الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 01 / مايو 20:02

اتق الله يا "شيخ أنت وإياه" - بقلم: محمد ابراهيم كبها- عين السهلة

كل العرب
نُشر: 06/01/10 10:06,  حُتلن: 10:22

- محمد كبها:

* ذات مرّة كانت مصر تدعى "أم الدنيا"، بالرغم من أنّ الدنيا ملعونة

* عام هجريّ رحل، وعام جديد قد حلّ، وقبل أيّام قليلة، ودّعنا عاما ميلاديّاً ودخلنا عقدا جديدا في القرن الواحد والعشرين، فحدّث ولا حرج

* لا أكتب هذا الكلمات، لأني لا أحب مصر، بل لأني أعشقها، وأعشق أهلها، ونيلها، وترابها الذي ضمّ بين أحضانه، الإمام الشهيد حسن البنا، والسيّد قطب، والكثير الكثير من الدعاة والمجاهدين الذين كانت مصر قاعدة الانطلاق لهم

يقال أنّه عند اجتماع المندوب الأمريكي، الإسرائيلي والمصري، بهدف إيجاد حلا جذريّا للمشكلة المعقدة التي يشكلها قطاع غزة، وأنه حتى الآن لم ينفع معهم لا حصار ولا عدوان ولا مجازر ولا ذبح، وأنّهم ما زالوا يصرّون على مواقفهم، فاحتاروا ماذا يفعلون، وكيف الخلاص في ذلك الأمر؟ فخطرت في بالهم الفكرة الجهنميّة، التي لم تكن لا على البال ولا على الخاطر، ببناء الجدار الفولاذيّ، والقناة المائية البحريّة، لإطباق الخناق على هؤلاء "المتمردين" من أهل غزة وإنزال أشدّ أنواع العقاب فيهم، وإغراق كلّ من يحاول، ولو من بعيد اختراق هذا الجدار، واتفقوا أن يكون التمويل أمريكيّاً، وبينما هم على ذلك وإذ بالباب يدّق، وأنّ هناك رجلٌ غريب الملامح يطلب الدخول عليهم، فلمّا دخل، وسمع ماذا يتباحثون وإلى أين توصلوا، وما أن أخبروه بقرارهم، انتفض من مكانه مذعوراً، وقال لهم: "اتق الله يا شيخ أنت وإياه، والله أنا ما بطلع معي هيك"، فلمّا أنكروا عليه تصرّفه، سألوه من يكون، فأجاب: "إبليس".
عام هجريّ رحل، وعام جديد قد حلّ، وقبل أيّام قليلة، ودّعنا عاما ميلاديّاً ودخلنا عقدا جديدا في القرن الواحد والعشرين، فحدّث ولا حرج، عامُ أضعنا فيه البوصلة وضللنا الطريق، فما زال عالقاً في أذهاننا افتتاحية العام المنصرم بالعدوان الغاشم والحصار الظالم لغزة هاشم، والمجازر البشعة التي تعرضت لها، وما أشبه اليوم بالأمس وها هي غزة هاشم تدخل العام الجديد بحصار جديد، حصار من نوع آخر، حصار فولاذيّ، بتخطيط أمريكيّ وتدبير إسرائيليّ، تنفيذ مصريّ، وموافقة فلسطينية وصمت عربيّ، ومؤامرة دوليّة، يكشف عِظم الجريمة التي ترتكب بحقّ المليون ونصف المليون الغزاويين، فكما افتتحنا عاما بعدوان غاشم فها نحن ما زلنا نعايش ذلك العدوان بأقسى وأبشع صوره، ، بحجج الحفاظ على الأمن القوميّ والسلامة الوطنية للدولة المصريّة وكأنّ هذا الجدار سيعيد الهيبة والمنعة لدولة مصر "الشقيقة" وحكومتها "الرشيدة" وسيسدّ بؤرا من بؤر الفساد التي ممكن أن تتعرض لها، وسيمنع عنها الويلات والكوارث وسيندحر الاحتلال فارّاً هارباّ، وستقطع الطريق على المجرمين والإرهابيين الذين سيعيثون الفساد ويخربون حياة المسلمين !!!
ذات مرّة كانت مصر تدعى "أم الدنيا"، بالرغم من أنّ الدنيا ملعونة، إلّا أنّ مصر اليوم لا أمّ الدنيا ولا حتى أمّ المصريين، فبسبب مباراة كرة قدم استشاط الرئيس المصري وأعوانه غضبا بحجة الاعتداء على المشجعين المصريين، وأنهم لم ولن يسمحوا بالمساس بكرامة المصريين، سبحان الله ! وكأنّه تبقى كرامة !!! فمنذ أن قسمنا دولاً وولايات ودويلات، فأصبحنا نلغي انتمائنا العام ونركز على الخاص، "فالأردن أولاً"، "ومصر للمصريين" و "شجّع مصر"، وهكذا، حتى أُكلنا يوم أُكل الثور الأبيض.
