الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 29 / أبريل 05:01

رسالة العام الجديد 2010: المصالحة الطريق الى السلام- بقلم: الأب جبرائيل نداف

كل العرب
نُشر: 29/12/09 08:36,  حُتلن: 09:30

*  لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء، بل أعطوا مكانا للغضب

* إذا دخلنا الى عمق الإنسان لكشفنا توقه إلى المصالحة مع ذاته ومع ربه وأخيه الإنسان ،لان المصالحة تجعله إنسانا وأخا حقيقيا لأخيه الإنسان

* يستحيل ان يبقى الله في حالة عداوة للإنسان مهما اصر الإنسان في عداوته لله، فايجابية الله أكيد ستبلغ هدفها للمصالحة وتتخطى كل سلبيات الإنسان

نعيش اليوم في عالم يسوده العداء والحسد وساد عليه . فأصبحت الخلافات شغل الشعوب الشاغل ، وواقع تعيشه المجتمعات ، وتعاني منه معظم العائلات . فالسلام أمسى مجرد أنشودة يتغنى بها الجميع. أما الوفاق والسلام فتوارى بعيدا في عالم الأحلام ، وإذا نظرنا الى واقع حياة الإنسان، كفرد أو جماعة ، نرى الخلافات قائمة في البيت الواحد ، لتمتد حتى مع الأصدقاء لنصل الى حروب مع الدول … والكل يسأل ويطالب بالعدالة ، وفي اعتقاده انه على الصواب، لأنه يحاول أن يحيا ميزان العدالة .. أو شريعة حمورابي وموسى .
 
يقول الرسول الإلهي بولس : " لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء، بل أعطوا مكانا للغضب " ، وقد ورد في الكتاب المقدس قول الرب: لي الانتقام وأنا الذي يجازي " ( رومية 12: 19 ) . أليس الانتقام والجزاء الذي يتكلم عنهما الرب هو العدل الإلهي أي حب وغفران ومصالحة .. بينما جزاء الإنسان هو الانتقام بطريقة شرسة وشريرة …
 
في هذا الضجيج والتخبط بشتى أنواع النزاعات والخلافات ، يسمع صوت رقيق ، يحمل في طياته موجات من الأمل ، فيعطي للعالم المظلم شعاعات من النور ، حاملا إليه رسالة الخلاص الا وهي المصالحة ، مصالحة الإنسان مع ربه ومصالحة الإنسان مع أخيه الإنسان ومع الخليقة .
 
إذا دخلنا الى عمق الإنسان لكشفنا توقه إلى المصالحة مع ذاته ومع ربه وأخيه الإنسان ،لان المصالحة تجعله إنسانا وأخا حقيقيا لأخيه الإنسان .
 
غير ان الكتاب المقدس لا يعطينا او يقدم لنا صورة عن المصالحة بشكل سهل او بسيط ، فمن طلب المصالحة كان لا بد له ان يحصل عليها بعد منازعات وخلافات التي تمر في حياة الإنسان . مثلا الصراع والخلاف بين قاين وأخيه هابيل .
 
هذين الأخوين الأولين اختلفا الواحد عن الآخر، ليس بالاسم فقط ، اسم قاين يشير الى ان الرب هو سيد الحياة فبهذا الاسم إشارة الى ارتباط الحياة بخالق الحياة . اما اسم هابيل يعني الهباء والدخان يعني هذا ان هابيل لا يدوم ، بل بالمهنة وبعلاقتهما مع الله وأيضا بسبب الحسد الذي يقود الأخوين الى التقاتل .
 
مما جعل قاين يقتل أخاه :" فلما كانا في الحقل وثب قاين على هابيل أخيه فقتله " ( تكوين 4: . إذن عملية القتل سريعة وبدون كلام. عندها يطرح الله على قايين سؤالا مباشرة اين هابيل اخوك ( تكوين 4: 9) .
 
أمام هذا السؤال هناك موقف يأخذه الإنسان إما ان يعترف بخطيئته ام ينكرها. يختار قاين الكذب ويرفض هذه المسؤولية بالرغم انه يعرف أين أخوه ، رفض قاين ان يكون أخا وحارسا لأخيه . " أحارسا انا لأخي " ؟
 
من الصعب على الإنسان ان يفهم ان إحدى الطرق التشبه بالله والاقتراب منه هو ان يكون الإنسان حارسا لأخيه الإنسان . قتل قاين لأخيه هابيل ، جعلت العلاقة مشوهة بين الإنسان والله وبين الإنسان وأخيه الإنسان ، لان القتل هو مساس بأقداس المقدسات، وعلى قاين ان يبتعد عن الله لأنه أساء المعاملة مع الله ، وبالتالي انفصل قاين عن الله فأصبح بعزلة موحشة بحيث لا يستطيع ان يتحمل عبء الخطية ، فطلب من الله ان يكون حارسا له : " عقابي اشد من ان يطاق .. ومن وجهك استتر وأكون تائها شاردا، فيكون ان كل من يجدني يقتلني " ( تكوين4: 13 – 14 ) .  
لا ننسى صرخة أيوب الشهيرة متسائلا : " ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا " . ثم ردَدت صدى هذه الصرخة أجيال وأجيال دونما جواب ، الى ان تمَ الزمان ، حين أرسل الله ابنه ليضع يده على كلينا " ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلا العداوة به " ( افسس 2: 16 ) . 

من هنا نفهم انه يستحيل ان يبقى الله في حالة عداوة للإنسان مهما اصر الإنسان في عداوته لله، فايجابية الله أكيد ستبلغ هدفها للمصالحة وتتخطى كل سلبيات الإنسان .
 
لذلك ، فالمصالحة يلزم ان تكون متبادلة عن حقيقة واحتياج من جهة الإنسان، وعن رؤية شافية لخطورة بقاء الخطية مستترة وراء الإحساس الكاذب بالمصالحة، لئلا يعيش الإنسان في حالة خديعة لا يستيقظ منها الا بعد فوات الأوان ويكون هذا منتهى قصد العدو .

لذلك فلا عذر لنا البتة ان كنا لا نصالح الآخرين ، مهما كان السبب . إن كنت في عداء مع أي شخص كان ، ولأي سبب كان ، تذكر ان مسيحيتك وديانتك ، هي عبر العصور والأزمان ، ديانة المصالحة. 

مقالات متعلقة