الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 05:02

النكبة في عامها الــ 63، بقلم: البروفيسور محمد أمارة والدكتور عبد الرحمن مرعي

كل العرب
نُشر: 12/04/10 16:30,  حُتلن: 10:08

* الصراع على الأرض هو جوهر القضية الفلسطينية

* السنوات الأخيرة، شهدت تطورات هائلة في أوجه الصراع العربي-الإسرائيلي

* إسرائيل تتحدث عن فصل تام من خلال جدار الفصل العنصري، وإقامة دولة محدودة، وأصبح مطلب الفلسطينيين هو العودة

القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع العربي-الإسرائيلي وقضية العرب الأولى، وقد نشأت القضية الفلسطينية في مطلع القرن العشرين، مع بداية التقسيم الاستعماري للعالمين العربي والإسلامي، ودخول الحركة الصهيونية الحلبة السياسية، والشروع بإقامة دولة يهودية على تراب فلسطين، وبداية الانتداب البريطاني على فلسطين، الذي دعم المشروع الصهيوني بكل الوسائل المتاحة لديه، ابتداءً من وعد بلفور وحتى إقامة الدولة العبرية.
إن الصراع على الأرض هو جوهر القضية الفلسطينية، وإن إقامة كيان يهودي على أنقاض الشعب الفلسطيني، وتشريد أبنائه إلى جميع أصقاع الأرض، يعد جوهر الصراع مع الحركة الصهيونية. وكانت نكبة فلسطين عام 1948 أوج الصراع بين العرب واليهود، إذ شكلت الإشارة الواضحة لفقدان الهيمنة والسيادة العربية على أرض فلسطين، التي لطالما اعتبرت الأرض المقدسة للمسلمين والعرب جميعًا. وأصبحت قضية اللاجئين الفلسطينيين بعد النكبة قضية جوهرية في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي إلى جانب قضية الأرض.
لقد أثّر احتلال الأراضي العربية في أعقاب حرب حزيران 1967، والاحتلال الكامل لبقية أرض فلسطين، على الخطاب العربي والفلسطيني. وبدأت المفردات السياسية في هذا الخطاب تختزل القضية الفلسطينية في العام 1967، أي حلّ القضية الفلسطينية بإقامة الدولة الفلسطينية في حدود الرابع من حزيران فقط. لا شك في أن إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، وتأييد زعماء الدول العربية الحليفة لهذه الدول تتبنى الخطاب الذي ينطلق من العام 1967 مع التأكيد على أن هذا التوجه يغفل ويتناسى أهم قضايا الفلسطينيين، ألا وهي مسألة اللاجئين الفلسطينيين، وحق العودة واحتلال الأراضي العربية.
فقضية حق العودة آخذة بالأفول، ويتم استبدالها بإسقاط حق العودة، وإتباع نهج التوطين، أي تحسين الظروف المعيشية للاجئين في أماكن سكناهم، وإقناعهم بأن حق العودة ما هو إلاّ أضغاث أحلام. يرى القوميون الفلسطينيون أنه تحاك ضدهم مؤامرة من قبل الدول العربية والغربية، وأن لا مفرّ أمام هذا الواقع من مواصلة المقاومة التي شرعوا بها منذ قبل قيام الدولة العبرية وحتى اليوم. هذا الأمر ليس هينًا لأنهم مضطرون ليس لمقاومة إسرائيل فحسب، وإنما لمقاومة المؤيدين لفكرة التوطين.
وتشير اتفاقات أوسلو 1993 وما تلاها من اتفاقيات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، إلى حقبة جديدة من الصراع العربي الإسرائيلي. فالشعارات التي رفعتها منظمة التحرير مثل "التحرير الكامل" و"الكفاح المسلح" انتهت من قاموس منظمة التحرير الفلسطينية، وتم استبدالها بشعارات ومفردات سياسية أخرى، مثل المفاوضات مكان الكفاح، والاستقلال بدل التحرير، وإقامة الدولة مكان عودة اللاجئين. وكان لذلك إسقاطاته على المسألة الأساسية وهي قضية اللاجئين، والتسوية السياسية من إقامة الدولة الفلسطينية، من حدود وسيادة. أما اليوم فترفع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لواء الشعار الذي تخلّت عنه منظمة التحرير، شعار المقاومة، وتجابه حماس ضغوطات هائلة داخليًّا، من قبل حركة فتح، وخارجيًّا من قبل دول العالم، ويتم محاصرتها بغية تغيير موقفها.
أما السنوات الأخيرة، فقد شهدت تطورات هائلة في أوجه الصراع العربي-الإسرائيلي. فها هي الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 تنفجر بقوة وتقوّض اتفاقات أوسلو، وتزعزع الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط برمته. ويرجع سبب هذه التطورات إلى ضعف الأنظمة العربية، التي بدأت تنظر إلى القضية الفلسطينية كقضية محلية تخصّ الشعب الفلسطيني، وليس كقضية قومية إقليمية، ولهذا فقد وقفت جانبًا ترقب الأحداث، وفي أفضل الحالات فقد لجأت إلى شجبها.
