيني – العربي بلا خلاف ... فإن كان الباطل وأهله لا يتغيرون ، فلماذا لا يتغير أهل الحق حتى يقلبوا الطاولة في وجه الباطل ، ويبداوا مشوار التغيير المنشود حتى لو احتاج الأمر إلى ألف عام ... فالحق يبقى هو الحق لو لم يحظ بدعم أحد من العالمين ، والباطل يبقى باطلا حتى لو حظي بدعم الناس أجمعين ... احتلال إسرائيل باطل مهما أرغى وأزبد ، ومهما بغى وطغى وتجبر ، والحرية الفلسطينية حق مهما عَدَتْ عليها العاديات ... هذا ما يجب أن نذكره دائما ، لأنه الذي يزودنا بعد الله سبحانه بطاقة الصبر وعدم الاستعجال والوقوف على الثوابت مهما كلفنا ذلك من ثمن ...

 رأيت من المناسب استدعاء تفاصيل شهادة السيد الزعنون هنا كما سمعتها منه مباشرة ، وإسقاطها على واقعنا الحالي ، لعلنا نمسك بعنان الصورة على حقيقتها ، ومنها إلى ما يجب أو لا يجب أن يكون فيما يُزْعَمُ من مفاوضات غير مباشرة توشك أن تبدأ في الأيام القليلة القادمة ... وصف السيد الزعنون ما جرى في كامب ديفيد بأنه ( تهديدي من الدرجة الأولى ، إذ قال " كلينتون " لعرفات : من لك من بعدي ؟ فالكونغرس سيمنع عنك المساعدات ، وسيعيدك إلى قائمة الإرهاب ، ولن تتمكن من مقابلة الرئيس المقبل لأمريكا ، إضافة إلى فجاجة مدير ال- C.I.A. حينها " جورج تينيت " والذي قال لعرفات : يبدو انك لا تعرف الظروف التي تتغير فيها الحدود والشعوب . أجاب الرئيس عرفات – رحمه الله – موجها حديثه لكلينتون : يا سيادة الرئيس ، يبدو أن في وفدك من يرغب في السير في جنازتي !!! ) ... وأضاف السيد الزعنون إن من أخطر ما قاله كلينتون لعرفات بأن ( بارك فقد شعبيته سواء في حزبه أو داخل إسرائيل ، وبات يفكر بجدية في الدعوة لإقامة حكومة وحدة وطنية مع الليكود / أريئيل شارون ، إذا ما فشلت العملية السلمية ، أما إذا جاء شارون فسيكون البولدوزر الذي سيعلن الحرب عليك ، وسيخلق قضية لاجئين جديدة ، يعني يضعون لكم على حدود كل دولة عربية مائة ألف لاجئ ، بحيث يصبح لكم خمسمائة ألف لاجئ جديد ومخيمات جديدة !!! ) ...

 من أجل تحقيق أهدافه في ( إرغام !!! ) عرفات بالقبول بأي شيء تقدمه إسرائيل ، مزج كلينتون بين أسلوبي العصا / الترهيب التي استعملها في لقاءاته وليس مفاوضاته مع الجانب الفلسطيني ، وبين أسلوب الجزرة / الترغيب ، مقترحا على عرفات رحمه الله استعداده لإقامة صندوق لدعم اللاجئين بثلاثين مليار دولار لحل مشاكلهم وضمان توطينهم حيث هم ... لقد كان جواب الراحل عرفات مؤدبا إلا أنه كان حاسما ، فقال لكلينتون : ( إن وفدك المشرف على المفاوضات والذي قدم لك هذا المشروع على أنه أمريكي الأصل والفصل ، إنما يريدون تخريب علاقتك مع عشرة ملايين مسلم في أمريكا ، ومليار مسلم في العالم ، لذلك أنصحوا الإسرائيليين ألا يضيعوا هذه الفرصة . ) ...

إن الذي ذكرني بهذا الحديث ، هو ما يجري منذ تلك الفترة وحتى اليوم على الأرض الفلسطينية من أحداث تعتبر وبامتياز تنفيذا أمينا ودقيقا لتلك التهديدات التي أطلقها كلينتون الذي يعتبر أوباما الحالي الصورة المستنسخة منه ، والتي شكلت الأساس التي ارتكزت عليه سياسة الرئيس الأسبق بوش الابن ، وكذلك الرئيس الحالي أوباما ، وإن اختلفت في بعض التفاصيل التجميلية ... لقد حدد الرئيس أوباما مع بداية عهده الخطوط العريضة لسياساته وخصوصا المتعلقة بالمسلمين وبالقضية الفلسطينية والصراع العربي – الفلسطيني – الإسرائيلي ... لقد كان واضحا تمام الوضوح ، وجريئا بطريقة غير مسبوقة ، بشرت خطواته وتوجهاته ببداية عهد جديد ينهي وإلى الأبد مخلفات عهد بوش السوداء ... لقد علقنا آمالا كبيرة على اوباما وبحق ، لأننا معنيون وبصدق وإخلاص ليسا متوفرين عند غيرنا ، بحل عادل للقضية الفلسطينية يضع حدا لمعانة متدحرجة على امتداد مائة عام ... رأينا في ألرئيس الأمريكي الأسود الجديد الأقرب إلى عالمنا وأحلامنا ، والأقدر على تفهم آلامنا ومعاناتنا ، والأصلب – هكذا تمنينا - في مواجهة التمرد الإسرائيلي المنهجي على الشرعية الدولية وقراراتها ... لم يطل الوقت كما رأينا ، وبدا الانسحاب الأمريكي أمام العناد الإسرائيلي عند أول منعطف ، وسقطت الإدارة الأمريكية الجديدة عند أول امتحان ... وبدأت ( المياه القذرة ) تعود إلى مجاريها : الاستسلام للإرادة الإسرائيلية حتى وإن كانت مخالفة لكل قوانين العالم لأنها الأقوى عسكريا وسياسيا ، ولأن اليهود هم الأعمق نفوذا في أمريكا والغرب ، والعودة إلى الضغط على الجانب الفلسطيني للقبول بأي عرض من أجل الإيهام بأن شيئا ما يتحرك ... الأدوات هي نفسها ، والأهداف هي نفسها ... لا شيء جديد تحت شمس أمريكا والغرب ... الغرب هو الغرب ، والشرق هو الشرق ...

إذا كانت أمريكا وإسرائيل لم تتغيرا في سياساتهما تجاه العرب عموما والقضية الفلسطينية خصوصا والتي ترتكز على العداء الذي لا يهدأ ، والحقد الذي لا ينطفئ ، والإمعان في ارتكاب أفظع الجرائم ضد العرب والمسلمين والفلسطينيين ، فلماذا لا يستخلص العرب والمسلمون والفلسطينيون العبر والدروس من هذه التجربة الطويلة ، ولماذا نستمر في دفن الرؤوس في الرمال ، ولماذا الإصرار على الاستمرار في طريق لن ينتهي إلا بمزيد من المآسي والمصائب ، ولن يعود على فلسطين إلا بمزيد من الويلات والخسائر ، ولماذا هذا العجز في البحث الخلاق عن البدائل الكفيلة بنقل الأمة إلى وضع آخر يليق بمكانتها وتاريخها ودينها وحضارتها ؟؟!!!. 
 

مقالات متعلقة