الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 05 / مايو 14:02

بين أيدي القدر


نُشر: 07/11/07 20:29

تهاتفت الأصوات داعية بالخير ، راجية لك الحرية وملتمسة غبطتك التي أسرت المقل وباتت وعدا منتظرا بحرقة .
أذكر حينها كم دفعك شوق اللقاء ، شوق بالغ العسر متأجج في القلب لا يأبى الا أن ينطق بالذكريات، ذكريات محتها السنين ويا ليتها الان تعود، ولكنك رغم ما عانيت من قهر، الا ان تمسكك بالحياة ما لبث أن تضعضع، واملك المنشود بلقاء الحرية ما زال مقيما في خلجات فؤادك.
أتى ذلك اليوم الذي طالما انتظرت فيه حكم الافراج وسبيل الحرية، دقات قلبك تتسارع بالغة ذروتها وبصيص الأمل بوهيجه قد غلب الدموع التي كانت على وشك الانزلاق من مقلتيك، نظرت حولك واذ بك ترى أحباءك وهم متلهفون لسماع حكم براءتك، ارتسمت على وجوههم ابتسامات متمنية لك الحرية، فمن وجوههم أيقنت صوت الحق، وكم وكم هي المرات فيها صرخوا وناشدوا بأعلى أصواتهم من أجل الحق، ولكن ما من مستمع لندائهم، وها قد اقتربت اللحظة التي تفصلك عما هو منتظر، حينها وفد القاعة أهل قريتك ينتظرون بشوق عما ستنطقه الأوراق.
  وأخيرا صدر الحكم بالسجن على المحكوم عليه خمسة أعوام، ويا له من حكم مجحف بحق من هو بريء، عند سماع الحكم بانت على وجوه أهل القرية أمارات الحزن، الا واحدة ما زالت تحمل على مبسمها الأغر الابتسامة التي عشقتها دائما، ولطالما حلمت أن تكون تلك الفتاة يوما ما زوجتك، فقد أحببتها حبا جما وهي أيضا بادلتك نفس الشعور وحلمت فيك حبيبا يؤانس وحشتها، ولكن القدر حال فيما عدا ذلك.
  وها هي الان وحدها من بين الذين تعرفهم تناجيك الألم وتعيشه معك، ومع ما مر من سنين الا أن صورتك لم تمح من بالها وكيانك من روحها، ولم تنس ذكريات الصبا التي قضيتموها سوية ولا الأحاديث العذبة التي دارت بينكما، بل كانت دائما مخلصة ومحبة لك، وحدها التي اعترفت لك بحبها وكان حبا صادقا طاهرا، عندما رأى الابتسامة مرسومة على فيها تذكر الوعد الذي وعدها به يوم كان، بأنه لن ينساها وستبقى خالدة في ذاكرته، دارت به الأيام مسترجعا اللحظات الجميلة، نظرت اليه مليا، قبلته قبلة في الهواء وقالت حبيبي لن أنساك، وهو أيضا قال لها من خلف القضبان: سوف أنتظر خمس سنوات، ولن يستطيع احد أن يبعد صورتك من ذهني، فالدهر غلبنا مرة وفرقنا عن بعضنا، ولكني أعدك بأني لن أجعله يصعقنا مرة أخرى، وسأتغلب عليه فاني ولأجلك أتحدى الكون.
  ودعته بعد هذا الكلام ودموعها تسح مدرارا على وجهها، أتبكي حزنا عليه وهو بين القضبان أم فرحا لأن الفرج قريب.
خلال السنوات الخمس التي قضاها في السجن كان يراسلها بالرسائل، في كل أسبوع كان يبعث لها برسالة فيها أطيب التمنيات لها ولعائلتها، وهي أيضا كانت تعبر عن شوقها له بالرسائل وتعد الأيام بالساعات منتظرة لحظة خروجه، وبدل أن تبعث له كل اسبوع حت ترسل له كل يوم، يتبادل واياها التحيات والحب، ولم يكن كلامها سخرية حين تعترف له بحبها، بل تعبيرا عن حنينها اليه، وهو الأخر عرف أخبارها بالمراسلة، ذلك أن ثقته بها كانت ثقة عمياء، فهي تتسم بالصدق والخلق الحسن، وخلال الخمس سنوات التي قضاها بالسجن عمل في مهنة تسليه ويدخر منها مالا من أجل أن يتزوج ويبني أسرة، فالان لم يعد ينتظر لحظة الخروج لأجل  الحرية بل لأجلها، لأجل حياته واياها، وخلال السنوات الخمس لم تفارق مخيلته، وكانت دائما تزوره في السجن وتحدثه بكل جديد، وهو أيضا يخبرها عن حاله وأنه يعمل في مهنة تأتيه بالمال، وأنه جمع نقودا كثيرة تحضيرا لزواجهما.
مضت السنوات الخمس وحان الموعدالمنتظر، حين خرج من السجن، لكن شعر بالجذل والنشوة فانه الان يرى بلدته التي فارقها منذ زمن والأروقة والأزقة والشوارع والحدائق المكللة بالبنفسج والياسمين، دنا من الزهور وشم رائحتها فاذ هي عذبة نقية، وتذكر كم تحب سوسن الياسمين، فقطف زهرة ياسمين حينها سمع أجراس الكنيسة تدق، ولكنه لم يعرف لماذا تقرع الأجراس، في بادئ الأمر ظن أن صلوات عيد الفصح قد بدأت فله زمان لم ير المدينة وقد تغيرت بها أمور كثيرة، عند سماع جرس الكنيسة قرر أن يلج الكنيسة ليصلي، وتذكر كم كانت سوسن تحب الصلاة، فأيام الاحاد كانت تستهلها بالصلاة، دخل الكنيسة حاملا بين يديه زهرة الياسمين، أدرك أنه يجب أن يصلي شكرا لله لأنه خرج من السجن، ولكنه لم يكن ليدري أن هذه الصلاة المعقودة في الكنيسة ما كانت لكي يشكر الله بل تشييعا لجثمان حبيبته، وهذه الزهرة دخل بها الى الكنيسة لا لأنه تذكر كم سوسن تحب الورود بل لكي يضعها على قبرها المكلل بالياسمين.

مقالات متعلقة

14º
سماء صافية
11:00 AM
14º
سماء صافية
02:00 PM
13º
سماء صافية
05:00 PM
9º
سماء صافية
08:00 PM
9º
سماء صافية
11:00 PM
06:12 AM
05:31 PM
2.78 km/h

حالة الطقس لمدة اسبوع في الناصرة

14º
الأحد
16º
الاثنين
15º
الثلاثاء
14º
الأربعاء
17º
الخميس
16º
الجمعة
16º
السبت
3.72
USD
4.00
EUR
4.66
GBP
238509.62
BTC
0.51
CNY