الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 06 / مايو 04:01

إطلالة عبر نافذة المستقبل، بقلم: الشيخ إبراهيم صرصور

كل العرب
نُشر: 06/03/10 09:52,  حُتلن: 14:53

* قد يتهمني البعض بالتشاؤم ، لكنني – ورب الكعبة – لست كذلك ... إلا أنني أشعر أن الوقت قد حان لقرع القلوب لعلها تفيق

*  ثقافة لطالما رفضناها منذ البداية ، فهي السبيل الأسهل ، كما رفضنا وبنفس القوة ثقافة الانفصال والاستئصال ، وكلاهما في عقيدتنا من الكوارث المزلزلة التي تعيق حركة العمل

قدََّّر الله لي أن أشاهد جانبا من ندوة حول الرقابة في مصر بثتها شبكة الجزيرة من القاهرة منذ مدة ، شارك فيها عدد من المفكرين والكتاب المصريين ... لم أتصور وفي أكثر أحلامي كابوسيه ، أن أسمع وعلى الهواء مباشرة من يتحدث عن أن رسم ألأجساد العارية هو جزء من الفنِّ والإبداع الذي لا شأن للأخلاق به ، ويجب ألا تكون للرقابة المجتمعية أية سلطة عليه ... ثم يحظى بالتصفيق الحار من الحضور كما لو أنه جاء بنظرية جديدة تخلص الأمة العربية والإسلامية من مصائبها ونكباتها وذلها وعارها ....
قلت في نفسي : سبحان الله !!!... هذا يروِّج للفاحشة على أنها فَنُّ وإبداع ، ثم هو يعتبر أي اعتراض على هذا النهج الفكري المريض ، والدعوة إلى هذا الانتحار الأخلاقي الجماعي ،حَجْراً تعسفيّاً يجب ألا يكون ، ومرضاً أعجز الأمة عن أن تُحَلِّقَ في سماوات ألخلاص الأبدي والتقدم السرمدي ... فإذا ما جاء إسلامي ليعبر عن رأيٍ مخالفٍ لم يبتدعه ، كما ابتدعَ أفكارَهم دعاةُ السفور والفجور في الأمة ، وإنما استمده من المصادر المعصومة وفهمه عن أهل الصناعة الفقهية والفكرية في مدارس الإسلام المختلفة ، اتهموه بالتخلف والظلاميه ، وحَمَّلوه وِزْرَ الانحطاط الذي تعيشه الأمة ، ومسؤولية الخسف الذي أصابها منذ قرون ...
هذا الوضع الذي تكاد قطاعات واسعة من الأمة تُدْمِنُ عليه ، لا بد أن يدفع بالضرورة إلى مزيد من العبثية والعدمية ، يُفْقِد أهل الدراية والبصائر والنهى بوصلة التوجيه الايجابي نحو حلٍّ ناجع يخلص الأمة من مآزقها ، حتى كأننا نعيش الأجواء التي تنبَّأ بها الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه وهو يَرْمُقُ أحوال أمته على امتداد خط الزمان : " ستكون بعدي فتن كقطع الليل المظلم .... يصبح فيها الحليم حيران ...." ... أجزم أننا نعيش هذه المرحلة .. وإلا كيف يمكن أن نفسر وضعا تملك فيه الأمة كل أسباب القوة المادية والبشرية ، ثم هي تعيش أسوأ مراحل تاريخها فرقة وشتاتا وتمزقا وتخلفا وجهلا وذلة وهزيمة ... ثم لا تنهض بعد ذلك لتنفض عنها عاديات الزمان ، ولتزيل من فضائها سُحُبَ التآمر عليها من شياطين الإنس والجان ، ولتدفع عن حياضها أحقاد محور الشر والاستكبار والعدوان ؟؟؟ !!!!...
حالٌ كهذا تُطْحَنُ فيه الأجيال بين مطرقة أنظمة الاستبداد وأجهزة مخابراتها التي قتلت في شعوبها مشاعر النبل والإباء ، وسنديان ثقافة الفيديو كليب التي انحطت بالأخلاق العامة إلى الحضيض حتى ما عاد كثيرٌ من الناس يهتمون بحلال أو حرام ، أو بجائز أو محظور ... فتبلدت المشاعر وقست القلوب فهي كالحجارة أو أشد قسوة ، وجَفَّت الأحاسيس والعواطف فكأنها قُدَّتْ من صخر ، وطغت الغرائز كالبركان يقذف حممه اللاهبة ، فاجتاحت كل فضاء جميل في حياتنا الخاصة والعامة ، وفسدت الذمم حتى باتت كالكائن الأسطوري الذي يأكل فلا يشبع ، رغم أن بين أيدينا أعظم كتاب أُنْزِل ، وبين ظهرانينا سنة أكرم نبي أُرْسِل ، ثم نحن كمثل ( .... !!! ) يحمل أسفارا ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) ....
