الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 07 / مايو 01:02

المسيح قام حقّا قام! بقلم: البطريرك فؤاد الطوال

كل العرب
نُشر: 03/04/10 12:22,  حُتلن: 12:23

- غبطة البطريرك فؤاد الطوال في مقاله:

* فرَحُنا هذه السنة مضاعف لأننا نحتفل، على مختلف كنائسنا، بعيد فصح موحّد

* الضجة هي سيمفونية وحدة عقيدتنا ووحدة عيد مخلّصنا المنتصر على الشر والموت

* مصلوب الجمعة العظيمة، قام مجيدا بقوته الذاتية صباح الأحد. ما قام من أجل ذاته فقط بل ولأجل برنا

"إن الرّبّ قد قام حقّا وتراءى لسمعان" (لوقا 24: 34)
ايها الاخوة والابناء الاعزّاء،
المسيح قام ، حقّا قام!
إلى هذا القبر أتى صباح ذلك الأحد الرسولان بطرس ويوحنّا الحبيب وقبلهما النسوة القديسات مع مريم المجدلية. وكم كانت دهشتهم كبيرة لأّن الحجر قد دُحرج عن باب الضريح ولأنهم لم يجدوا هنا جثمان الرب! من ترى تجرأ وحرّك الحجر الكبير؟ هل هم الجند الرومانيون؟ كلا، لم يكونوا مستعدّين لهذه الحركة الجريئة التي كانت ستحكم عليهم بالموت. هل هم رؤساء الشعب الذين طالبوا بصلب يسوع الناصري؟ مستحيل. هل هم الرسل المذعورون الذين استتروا من الخوف؟ أم ترى النسوة، وعلى رأسهن المجدلية؟ كلا، لان مثل هذا الحجر لا يقدر على تحريكه إلا رجال أشداء. ما رأى الرسولان وما رأت النساء حَرَسا ولا حجرا. وبحثوا عبثا عن جثمان المعلّم المحبوب ولم يجدوا سوى قبرا فارغا وفيه أكفان ولفائف ومنديل.
 

وأمام هذا القبر الفارغ نقف اليوم هنا، أساقفة وكهنة ومؤمنون، رجال ونساء، كبار وصغار من كل الكنائس وكلّ الشعوب، ونحن متأثّرون لشهادة التاريخ ولشهادة الضريح. وإذا كانت الشهادة على قدر الشهود، فإننا نثق بشهادة الرسل والنسوة الذين عايشوا الرب وزاروا قبره الفارغ ثم عاينوه حيا، لا بل كانوا مستعدين أن يدفعوا حياتهم ثمنا لشهادتهم.
 

ما اكتشف العلم ولن يكتشف يوما جثمان فادينا الالهي، لانه قام حقّا! ولن يفرح خصوم المصلوب بالعثور على عظامه أو رفاته، فهو حيّ مجيد بعد أن لقي الهوان! ولو سكتنا نحن أو أُجبرنا على السكوت، لنطقت هذه الحجارة التي أمامنا: انها الشاهد الصامت البليغ على قيامة الرب "كما قال".
 

وفرَحُنا هذه السنة مضاعف لأننا نحتفل، على مختلف كنائسنا، بعيد فصح موحّد. لذا سنهتف كلنا بصوت واحد ونفس واحدة وعلى موعد واحد مع الزمان والمكان، أمام هذا القبر الفارغ، صارخين بملء أفواهنا: "المسيح قام!" ونرتّل مع الليتورجيا الشرقية للمسيح الحيّ الذي "داس الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور"، ومع الليتورجيا اللاتينية "لذبيح الفصح يشدو بالثناء المؤمنون!" وقد يتضايق بعضكم من ضجّة الصلوات والتراتيل المتزامنة التي تنشد في كنيسة القيامة، ولكن هذه الضجة هي سيمفونية وحدة عقيدتنا ووحدة عيد مخلّصنا المنتصر على الشر والموت، المنطلق حيّا في اليوم الثالث من هذا القبر نفسه! نعم، نحن كنيسة الجلجلة، نحن كنيسة القبر الفارغ والقيامة السيدية المجيدة!
 

وما أحوجنا دوما، وخصوصا هذه السنة، إلى رجاء القيامة والانتصار على الشرور التي فينا وحولنا. شهدت هذه السنة كوارث الطبيعة في هايتي والشيلي وأظهر العالم تعاطفا كبيرا مع الضحايا. وتضامنت أبرشيتنا معهم في الأحد الرابع للصوم، وجمعنا ثمرة صيامنا لنقدمه للمتضررين بنفس الحماس الذي به هب العالم لنجدتنا أثناء السنوات الماضية التي عانينا فيها مرارة الحرمان. وهذا التضامن في الصعوبات يقوي الرجاء الذي فينا وفي غيرنا. وما أحوجنا الى هذا الرجاء ونحن نشهد العنف في معظم بقاع العالم وفي شرقنا العزيز وفي أرضنا المقدسة وحتى داخل الأماكن المقدسة. وكأن الانقسامات الكثيرة في العالم والخصومات المريرة تنبئ أن سيّد عالم الظّلمات تربّع نهائيا على العرش متحدّيا أهل الخير والعدل. كلا، لا تخف أيها القطيع الصغير، لان يسوع يطمئننا :"الآن يُطرَحُ رئيس هذا العالم خارجا، وأنا اذا ارتفعتُ عن الارض جذبتُ اليّ الكلّ" (عن يوحنا 12: 31 ب-32).
 

من هذا القبر الفارغ، تتوجّه كنيستنا وهي أمّ الكنائس، متّحدة مع الكرسي الرسولي، الى كل المؤمنين في هذه الارض المقدسة والى كل الحجاج اليها لا بل الى المؤمنين في كل المسكونة لتهنئنهم بفصح الرب أي عبوره من الموت إلى الحياة، وتصلّي من أجلهم وتسأل صلواتهم من أجلنا كي نشهد جميعنا لقيامة الرب في كل مدن وقرى أبرشيتنا في الاردن وفلسطين واسرائيل وقبرص. سنبقى نشهد أن القبر الذي أمامنا أصبح فارغا إلى الأبد، لان مصلوب الجمعة العظيمة، قام مجيدا بقوته الذاتية صباح الأحد. ما قام من أجل ذاته فقط بل ولأجل برنا. دعانا بقوة قيامته لان نخلع انساننا القديم، انسان الخطيئة والضعف، وأن نلبس الإنسان الجديد المخلوق على صورته ومثاله. سنشهد له بأقوالنا وأفعالنا، بقداستنا ومحبتنا الشمولية، بصبرنا وثباتنا على أرضنا وحول مقدساتنا.
 

بقوّتك أيها المصلوب، سنقف أمام الشّر مقاومين إياه، بالرغم من ضعف أجسادنا، ونحن ثقة بانتصارك أنت "يا من غلب العالم". حمَلنا صليبك كل يوم جمعة وسرنا معك في درب الآلام في هذه المدينة المتألمة وسائر بلادنا المعذّبة وشرقنا الحائر. وها نحن اليوم نرجو نصرا على انقساماتنا، وشدة في أوهاننا، وشفاء من أمراضنا، ونورا يبدد ديجورنا ونعمة تزيل عنّا النقمة، وسلاما ينفي الحروب ووئاما يجمع بين القلوب ومصالحة تقرب الشعوب!
 

"هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، فلنفرح ولنتهلل فيه!"
المسيح قام! حقا قام

مقالات متعلقة