الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 02 / مايو 11:02

كام وبلاو، شغف صحافي يعري ديمقراطية إسرائيل الزائفة أكثر، بقلم: خلود مصالحة

كل العرب
نُشر: 11/04/10 18:46,  حُتلن: 10:14

- خلود مصالحة في مقالها:

* الحقيقة أن كون المواد التي نشرت حظيت على موافقة الرقيب العسكري تثير تساؤلات

* هنالك تقاطع على المستوى الإنساني بيني وبين بلاو وكام، فسبق أن اتخذت القرار أن لا أعطي مجالا لأحد أن يلغي إنسانيتي

* الحصانة الصحافية في إسرائيل، ورغم مزاعم الديموقراطية، تعتبر كيانا شاذا. ففي الوقت الذي فازت به العديد من الصحف الأوروبية أمام المحاكم الأوربية

ليس هي مقالة بقدر ما هي توضيح لصديقة كنت دائمًا، ولا زلت، أثق بحكمها على الأمور. فصديقتي التي تعمل بجد لإنقاذ الأرواح في أحد المستشفيات سألتني بلهجة تمزج بين الاستفزاز واللوم: ماذا فعلتم لدعم الصحافية كام والصحافي بلاو بعد اتهامها بالتجسس والمس بأمن الدولة من خلال تسريب وثائق مصنفة على أنها سرية للغاية حصلت عليها أثناء خدمتها العسكرية بين عامي 2005-2007 ؟
فاجأني سؤالها وأثارني جدًا فهو لا يمت لها بصلة، وقررت خوض النقاش معها، وبادرتها بالسؤال: عن أية قضية تتحدثين؟! قالت بدورها، لا يعقل أنك لم تسمعي بعد عن قضية الرقابة وتسريب الملفات العسكرية لصحيفة هآرتس؟!
إذًا برأيك القضية هنا هي تسريب وثائق؟!، هذا فعلا ما يبعدنا نحن، فلسطينيو الداخل، عن الانجرار لهذا النقاش فهو يتجاهل مضمون تلك المستندات التي تفضح انتهاكات الجيش الإسرائيلي وتورطه باغتيال قيادات فلسطينية رغم توفر إمكانية واضحة لتوقيفهم.
رغم نشر المستندات سابقًا إلا أن قلة من الصحافيين الإسرائيليين تطرقوا لمضمونها وخطورتها وهي تؤكد على تورط الجيش الإسرائيلي بجرائم بحق الفلسطينيين بشكل لا يقبل اللبس فهي وثائق مختومة ومصدرها واضح.
للحكم على أداء الإعلام الإسرائيلي وتعامله مع الموضوع كان حري بك مشاهدة التغطية الكاملة، قبل وبعد النشر، فمضمون المستندات لم يكن جوهر التغطية، وتراوحت التغطيات بين المعارضة لأوامر الرقابة العسكرية التي فرضت تعتيمًا إعلاميًا على القضية لشهور طويلة وبين سيطرة "الرقابة الذاتية" واستهجان جرأة كل من كام وبلاو في تحدي الجيش وجنرالاته، البقرة المقدسة الأولى في إسرائيل.
الحقيقة أن كون المواد التي نشرت حظيت على موافقة الرقيب العسكري تثير تساؤلات، فهي دليل واضح على أن ما قام به الصحافي بلاو يشكل إنجازا، وبلغة الإعلام "سبق صحافي"، وبرأيي إن إنجازا من هذا النوع هو مهم جدا وهو حلم كل صحافي في العالم. الصحافي رفيف دركور قال معلقًا على القضية: لو أن المستندات وصلت ليدي لم أتردد للحظة بنشرها، مع أني كنت أتعامل معها بشكل مختلف.
والد عنات كام، أكد بدوره مرات عدة على شاشات التلفزة وبعد كشف القضية أن ابنته ليست يسارية، ولم تكن كذلك، مشيرًا إلى كونها صهيونية فخورة، معتبرا أن قضاءها أشهرا بالحبس المنزلي يؤكد على أن أن ما قاما به الصحفيان ليس إلا شغفًا صحافيًا وتحدِيا للجيش.