قد يتهمني البعض بالتشاؤم ، لكنني – ورب الكعبة – لست كذلك ... إلا أنني أشعر أن الوقت قد حان لقرع القلوب لعلها تفيق ، ولشحذ الهمم لعلها تنهض ، ولحشد القوى الحية في المجتمع لعلها تأخذ دورها كما هو مطلوب في هداية الناس إلى صراط مستقيم .... إن قلت أن هذه المهمة هي المهمة الأوحد التي يجب أن ينهض لها حملة المشروع الإسلامي العظيم فلن أكون مبالغا أبدا، وهذا يستدعي منّا إعادة نظر جريئة بموروثنا الدعوي والفكري ، وبحصيلتنا من التجربة على مدى عقود ، فنستحدث من الآليات والأدوات والأساليب وننتج من الأفكار والنظريات ، ما ييسر الطريق أمامنا لإحداث عملية اختراق حقيقية لمجتمعنا ، تعيد ُمَوْضعة حلنا الإسلامي في قلب هذا المحيط المتلاطم الأمواج من الطروحات والنظريات ...
أعتقد أن المهمة الأسهل هي وضع الخطاب الإسلامي المناسب ، وتحديد الأطر الفكرية وهذا ما نسعى إلى تطويره والنهوض به دائما ... إلا أن المهمة الأصعب ستبقى دائما في القدرة على اعتماد آلية تحتكم لها الحركة في إدارة شؤونها فَنُؤَمِّنَ بذلك جبهتنا الداخلية من أي خطر وهو الأكثر فتكا في الدعوات والتنظيمات والحركات وحتى الأحزاب ، هذا من جهة . ومن جهة أخرى اعتماد الآليات المناسبة لتحقيقٍ أمثلٍ للممارسة الكاشفة لهذا الخطاب والتي يجب أن تكون مرتبطة دائما بأجندات العمل الوطني في بلادنا . فالاحتكاك في الواقع ينضج التجربة ويَنْزِلُ بها من أبراج التنظير العاجية إلى الواقع المعاش ... تجربة حزب ( العدالة والتنمية التركي ) ، وهي تجربة ، مهما اختلف الناس حولها أو اتفقوا ، ستبقى صيغة تبلورت خلال عقود من التجربة المتراكمة التي ساعدت في إنجاح المشروع والتفاف الناس حوله رغم المعوقات والتحديات ...
كنا أشرنا في أكثر من مناسبة إلى ضرورة أن تهتم الحركة الإسلامية بعد الذي ذكرناه بتأهيل الطليعة القادرة على حمل المشروع الإسلامي والتبشير به والدعوة إليه لا كوصي على المجتمع ، ولا من خلال نظرة استعلائية ولكن من خلال حب لهذا المجتمع وحرص على مصلحته ، مع التسليم المسبق بأنه ( ولا تزر وازرة وزر أخرى .. ) و ( كل نفس بما كسبت رهينة ..) و ( فذكِّر إنما أنت مذكر ، لست عليهم بمسيطر .. ) و ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ، عزيز عليه ما عنتم ، حريص عليكم ، بالمؤمنين رؤوف رحيم .. ) و ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ، أفأنت تكره الناس على أن يكونوا مؤمنين ) .. ثم تكوين القاعدة الجماهيرية المساندة لهذه الطليعة ورسالتها ، وهي في الحقيقة احتياطي الحركة الذي لا بد منه لاستمرار العمل ودوامه ، وهي الفضاء الذي لا بد منه لانطلاق العمل الإسلامي المتجدد وامتداده الدائم .... ثم يأتي بعد ذلك تهيئة البيئة والمحيط والمناخ العام المتفهم لرسالة الحركة ، والنزيه في التعامل معها ، والمتحرر من العقد مهما كان نوعها في التعاطي معها تاريخا وحضارة ووجودا ومستقبلا ، والمتقبل لها كواحدة من نسيج متعدد ، لها ما له وعليها ما عليه في حدود الثوابت التي لا نحيد عنها ....
