الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 07:02

السياحة في مستنقع الوقاحة - بقلم: عمر رزوق

كل العرب
نُشر: 23/12/09 12:23,  حُتلن: 07:27

- عمر رزوق:

* القضية الأساسية التي تتناولها الهرمنيوطيقا هي إشكالية تفسير النص سواء أكان نصا تاريخيا أو دينيا


* لقد أصابتني الدهشة عندما قرأت المقال لكاتبنا العزيز , أسأل نفسي , هل كل من تخرّج من الجامعة أصبح مفكرا


* القرآن الكريم عند المتلاعبين بالنصوص والمتسترين بالإسلام من فئة العلمانيين التي تدعي رغبة التعمير ولا تعمل سوى التدمير للمجتمع الإسلامي ومقدساته

يا ليتك يا أبو زيد ما غزيت

إن القارئ للمقالة " نصر حامد أبو زيد .... لست وحيدا " يظن لأول وهلة أنه إما بطل همام ورجل سلام , أسطورة العصر ورائد الفكر , هو مخلّص الأمة الإسلامية من العصور الظلامية وهو محرر المسلمين من التشدد الأصولي الظالم المتخلّف , هو الناطق باسم الحرية وهو المدافع عن الديمقراطية . هو حامل لواء حرية الرأي والتعبير والمناهض لجماعة الكفر والتكفير .
لقد أصابتني الدهشة عندما قرأت المقال لكاتبنا العزيز , أسأل نفسي , هل كل من تخرّج من الجامعة أصبح مفكرا , وهل كل من ألمّ بعلم معيّن أًصبح رائدا , وهل كل من يتطاول على الدين وحصرا على الدين الإسلامي أصبح تنويريا , هل كل من طالب بسفور المرأة وعرْض لحمها وشحمها على المارة أصبح تقدميا ؟؟؟!!!
من هو نصر أبو زيد وما هي حقيقته وحقيقة أفكاره ومواقفه , كما أشار كاتبنا العزيز : " وينتمي الى نخبة ورهط من المفكرين والأكاديميين والمثقفين التنويريين الليبراليين المجددين، كمحمد أركون وجلال صادق العظم وسيد محمود القمني وجورج طرابيشي وهاشم صالح والغفيف الأخضر وفاطمة المرنيسي ورجاء بن سلامة وسواهم كثر" . لقد نادى نصر أبو زيد بإخضاع القرآن الكريم لنظرية " الهرمنيوطيقا " وهي نظرية مادية تنكر الخالق والوحي الإلهي , على أنه إفراز بيئي أسطوري , ناتج عن المعرفي التاريخي الغارق في الأسطورة , بدأ استعمالها في الدراسات اللاهوتية لتشير لمجموعة المعايير التي يجب على المفسّر إتباعها لفهم النص الديني " الكتاب المقدس " .
والقضية الأساسية التي تتناولها الهرمنيوطيقا هي إشكالية تفسير النص سواء أكان نصا تاريخيا أو دينيا . من علماء هذه النظرية المتبحرين بها الألماني شلير ماخر وويلهلم ديلش ومارتن هيدجر وجادامر . لنرَ ما يقول أبو زيد في كتابه " إشكاليات القراءة وآليات التأويل " ص 49 يقول أبو زيد " وتعد الرمنيوطيقا الجدلية عند جادامر بعد تعديلها من خلال منظور جدلي مادي , نقطة بدء أصيلة للنظر إلى علاقة المفسر بالنص لا في النصوص الأدبية ونظرية الأدب فحسب , بل في إعادة النظر في تراثنا الديني حول تفسير القرآن منذ أقدم عصوره وحتى الآن ".