للحظة وجدت أن اختزال عمل كام وبلاو فقط ضمن حدود المهنية الإعلامية والشغف الصحافي، هو أمر مريح، فهو يساعد على تعرية الديمقراطية الإسرائيلية أكثر فأكثر وإظهار زيفها أمام الرأي العام في إسرائيل والعالم أجمع. وهنا علي أن اعترف، صديقتي، أنه قد يجوز أن هنالك تقاطعا بيني وبين قضية بلاو وكام وهي قضية حماية مصادر الصحافي، هذا لأني أعمل في مجال الصحافة والإعلام.
فمن المعروف أن الحصانة الصحافية في إسرائيل، ورغم مزاعم الديموقراطية، تعتبر كيانا شاذا. ففي الوقت الذي فازت به العديد من الصحف الأوروبية أمام المحاكم الأوربية بحماية مصادرها الصحافية (آخرها عام 2009)، أغلق هذا الملف في إسرائيل قبل عدة سنوات، رغم أهميته وسط تجاهل تام للحقيقة أن الصحافة الحرة تعتبر ركيزة من ركائز الأنظمة الديموقراطية لما تلعبه من دور مهم في الرقابة المتبادلة بين السلطات وفصلها في إطار السجال السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
في عام 1993 تم تعيين لجنة باسم لجنة معوز والتي فحصت موضوع الحصانة الصحافية وحماية المصدر وقد قدمت العديد من التوصيات لكن هذه التوصيات لم تكن سوى حبرا على ورق ناهيك على أنها أوصت بفرض حصانة نسبية وليست مطلقة لكنها تشمل على الأقل حصانة لمصدر الصحافي. الحصانة الصحافية في إسرائيل ليست لها مرجعية قانونية مباشرة وصريحة إنما عرفية وليدة قرارات المحاكم وهي نسبية وقابلة للنقد، وتخضع لحسن نية السلطة وأذرعها وللأوامر الداخلية والأخلاقية وللمعايير المختلفة التي تمليه الدواعي والاعتبارات العينية، وهذا أمر مستهجن بحد ذاته. فالمتعارف عليه دوليًا أن هنالك العديد من المهن التي يحظى أصحابها بحصانة، كالأطباء والمحامين وغيرهم، وهي حصانات مطلقة وكذلك الأمر في إسرائيل، تحظى مهن عديدة بحصانة مطلقة ضمن "أوامر الإثبات" عام 1971، لكن لا يوجد أي ذكر للحصانة الصحفية.
الحقيقة أن الصحافي لا يملك الحصانة وبهذا هو غير محمي رغم التحديات الماثلة أمام الصحافيين هو أمر يجب أن يتغيّر فشخصيًا لا أؤمن بقيام مجتمع ديموقراطي دون أي حراك صحافي يتناول المسائل الهامة ويعمل على نقاشها، يكشف القرارات الحكومية ويقدّمها للجمهور لمناقشتها والتأثير فيما بعد على صناع القرارات، في المقابل أعي جيدًا المعيقات أمام الصحافي الفلسطيني داخل ال 48، فنقاش مهنية الإعلام العربي المحلي لا تأتي بمعزل عن البيئة الخارجية والتي تعيق بشكل كبير مهنية الصحافي الفلسطيني.
في الوقت الذي يستطيع الصحافي الإسرائيلي الوصول لمعلومات مختلفة، يحرم الصحافي الفلسطيني منها الأمر الذي يدفع عملنا الصحفي نحو "التغطية الإعلامية" لأحداث جارية وتصريحات مختلفة، مع بعض التحقيقات الصحافية التي تكشف فيما تكشف خللا في بعض المؤسسات في أحسن حالات التحقيق الصحافي.
ولصديقتي أشدد مرة أخرى، مؤكدة أن هنالك تقاطع على المستوى الإنساني بيني وبين بلاو وكام، فسبق أن اتخذت القرار أن لا أعطي مجالا لأحد أن يلغي إنسانيتي، لكن عدا ذلك لا أرى أي تقاطع آخر لا على المستوى المهني ولا على المستوى السياسي، خصوصًا مع الإلتزام الصهيوني للإعلام العبري الذي يستبق الخبر الإعلامي ويحدده بحسب مصالح المؤسسة الإسرائيلية والعسكرية والتي رغم تباهيها "بالديموقراطية" "والإنسانية" قادرة أن تتخذ قرارات بالإعدام عن سبق إصرار ومن دون التباس أو رفة جفن.

مقالات متعلقة