إن الجهل بهذه الضرورات سيحول الحركة إلى إطار احتجاج فقط ، وهذه ثقافة لطالما رفضناها منذ البداية ، فهي السبيل الأسهل ، كما رفضنا وبنفس القوة ثقافة الانفصال والاستئصال ، وكلاهما في عقيدتنا من الكوارث المزلزلة التي تعيق حركة العمل الإسلامي الرصين والمتصل بالبيئة والمحيط لا المنفصل عنهما ... فثقافة الانفصال تعزل الحركة عن المجتمع فلا تكون الصلة به إلا بقدر ما تخدم مصلحة الحركة ( التنظيمية ) ، أو بقدر ما يكسبها من نقاط ويُؤَمِّنُ لها من مناطق نفوذ ... وهي أسلوب يؤسس لثقافة الاستعلاء ، والتي تقود حتما إلى ثقافة الإقصاء وهي الطريق الأقصر لسياسة الاستئصال .... حركتنا الإسلامية كما هي حركات الصحوة الإسلامية المعتدلة والوسطية في كل مكان ، ترفض أن تُعامَلَ بهذه السياسة ، فمن باب أولى أن تكون هي الأبعد عن هذه السياسة في تعاملها مع الآخر مهما كانت الأسباب والمسوغات ....
حركتنا الإسلامية تسعى من خلال هذه الفلسفة ، لتشق طريقها بعيدا عن الاحتكاك السلبي مع المحيط ، أو بكلمات أكثر دقة بأقل ما يمكن من الصدامات مع هذا المحيط ، إلا ما يفرضه هذا الواقع مما لا يُبْقى مجالا إلا الدفع بالوسائل النضالية القانونية ... عندها ستكون الحركة فارسة الميدان والمُقَدَّمَةَ فيه ... أما فيما دون ذلك فإن تحول الصدام إلى غاية الغايات والمعَوَّل عليه في بلوغ الغايات ، فهذا فوق انه مخالف لنواميس الله سبحانه ولقوانينه في التدافع بين الحق والباطل ، فإنه وبالمنطق الطبيعي سيحوِّل العقل الجمعي لأي حركة إسلامية إلى عقل يكون مُسْتَنْفََراً ليس في اتجاه الوضع الداخلي الفاعل من أجل البناء الذاتي والنافع للمجتمع عطاء وفداء وتضحية وإبداعا ، بل لصد الهجمات من الخارج ، مما يحول قيادات الحركة الإسلامية وبالتالي الحركة كلها إلى قيادات احتشاد وتنظيم ، لا قيادات فكر وتنظير وإبداع وإنجاز واندماج وقيادة ورياده ، فتعيش الحركة حالة دفاع دائم عن النفس لا تُعْطَى فرصة لتنمية القدرات وإجراء المراجعات ، فتغلب عندها ثقافة الشعارات للتغطية عن جوانب العجز والقصور ، وهذا بلا شك هو الخسران المبين ....
يحق لنا أن نفخر بما تحقق انجازه حتى الآن وفي كل مجال من مجالات الدعوة رغم قلة الإمكانات وشح الموارد ... فالأخوة والأخوات وفي كل المواقع يحسون بعظم المسؤولية وثقل الأمانة ، فيجتهدون دون كلل أو ملل في تبليغ الرسالة وأداء الأمانة والنصح للأمة ، متأسين بذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومبتغين فيما يقدمونه لدينهم ووطنهم وأمتهم وجه الله ورضاه .... أقول ذلك مع إقراري بأن الطريق ما زال أمامنا طويل ، والعمل كثير ، إلا أنني أومن أنه ومع أن الطريق طويل والزاد قليل والتحديات أكثر من أن تُحصى ، والعقبات أشد من أن يتم تجاوزها بسهولة ، إلا أنني أومن بما بشر به الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم رديفه معاذ بن جبل رضي الله عنه ، وهو يحدثه عن عظمة الرسالة وثقلها ، قال له : ( لكنها يسيرة على من يسرها الله عليه ... ) ... وللحديث بقية إن شاء الله ....

مقالات متعلقة