لقد طالب أبو زيد يا سيدي العزيز بالتحرر من قوة سلطان "النصوص" وأولها القرآن الكريم . لا تتهمني بالادعاء فإني لا أنظر للناس بازدراء , فأبو زيد الوحيد الفريد قال " القرآن هو النص الأول والمركزي في الثقافة " النص . السلطة , الحقيقة ص 19. " لقد صار القرآن هو " نص " بألف ولام العهد " مفهوم النص ص 27 " هو النص المهيمن والمسيطر في الثقافة " نفس المصدر والصفحة , واستمر أبو زيد الشجاع بهجومه الجريء مطالبا بالتحرر من هيمنة القرآن " وقد آن أوان المراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرر لا من سلطة النصوص وحدها , بل من كل سلطة تعوق مسيرة الإنسان في عالمنا , علينا أن نقوم بهذا الآن وفورا قبل أن يجرفنا الطوفان ". إن القرآن الكريم بنظر " المتبحر في التراث الإسلامي " بأن النص ( القرآن الكريم ) في حقيقته وجوهره منتج ثقافي ..... ويتابع " إن القول بأن النص منتج ثقافي يكون في هذه الحالة قضية بديهية لا تحتاج إلى إثبات ". مفهوم النص ص 24
الدكتور علي حرب , شريك أبو زيد بعلمانيته ماذا يقول معلقا على موقف أبو زيد , في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ " العلمانية " في عالمنا العربي والإسلامي , يقول علي حرب " يستهدف أبو زيد , بالنقد والتحليل , خطاب الوحي ,بجعله مادة لمعرفة نقدية عقلانية , شأنه بذلك شأن أي خطاب بشري وأي إنتاج معرفي .. مستلهما موقف طه حسين الذي اعتبره أبو زيد الفدائي الأول في مقاومته للنظرة التقديسية إلى النصوص الدينية ". نقد النص لعلي حرب ص 201 ويزيد علي حرب عن أبو زيد " كان أولى به أن يسمي هذا الكتاب " نقد النص " إذ هو يتناول فيه القرآن وعلومه تناولا تحليليا نقديا .. أجل إنها لجرأة بالغة أن يتعامل باحثنا مع النص القرآني بوصفه " منتجا ثقافيا " أنتجه واقع بشري تاريخي ".نقد النص ص 200 , هنا الكثير من " العلماء والمفكرين " الذين طالبوا بالتحرر من النصوص الدينية الإسلامية ( ليتبعوا النصوص الأمريكية الأوروبية الماركسية الهيجلية والفرويدية ) ويمدح علي حرب وأبو زيد مثله هذه الطائفة العلمانية في نقد الوحي القرآني أمثال من أتى بأسمائهم كاتبنا العزيز وأضيف عليهم أدونس ونصر حامد أبو زيد .
جورج طرابيشي مفكر العصر والزمان ومنقذ بني علمان يقول " منهج الإسقاط الأيديولوجي يتنطع أكثر من الفهم أو عدم الفهم , فهو ينصّب نفسه جرّاحا يريد إخضاع التراث لعملية جراحية ليستأصل منه ما يعتقد أنه أورامه الخبيثة , وتراءى لنا , من وجهة نظر تاريخية , أن قصب السبق في مداورة المنهج البضعي أو البتري يعود إلى المثقفين والباحثين الملتزمين بالرؤية الماركسية للعالم ". مذبحة التراث ص 11 . يروي طرابيشي عن نفسه من داخل الماركسية " فلقد كان لكاتب هذه السطور , هو أيضا طور ماركسي في تطوره الفكري " ولا يعني طرابيشي ضبطه هؤلاء الماركسيين متلبسين بالتلاعب بالتراث أنه معنا داخل الأسوار فهو أولا ليس مسلما ثم ماركسي ثم فرويدي .
