الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 03 / مايو 15:02

ماما وباب إحكيلي قصة: الفيل الوفي

كل العرب
نُشر: 16/02/10 15:11,  حُتلن: 08:24

اسمعْ ما أحكيهِ الآنْ فأنا فيلٌ عاشَ سنينَ كثيرهْ ورأيتُ كثيراً منْ أيّامِ البهجةِ وكثيراً منْ أيَّامِ الحرمانْ أحكي لكمُ الآنْ ما مرَّ بنا في العامِ الماضي قبلَ وأثناءَ الفيضانْ
***
في العامِ الماضي جفَّ النَّهْرْ مات الزرعُ وجفَّ الضَّرْعْ ولهذا صرتُ أهيمُ على وجهي في أرضِ اللهْ أبحثُ عمّا آكُلُهُ فالقيْظُ شديدٌ والخيْرُ شحيحْ ولقدْ كنت أحملُ في جوْفي الجوعَ وفي الأحشاءِ الآهْ اقتربتْ منِّي سيدةٌ فاضلةٌ سمراءْ نَفَضتْ عنْ كتفيْها بعضَ الأتربةِ وكانتْ تبدو في إعْياءْ مدَّتْ لي بيديْها السمراويْنِ الخضراواتِ ، أكلْتْ وتقدَّمْتُ إليْها لأساعدَها فيما تعْملُهُ وابتسَمَتْ، فتقدَّمْتُ نطقَتْ، قالتْ: إني أقدرُ أنْ أعملْ شكراً لكْ.
كانتْ عيناها الباسمتانِ تقولانْ: لمْ أتقدَّمْ بالخضرواتِ إليْكَ الآنْ كيْ تحملَ عنِّي أوْ تعملَ بدلاً مني إنك لوْ تعملَ هذا، تتعبُني طلبَتْ منِّي أن أحضر كلَّ صباحٍ للحقْلْ


صورة توضيحية

***
مرَّتْ بعضُ الأيّامِ القائظةِ، وكنتْ أتقدَّمُ كلَّ صباحْ للسيدةِ، فآكلُ وأُساعدُها والسيدةُ تُقدِّمُ لي ما يكفيني في الليلْ وأعودْ أحملُ في قلبي الشُّكرْ أتمنَّى لو أقدرُ أنْ أفعلَ شيئاً للسيدةِ السمراءْ
***
وحَكَتْ لي قصَّتَها ذاتَ صباحْ الاسمْ: "إحسانْ" أرملةٌ تقتربُ من الخمسينْ ذهَبَ الأطفالُ مع الزَّوْجِ صباح العيدِ إلى القريةِ مُبتهجينْ ليزوروا عمَّتَهمْ "إيمان" ماتوا في حادثةٍ بشعهْ إذْ غرقوا في النهرِ جميعا …
بقِيَتْ "إحسانُ" وحيدهْ تشربُ من حزنِ الأيَّامْ تزرعُ قطعةَ أرضٍ خضراواتْ وتعيشْ في كوخٍ في طرْفِ الأرضْ وتُعاني من قسوةِ جارٍ يُدْعى "غيلانْ" أنا أيضاً معْ رفقائي الأفيالِ نُعاني منْهْ …
"كانَ يرى الأفيالْ تخترقُ حقولَ الخضراواتِ فيرشُقُ أسلاكاً، أوْ أشواكاً تدمي أرجلنا حينَ نمُرُّ بأرضِهْ
***
ذات مساءٍ كان شديدَ الإظْلامْ فاضَ النهرُ وأغرقَ أرضَ الوادي كلِّه كانتْ "إحسانُ" المسكينةُ نائمةً في الكوخٍ فطرقْتُ البابْ أشرْتُ إلى النهرْ لكنَّ المسكينةَ ضحِكتْ كانتْ تحسبُ أنَّ النهرَ أتى بالخيْرْ ورأيتُ البسمةَ تعلو شفتيْها، فصَرَخْتْ وتنبَّهتِ المسكينةُ ساعتَها حملتْ ما تقدِرُ، ركِبَتْ فوقي وجريتُ إلى منطقةٍ تبعُدُ ميليْنِ عن الوادي وقضيْنا أسبوعاً عُدنا بعدَ الأسبوعِ إلى الوادي كانتْ جثةُ "غيلانَ" وراءَ الكوخِ الأخضرِ مُنتفِخَهْ حزِنتْ "إحسانْ" وحفَرْنا الأرْضَ، وواريْناهْ قلتُ "لإحسانْ": هذا الرجلُ القاسي حاربَنا وَضَعَ الشَّوْكَ لنا كيْ يُدمي أرجلَنا هذا الرجلُ القاسي كانَ يُفكِّرُ في قتلِكْ كيْ يأخذَ قطعةَ أرضِكْ هذا قَدَرُ اللهِ المحتومُ "لغيلان" …
ليسَ من الصُّدفةِ يا "إحسانْ" أن يأْتيَ هذا الفيَضانْ بالخيْرِ لكلِّ الناسْ ولتصرعَ "غيلانَ" الأحقادُ.

مقالات متعلقة