لست أستغرب أن إبليس يعجز عن فعل مثل هذه الأمور، فمصر أمّ الملايين، أمّ الدنيا وأمّ العروبة، قد فقدت دورها، بل وللأصح نقول، تنازلت عن دورها، منذ كامب ديفيد الأول، فمنذ ذلك الحين لا تكفّ ألسنة النظام المصري، بتكرار التزاماتهم تجاه الاتفاقيات الموقعة هناك، وأن "كلمة الرجل ما تصير اثنتين" و "وعد الحرّ دين" و "الرجل يمسك من لسانه"، لكني لا أدري ما علاقة الأحرار والرجال بهذا النظام. فبات واضحا أنها من كثرة وفرط احترامها لتلك الاتفاقيات، داست على كلّ عِقد أخوّة العروبة والإسلام والجيرة التي تربطهم بأهل غزة، وتناست حتى كرامة المصريين التي تداس وتهان يوميا في السجون والمعتقلات الظالمة، والمحسوبيّات الفاسدة، والفقر المدقع، وكلّ شرائح انحلال المجتمع الخلقيّ، والتي تشارك بذلك حديثا بعض من الجامعات هناك، التي من المفروض أن تكون مصدرا للجيل المتنور، بحظرها دخول المنقبات باحاتها، ما لم تفعله كثير من الدول الغير مسلمة.
مصر وبكلّ صراحة، تشنّ حرباً ضروس، ليس على من يهددّ أمن شعبها وأرضها بالأصل، لكنّها بالحقيقة تفعل ذلك على كلّ من يمكن أن يشكلّ ولو بالقليل تهديداً لأمن عرش نظامها، وتوريث سيادتها، فتستغل طيبة وبساطة شعبها لمصالحها الضيّقة، فقامت وما زالت، على فصل شعبها عن أشقائه من العرب والمسلمين، فبكلّ خطاب وبيان، دعاية وإعلان، والمسلسلات والأفلام ولا ننسى كلّ وسائل الإعلام، نرى كم يركزون على مصر وحبّها، والعمل لها، قد يبدو الأمر ظاهره حسنا، لكن أن يصل الأمر أنّ "مصر هي أمّي ودمّها دمّي"، و أن يكون ذلك على حساب دماء الفلسطينيين في غزة، فهذا أمرٌ مستهجنٌ ومستنكر.
وما زاد الطين بلّة، أن يطالعنا مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف بفتوى غريبة وعجيبة، فلست هنا بصدد إعطاء الرأي الفقهيّ فيها فلست أهلاً لذلك، فالسؤال الذي يسأل "لماذا يا أزهر؟؟" يا من تعتبر أكبر مرجع سنيّ ليس فقط بالمنطقة بحسب، بل بالعالم الإسلاميّ كلّه، فمنهم يتوقع مواقفاً أكثر إيجابية وحزماً وصراحة في الأزمات التي تمرّ بها الأمّة وبالذات ما يحدث لإخواننا وأهلنا في غزة هاشم، فنريد أن نسمع منهم موقفا يدعو لفتح معبر رفح، وإدخال المساعدات الإنسانيّة وتخفيف المعاناة على الأهل هناك، لا أن يقفوا جنبا إلى جنب مع موقف النظام، المؤيد وبشكل فاضح وصارخ حصار غزة بل ومشارك فيها بشكل علنيّ لا لبس فيه، فنسأل الله لنا ولهم الهداية والسداد، التوفيق والرشاد.
وفي الختام، أقولها، لا أكتب هذا الكلمات، لأني لا أحب مصر، بل لأني أعشقها، وأعشق أهلها، ونيلها، وترابها الذي ضمّ بين أحضانه، الإمام الشهيد حسن البنا، والسيّد قطب، والكثير الكثير من الدعاة والمجاهدين الذين كانت مصر قاعدة الانطلاق لهم، ولأن مصر هي كنانة المسلمين، فالعتب على قدر المحبّة، وغضبنا واستياؤنا هو من فعل نظامهم، الذي يعوّل عليه بدورٍ أكبر وأفضل في حماية وصيانة كرامة المصريين وكلّ العرب والمسلمين، بصورة حقيقية وصادقة.

مقالات متعلقة