لقد أدت الحرب الطاحنة، الدائرة بين الفلسطينيين وإسرائيل، إلى إدخال مفردات جديدة للخطاب السياسي لدى الطرفين، حيث بدأت إسرائيل تتحدث عن فصل تام من خلال جدار الفصل العنصري، وإقامة دولة محدودة، وأصبح مطلب الفلسطينيين هو العودة في الوقت الحاضر إلى الواقع السياسي قبل 28 أيلول 2000. في المقابل طرحت الدول العربية عام 2002 "المبادرة العربية" في ذروة الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل، إلا أن إسرائيل رفضت هذه المبادرة، بسبب البند الذي يتعلق بقضية اللاجئين.
إن الرفض الإسرائيلي لم يأتِ من فراغ، فتغير السياسة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر 2000، ومحاصرة الأنظمة العربية، التي اتهمتها الولايات المتحدة بالتلميح أو التصريح، بأنها مسئولة عن الإرهاب الإسلامي، أعطى إسرائيل القوة في فرض مواقفها في المنطقة.
أضف إلى ذلك، الاحتراب الداخلي بين حماس وفتح، الذي مزق المجتمع الفلسطيني بعد أن مزقه الاحتلال الإسرائيلي، وخلق على الأرض كيانين فلسطينيين، مما زاد الطين بلةً في تعقيد القضية الفلسطينية. أما العدوان على لبنان سنة 2006 فقد قلب معادلات القوة في الصراع. ولم تعد قوة الردع الإسرائيلية كما كانت عليه، حيث أصابها الاستنزاف والتصدع والهوان. وكانت أطراف عربية، ولأول مرة في تاريخ هذا الصراع، تقف علانيةً ضد طرف عربي، أي حزب الله، عندما رُبط الأخير بإيران وبالصراع المستعر بين السنة والشيعة. فإسرائيل بعد سنة من العدوان على لبنان، تقوم بقرع طبول الحرب لاسترداد قوة هيبة الردع، فتقوم بغارة جوية وتضرب منشآت في عمق سوريا. وشهد العام 2007 حراكا سياسيًّا، ذروته قمة عربية-إسرائيلية دعت إليها واشنطن في اجتماع أنابوليس لاستئناف الحوار لحل القضية الفلسطينية.
وجاءت الحرب الدموية على غزة في نهاية 2008 وبداية 2009 لتسجل فصلا جديدا في المواجهة مع إسرائيل. فغزة كانت لوحدها في الميدان بدون دعم عربي- ان لم يكن تواطؤًا- وبدون اشتراك إخوانهم في الضفة الغربية في المعركة. رغم الدمار الشامل الذي خلفته الحرب، إلا أن إسرائيل لم تجنِ مكاسب سياسية تذكر. ولكن، من الناحية الأخرى، أبقت هذه الحرب الحصار الخانق والشامل على غزة برًّا وبحرًا وجوًّا، وأن جميع المحاولات لفك هذا الحصار من قبل جمعيات إنسانية ودولية باءت بالفشل. فالحصار أصبح ملازمًا للقضية الفلسطينية، بداية محاصرة منظمة التحرير في بيروت، ومن ثمّ محاصرة الرئيس الفلسطيني السابق، ياسر عرفات، في رام الله. والآن يتم محاصرة قطاع غزة بأكمله، حتى باتت مفردة الحصار جزءًا من قاموس القضية الفلسطينية.
ومن أكثر المسائل الشائكة في الصراع العربي-الإسرائيلي مسألة الاستيطان. فالاستيطان مسألة مركزية في بناء المشروع الصهيوني، إذ ارتكز عليها في بناء دولة إسرائيل، قبل قيام الدولة وبعدها. بدأ الاستيطان الاستراتيجي في الضفة والقطاع، وقطع أوصال الأراضي الفلسطينية. المقاومة في غزة أجبرت أريئيل شارون على اقتلاع المستوطنات، والرحيل عن غزة بشكل أحاديّ الجانب. وفي المقابل، فإن المدّ الاستيطاني شمل جميع أراضي الضفة عامة، وفي الآونة الأخيرة تركز في مدينة القدس بشكل خاص. في البداية، لم تنتبه القيادة الفلسطينية إلى خطورة الاستيطان وجميع الحكومات الإسرائيلية اليسارية واليمينية على حد سواء ساهمت في هذا المشروع. مؤخرًا ربطت القيادة الفلسطينية محادثات السلام مع الإسرائيليين بوقف الاستيطان، ولكن الحكومة اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو اعتبرته شرطًا لا تستطيع تنفيذه، بالرغم من أن الرئاسة الأمريكية اتفقت مع الفلسطينيين في هذا الرأي. إن الاستيطان الإسرائيلي المكثف في القدس، ويشمل ذلك الأحياء العربية، يشكل عقبة حقيقية أمام أن تكون القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية والمفاوضات العربية-الإسرائيلية بمجملها، وقد يؤدي الأمر إلى مطالبة الفلسطينيين في مرحلة معينة بإقامة دولة ثنائية القومية.
نقول باختصار إن نكبة فلسطين تدخل عامها الــ 63 وما زالت تُلقي بظلالها على المنطقة، وعلى العالم ككل، فرغم تغير الظروف واللاعبين وعلاقات القوة في المنطقة والعالم، إلا أن المسائل الجوهرية في القضية الفلسطينية لم تُحلَّ بعد، وذلك لأن عصب هذه القضية لم يُلمس حتى الآن، وستبقى القضية الفلسطينية تشغل المنطقة والعالم سنين طويلة. وقد أثّر هذا الصراع المركَّب على كثير من المجالات الحياتية، وخلق مفاهيم لغوية نشأت وتطورت فيها مفردات جديدة في القاموس السياسي، أتت لتعبر عن إشكالية هذا الصراع، والتذكير بان النكبة وإسقاطاتها لا يمكن شطبها من القاموس السياسي ولا من الذاكرة الفلسطينية بسهولة رغم رداءة الوضع العربي.

مقالات متعلقة