الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 06 / مايو 08:01

عندما بكى جدي بقلم وليد فريج

كل العرب-الناصرة
نُشر: 25/04/10 15:39,  حُتلن: 17:07

وكعادتي وكما افعل كل يوم ذهبت إلى لقاء جدي بعد صلاة العشاء ، هناك حيث كنت استمتع وانأ أنصت لذكريات يرويها لي ، والحسرة تملا عينيه تقدمت بخطى سريعة وانأ أتلهف لسماع المزيد من ذلك التاريخ الحافل بالإحداث ، وما إن دخلت غرفة جدي حتى وجدته واقفا أمام صورة والده وهو يحدثه بصوت مرتفع ، ولأول مرة أرى جدي على هذه الحالة . أنصت إليه لأعرف ما الذي يجري فإذا بت يخاطب والده ، وهو يقول أتذكر أبي تلك الأيام التي كان فيها اعتبار واحترام لشيبة الكبير، ورحمة لضعف الصغير أتذكر أبي تلك الأيام التي كنتم تقولون فيها ( اله مالو كبير مالو تدبير) ، وإذا بجدي ينفجر باكيا فهرعت إليه وأمسكت بيده وان ابكي لبكائه وسألته جدي ما الذي يبكيك ؟ من ذا الذي أغضبك ؟ من هذا الذي جرح مشاعرك ؟ فهز رأسه وجلس على كرسيه المتواضع ، وصمت لبرهة والدموع تملا عينيه فأعدت عليه السؤال جدي لماذا تبكي ، فهز رأسه وتنهد قليلا وقال إيه يجدي ، مرارة وحسرة حرقت قلبي يا ليت مت ولم اشهد هذا اليوم ازداد تلهفي لسماع ما جرى ، فرجوت جدي أن يخبرني بالذي جرى .
 
عند ذلك بدا جدي يسرد علي تفاصيل ما حدث معه : قال يا بني ذهبت إلى صلاة العشاء لأدي فريضة ربي ، وحملت بيدي عكازي ومشيت عبر الأزقة وأمام المقاهي ، وصوت المآذن قد علا معلنا دخول وقت الصلاة وحاولت إن أسرع بخطواتي، فتارة امشي عبر الشارع فيعلو صفير السيارات فانتقل إلى الرصيف ، فأكاد لا أجده وحاولت جاهدا إن أواصل السير ، فاعترضت طريقي سيارة متوقفة فانحرفت عنها قليلا محاولا استخدام الرصيف ، وإذا بمجموعة من الشباب قد اتخذوا من الرصيف مجلسا . جلسوا على كراسي من البلاستك ، ومدوا أرجلهم إلى الأمام شباب لا تتجاوز أعمارهم الخمسة عشر عاما ، ودخان سجائرهم قد ملا المكان وقفت أمامهم علهم يعيروني أي اهتمام ، وقفت وانأ احمل عكازي واتركا عليه علهم يخلون الطريق ، أو على الأقل يبعدون أرجلهم ولو قليلا لكنهم لم يحركوا ساكنا ، والله يا بني تحاملت على نفسي وانأ اخشي من فوات الصلاة فحاولت المرور، واجتياز الطريق فتعثرت وسقطت على الأرض وخيل إلي للحظة أنهم سيسارعون إلى نجدتي ، ولكن كم هالني وراعني وانأ اسمع ضحكاتهم ، واجتهدت حتى أقف على قدمي وقد اسودت الدنيا في وجهي ، وانطلقت لأداء فريضة ربي ، والدموع تنهمر من عيني وهناك سألني الناس عن سبب هذه الدموع فقلت الم في راسي وزكام شديد قد اصابني، وعدت إلى بيتي يا بني ، وصورة ما حصل معي لا تفارق وجهي عند ذلك أمسكت بيدي جدي، واحتضنته وكأنني أريد إن أقدم له الاعتذار إن اخفف ولو قليلا من ألمه . عرفت حينها لم بكى جدي عرفت إن الحياة تغيرت فما عاد لشيء قيمة أو اعتبار تهدمت قلاع القيم على أيدي شباب ليس لهم هم إلا اللهو. عرفت يومها اننا اصبحنا في زمان ما عاد لجدي فيه أي مكان .

مقالات متعلقة