الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 03 / مايو 21:01

المحامي سمير حاج يرثي حبيب نشاشيبي عبر موقع العرب: هل غادر حبيب؟

كل العرب
نُشر: 22/12/09 10:40,  حُتلن: 12:02

( كلمة تأبين سوسنة عبلين المحامي حبيب أبراهيم نشاشيبي في كنيسة الروم الأرثوذكس في عبلين بتاريخ 19/12/09)

يا حبر الروح !

يا عود الند !

يا خميلة الطيب والمر والمسك واللبان.

يا مزمور المحبة ومزمار الحق ويا سفر الوفاء !

يا قوس قزح في يوم كانوني مطير !

يا رحيق الخزامى والسوسنات والعبهر !

يا نوتي الغسق والريح الصرصر !

يا لوعة التذكار وسحابة العمر.

مالحة ومرة في فمي هي الكلمات.

أستميحك عذرا ، على هذه الوقفة التي ما تخيلتها يوما، في الأحلام السريالية والمزعجة.
 

وقفة تذبحني فيها من الوريد إلى الوريد.
ما هذا الصمت الرهيب !!
أنعش أنت مسجى أمامي
وتريدني أن أقرأ رثاءك/رثائي
على مسمع من حابيته وحاباني!

سلام عليك! كيف لا أقرأك السلام!وأنت في كل مهاتفة تطرح علي تحيتك المعهودة
"سلام !".
ما زال منكبي حارا من احتكاك منكبك أيها المشّاء والسيّار!.

أيها الباسم كالربيع وكثغر الأقحوان.
من أين أبدأ ؟... من ذاك الطفل الذكي الشقي الذي يحل وظائفه المدرسية في قارعة الطريق..درب عودته إلى البيت،ويقضي وقته راكضا وراء كرة جلدية ..ثم يتأبط
شهادة رسمت فيها أعلى علامات الأمتياز !
ألى تلك الزهرة الشذيّة النديّة..طالب الحقوق المميز..مفخرة والد قضى حياته يطحن الصخرلاستلال لقمة العيش..ووالدة سهرت لتربّي وتعطف وتعلم شجيرات خضيلات.
ثم إلى المحامي الثقة ، الحاذق العارف بكل شاردة وواردة قانونية.
أعرف وأعترف أنني تعلمت منك الكثير الكثير..ولو طال النهار معك لجلست على كرسي المستقبل الأثيل.

الربيع لم يزهر بعد في عينيك!
وبلابل الفجر لم تغرّد بعد في شفتيك!
وكنارة القلب(مريان) ما أكملت حفظ الأناشيد المدرسيّة!

أيها المتواضع كعبّاد الشمس! كسنابل الحقل الملآى بالحبوب !

أيها البشوش الطيّب والطموح.. والمحبّ للناس ! لو تعرف كم نحبّك! بكتك القلوب قبل العيون.

بطاقة هويتك: الأنسان هو كنز الأرض وملحها الباقي.

أيها المسافر قبل ميعاد التذكرة وأقلاع الطائرة بكثير من الوقت..مشيت على المسامير والأشواك كثيرا في السنة الأخيرة..وحين هزمت الداء، عادت البسمة إلى محيّاك، فأزهرت قلوبنا وقلنا عاد الربيع،لكن لم يجىء بعده ربيع، لأن مواسم الفرح
قصيرة ومواسم الحزن ثقيلة وطويلة.

أعرفك قلب طفل يفيض محبة،وحكمة عجوز مجرب،وعقل رجل حكيم.

وأعرفك لا تحب البكاء! كما لا تحب الأطلاء وكيل المديح! وتحب كتمان الأسرار..
لكن كيف تهاتفني المهاتفة الأخيرة،قبل يومين من سفرك إلى القدس للاستشفاء،قائلا
بأن الحرارة العالية تلازمك رغم الدواء،وترفض اقتراحي بأن أرافقك إلى المستشفى
بتعليل التلوث في المستشفيات، وأن هذه حالة عابرة،ثم تسافر بسيارتك سائقا إلى القدس،وهناك تنساب في عين كارم-بلد القديس يوحنا المعمدان،مع غيمة مقدسية ،في غيبوبة لا صحوة منها.

أيعقل أن تذهب بعيدا وحيدا وتعود :
حاسر الرأس
ذابل العينين
مسدل الشفتين !!

هل خذلك الطبّ والأطباء ؟أم أنها الدنيا الأفعى التي تلدغ محبّيها،وتأكل أبناءها.
أم أن الله يجرب خائفيه،وأنت ورفيقة الدرب، زوجتك المخلصة الوفية منال، ذرعتم أزقة القدس العتيقة وبيت لحم،زائرين ومصلّين وموقدين الشموع في كل الكنائس والأديرة وبيوت العبادة طلبا للخلاص..والشفاء. وكان ما كان.

عزاؤنا الوحيد ذكراك العطرة ومسيرتك المشرّفة..وحكمة الحياة:
كل ابن أنثى وأن طالت نعامته يوما على آلة حدباء محمول

ليطوّب تذكاره !

مقالات متعلقة