الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 28 / أبريل 12:01

التناقض الثانوي لا يعني انه مش مهم- بقلم: خالد بركات

كل العرب
نُشر: 26/04/10 08:36,  حُتلن: 14:34

* خلافاتنا تعكس حدة التناقض ووتيرة الصراع السياسي بين فريقين متعارضين في المشهد الفلسطيني

* صراع بين معسكر التسوية مع دولة الاحتلال، على حساب الحقوق الوطنيه، وهذا معسكر يضم معشر الوهم والسراب والهزيمة

* كيف نقوم باضعاف سطوة وحدة التناقض الداخلي المفتعل احيانا ، وكسر نبرته المدعاة بين الفرقاء . كيف نعزز العلاقات الوطنيه الفلسطينية في ميادين العمل والنضال؟

لا شيء يشبه خلافاتنا الفلسطينية الداخلية . انها خلافات حقيقية وقديمة. تتغير فيها الاسماء والرموز لكنها تبقى. يبقى جوهرها. ذلك لان خلافاتنا تعكس حدة التناقض ووتيرة الصراع السياسي بين فريقين متعارضين في المشهد الفلسطيني ولم يلتقيا الا لماما وفي زمن الثورة ، اما في زمن السلطة ، فالعلاقات تتغير والمصالح كذلك. وكان الدكتور الراحل جورج حبش يقول للمرحوم ياسر عرفات ايام بيروت : الحمد لله انه لا يوجد لديك سجون يا اخ ابو عمار..وحين صارت الثورة الفلسطينية سلطة امنيه لدى الاحتلال ولها سجونها ومخابراتها واجهزتها الخاصة تغيرت الدنيا وصار يمكن جدا للفلسطيني " الامني " ان يحيك مؤامراته الصغيرة ويعتقل الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

صراع بين معسكر التسوية مع دولة الاحتلال، على حساب الحقوق الوطنيه، وهذا معسكر يضم معشر الوهم والسراب والهزيمة، في مواجهة معسكر اخر وبديل وهو معسكر الناس ، معكسر المقاومة والثقة بقدرة الشعب على التغيير والنصر .

لاحظوا كيف تتنفض القوى والبلدات التي لا سلطة للسلطة عليها، لذلك يدور الحديث هذه الايام عن تسليم مناطق قريبة من القدس ووضعها تحت اشراف سلطة العجز في رام الله. هي ادرى في التعامل مع الفلسطينيين!

خلافاتنا الداخلية تعكس على نحو صارخ كم نحن بشر. وان لدينا طبقات وقوى اجتماعية تتنافر . ولكلا المعسكرين، أصدقاء وحلفاء ونصف حلفاء، وفي كلاهما تتواجد الجغرافيا الفلسطينية والعربية والدولية ، فهذا " الخلاف الفلسطيني الداخلي ليس داخلي تماما !

هو من النوع الذي لا يمكن حسمه ، لا بالقوة المسلحة ولا بالعضلات والسجون وصناعة الفضائح.
ولا بالتمثيل و" بوس اللحى" ! وهو باق بوتائر ومستويات شتى ، حتى بعد زوال دولة الكيان . كما ان التناقض الفلسطيني الداخلي ليس " ثانوي " ، بل هو أساسي جدا. هو ثانوي فقط مقابل التناقض الرئيسي مع العدو الصهيوني. ثانوي بهذا المعنى ، والامر لا يحيل الى استنتاج انه " مش مهم " او " عادي " لان اسمه " ثانوي "!

لماذا هو أساسي ومهم؟
الصراع الفلسطيني الفلسطيني حين يخرج عن اطاره الطبيعي السلمي يتحول الى غول يبلعنا جميعا . انه يعيق عملية المواجهة مع العدو الحقيقي ، يلجم القدرة الفلسطينية الشعبية على اتخاذ المبادرة والدفاع عن النفس. ويعطل قدرة الشعب وبناء مجتمع المقاومة . يقتطع من صمود الجماهير ، ويدفع ثمنه ، في العادة ، ابناء الطبقات الشعبية المطحونة في المنافي وتحت الاحتلال. هو صراع لا يجلب كرامة لاحد. ولا يستشهد فيه احد ، ويلقي بشرائح واسعة من العمال والاطباء والمهنسدين والفنانين والطلبة في دوائر الانعزال والاحباط. كما انه ذريعة وفرصة ذهبية لكل من يبحث عن حجة جاهزة للاستسلام والتطامن والاغتراب.

ولانه مهم جدا، وعلى صلة وثيقة بالتناقض الرئيسي مع المشروع الصهيوني ، فان اطرافه وعقده تتداخل وتتشابك على نحو سريالي وفريد . فهذا الصراع على طريقتنا الفلسطينية الجارية في غزة و رام الله، يوفر الذرائع لجامعة الدول العربية للهروب من مسؤوليتها بحجة واهية تقول " شوف صراع الاخوة الفلسطينيين اللي ما بيوقفش دة " ! لذلك ، كلما سالوا وزير الخارجية المصري عن الموقف ازاء العدوان الصهيوني ، يتنهد الوزير ولا يتحدث عن الموقف والعدوان بل يهرب نحو " صراع الاخوة الفلسطينيين" !

وهذا التنافس بين حركتي فتح وحماس على رضى " المجتمع الدولي " يشوه صورة النضال الوطني الفلسطيني ، ويخربش وعي الانسان العربي ، ويقسم كل شئ ، بما في ذلك حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني! فحتى هذه الاخيرة لم تسلم من صراعنا وصرعاتنا الداخلية.

التقدم الى الامام في مشروع الوحدة الوطنيه يكون ممكنا بخارطة الطريق الفلسطينية والتي تصوغها ارادة وطنيه وجماعية وعقل نقدي ويقظ ، وتحميه قوى شعبية حقيقية ، بديلا عن خارطة الطريق الامريكية والمشبوهة بالضرورة.

كيف نقوم باضعاف سطوة وحدة التناقض الداخلي المفتعل احيانا ، وكسر نبرته المدعاة بين الفرقاء . كيف نعزز العلاقات الوطنيه الفلسطينية في ميادين العمل والنضال ، كيف نختار النزوع نحو التوافق والتضامن الداخلي بدل التناقض الداخلي؟

تلك اسئلة كانت الاجابة عليها سهلة في زمن مضى. قبل قيام سلطة البؤس والعجز، وقبل هذا التناحر الفلسطيني على كعكة مسمومة صنعت لنا في تل ابيب وواشنطن وأوسلو.

مقالات متعلقة