الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 09 / مايو 02:01

حب الخير سعادة - بقلم: محمد زعبي من الناعورة

كل العرب
نُشر: 17/02/10 11:39,  حُتلن: 15:17

- محمد زعبي:

* ثقافة العمل دون انتظار المردود العاجل، راسخة في وجدان هذا الشعب

* الحماس الذي نلاحظه في حركة من يقومون بأعمال الخير ونشاطهم المحموم في هذا المجال، يدفعه حماس داخلي

* للأسف الشديد هناك إحساس واسع لدى شريحة كبيرة من الناس بأن العمل يجب أن يرتبط بالمصلحة والمردود المباشر

العمل هو الحياة.. وحب الخير هو السعادة.. وثقافة العمل تنبع من الدواخل..والحريصون على عمل الخير دائماً تدفعهم إلى ذلك قيم وأخلاق تتجسد من خلال السلوكيات والنهج والمداومة.
لماذا نجد أناساً يتحمسون لفعل الخير، ويسعون إليه ويحرصون على ألا يفوتهم شيء من ذلك.. فمن يتذوق حلاوة الشعور بالسعادة عند تقديم عمل رائع يبهج الآخرين ويفرحهم، لا يحتاج إلى بصيرة (جانوس) ليجيب عن السؤال السابق.
للأسف الشديد هناك إحساس واسع لدى شريحة كبيرة من الناس بأن العمل يجب أن يرتبط بالمصلحة والمردود المباشر.. وعلى هذا الفهم كان التسابق في مضمار العمل لا يستحب شرف المهنة، ولا أمانة التكليف ولا استشعار عظم المسؤولية وثقلها، لدى قطاع واسع من العامة والخاصة، بل كان يرمق مقدار المردود ونوع التحفيز..!!
ولم يكن هذا المفهوم حديث عهد، أو بلية عصر جلبته ثقافة هذا الزمن مع رياحها العاتية، بل كان موجوداً لدى مفاهيم البعض.. حيث سادت بعض دلالات هذا المفهوم من خلال عبارات هلامية الشكل، ضبابية التكوين، مجهولة المنشأ؛ لكنها تناقض القيمة الحقيقية للعمل وتسبح عكس تياره، وترد غير موارده، ومن تلك العبارات مجهولة الهوية (اتق شر من أحسنت إليه) ولكن في المقابل تزخر قواميس ثقافتنا بدلالات التحفيز، بل يشير الكثير من آيات القرآن الكريم إلى عظمة العمل المخلص المجرد وأهميته عند الله، قال تعالى {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}والآيات {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} والحديث (خير الناس أنفعهم للناس).
ومن واقع حياتنا المعاشة من يقدم الخير لا يجني غير الخير، وليس من الضروري أن يكون المردود عاجلاص أو أن يكون مادياً أو ملموساً، فالعمل الطيب لا يثمر غير طيب إن عاجلاً أو آجلاً:
(من يفعل الخير لا يعدم جوازيه 
لا يذهب العرف بين الله والناس )
ففي العمل النافع المخلص إرضاء للنفس ونفع للناس وإعمار للأرض، وصلاح للمجتمع.. وادخار للأجر عند الله، فكل ما يترتب على هذا العمل من خير يصب في رصيد صاحبه، بعكس عمل السوء الذي يكون وبالاً على عامله!
إذن فلتتجه بوصلة التكالب نحو نوع العمل، ومدى نفعه وفائدته للناس وللأوطان، ومدى إخلاص النية فيه وإتقانه وإعطائه الجهد والوقت المستحق، (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) فالعمل الطيب النافع.. يعبر عن نوايا صاحبه.. وحينما ينطلق من رغبة ذاتية فهو يعبر عن سلوك، وعن هواية حقيقية.. فالكثير ممن يضحون من أجل الآخرين هم في واقع الأمر يمارسون إحدى هواياتهم المحببة إلى قلوبهم.. ومع المداومة يصبح العمل هواية ومتعة وإشباعاً للنفس، فتجد من يبذل جهده، ووقته، وماله وهو في غاية السعادة والفرح وإرضاء النفس وإشباع رغبتها في هذا المضمار.
فالحماس الذي نلاحظه في حركة من يقومون بأعمال الخير ونشاطهم المحموم في هذا المجال، يدفعه حماس داخلي، وقوة دفع ذاتية تلقائية مثلها مثل العطش والجوع والإحساس بالبرد والحر وغير ذلك من الرغبات التي تدفع المرء للتصرف من أجل إشباع الحالة وإسكات جوعها..
إذاً.. كيف نقتل حاسة الطمع في العائد المباشر والمصلحة الذاتية، ونحن نقوم بعمل هو أرفع بكثير من هذه النظرة الوضيعة الضيقة عديمة الأفق؟ حقا يحتاج المرء إلى مساحة أرحب من الرؤية ليستشف مايجب أن يكون عليه دافع العمل إلى الخير والمحفزات الحقيقية للاستمرار فيه والأهداف النبيلة لذلك.. ويدرك لماذا يجب على فاعل الخير أن يطلق نظره بعيداً.. وليس في الأفق المحدود للرؤية؟ ولماذا ينبغي ألا يرجو المكافأة من أحد، ولا ينتظر الجائزة العاجلة، ولماذا يجب أن يكون العمل من أجل سد الثغرة وخدمة المجتمع والوطن، ومن أجل ما سيجلبه هذا العمل الطيب من نتائج إيجابية يعود مردودها بالخير على الكثيرين، وترتسم بفعلها الفرحة والابتسامة على كثير من الوجوه..!!
ثقافة العمل دون انتظار المردود العاجل، راسخة في وجدان هذا الشعب؛ ولكن الراسخ أكثر، مفهوم أنها من اختصاص قنوات التكافل والأوعية الخيرية، غير أن الأصح أن هذه الثقافة بحاجة لأن تصبح نهجاً تلقائياً، وسلوكاً اجتماعياً، وليس فقط في ميادين العطاء الخيري والإنساني، وفي المناسبات التي تستدر العطف وتداعب الوجدان.
هي ثقافة موجودة وسائدة.. لكن منهجتها وقولبتها على شكل كبسولات اجتماعية يتعاطاها الناس بشكل تلقائي أمر يكرس ثقافة أقوى وأرفع وأكثر رسوخاً، بل تستطيع أن تذيب معها كثيراً من السلوكيات المناقضة، وتحارب بعض الأخلاقيات التي تكبح خطوات الإرادة الذاتية والتجرد والنظرة الواقعية للقيام بالعمل النافع الذي يجني ثماره قطاع واسع من الناس، ومردود إيجابي ملموس.
 

مقالات متعلقة