إن الناتج الفكري لمفكر العصر نصر أبو زيد هو إدخال وحشر التصور الماركسي ومضمون المادية الجدلية وتفسيرها للكون والإنسان وأسس العقيدة الإسلامية في المعنى القرآني فيصير القرآن ماركسيا يعبّر عن ماركس والفلسفة المادية الجدلية والهرمنيوطيقا فيغير المفاهيم الرئيسية للقرآن ويطمس المعاني للسور والآيات ويلغي الحقائق الدينية التي رسّخها القرآن الكريم وبينتها السنة الشريفة .إن ما فعله أبو زيد هو ما يفعله الماركسيون العرب إحياء لموقف فلاديمير أيلتش أوليانوف "لينين " الذي وظّف التراث في الصراع الأيديولوجي فلينين على حد قول جورج طرابيشي "هو أول من دعا إلى التعاطي مع التراث بمنهج البتر والقطع من خلال مناقشاته في مطلع القرن الماضي مع الشيوعيين الروس فلينين لم يهمه من التراث حقيقته التاريخية بل قابليته للتوظيف في الصراع الأيديولوجي " مذبحة التراث ص 11
إن القرآن الكريم عند المتلاعبين بالنصوص والمتسترين بالإسلام من فئة العلمانيين التي تدعي رغبة التعمير ولا تعمل سوى التدمير للمجتمع الإسلامي ومقدساته , إن القرآن الكريم عندهم " قالب وإناء فارغ " لا ينطق بما أنزل الله تعالى وإنما ينطق مؤيدا لأيديولوجياتهم , يقول ما يقولون ويتكلم كما يتكلمون , وهو عندهم كما قال أبو زيد وعلي حرب , ينطق بكل المذاهب والفلسفات , أي أنه ليس له معنً ثابت , فمن شاء يجعله وجوديا , لا حرج أو ماركسيا , لا ضرر , صهيونيا , لا مشكلة , عبثيا , لا اعتراض !
إذن فالدكتور نصر حامد أبو زيد يتهم الوحي بأنه ليس له مصدر سماوي مقدس , وينفي عنه صفة الفوقية , لأنه خرج من الواقع ورجع للواقع وليس هناك إلا الواقع وهو ينص على ذلك بقوله " فالواقع أولا والواقع ثانيا والواقع أخيرا" نقد الخطاب الديني ص 130
يقول أبو زيد عن وعيه الجديد أنه " وعي ينقل الثقافة , كما نقل المواطن من حالة إلى حالة ومن مرحلة إلى مرحلة " الوعي الديني الغيبي الأسطوري إلى مرحلة الوعي العلمي " النص ، السلطة , الحقيقة 41 ص . ويزيد أبو زيد " إن خطاب التنوير فشل في إحداث التنوير " النص , السلطة , الحقيقة ص 41
كما انتقد أبو زيد عدم السماح بظهور الرموز الإسلامية في الأعمال الفنية, وقال: " كرهنا التمثيل من خلال التعبيرات الفنية لأن العمل الفني يجب أن يكون متكاملا, وبما أن الفن هو الحياة, والدين أيضا هو الحياة , فيكون أعداء الحياة هم الذين يحرمون الفن " . وهل يوجد فن إسلامي ؟! وهل الفن هو بتعري النساء على الملأ ؟! وهل عرض نساء عاريات مع قنينة الببسي فن , لماذا يجب إظهار شخص الرسول الكريم والصحابة لتتم رسالة الفن ؟!
هذا غيض قليل من فيض كثير عن حضرة الدكتور نصر حامد أبو زيد حامي حمى العقل والتفكير المدافع عن حرية الرأي تماما كسلمان رشدي , الداعي للتقدم والتنور والحضارة والتعلم , غني عن القول إن من دعى للحضارة والتعلم والتنوير وقام بها ورفعها أعلى الدرجات هم المسلمون والدين الإسلامي , ومن حطّها إلى الدرك الأسفل سوى أمثال أبو زيد وأركون والطرابيشي وأمثالهم في عصور انقضت , فما مبادئكم العلمانية إلا من بقايا التراث الإغريقي والفرنسي وباقي فتات المبادئ الأوروبية البائدة , وأخيرا وليس آخرا أقول : د. نصر حامد أبو زيد ..... لست وحيدا ..... في وحل العلمانية.

مقالات متعلقة