الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 12:02

الرسالة التي لم تصل! - بقلم: وديع أبو نصار

كل العرب
نُشر: 12/11/09 18:35,  حُتلن: 12:08

* إسرائيل تخشى استقالة الرئيس عباس التي قد تفضي إلى حل السلطة الفلسطينية أو تحدث فوضى معينة ليس بالضرورة لأنها تحترم الرئيس عباس

* إسرائيل معنية ببقاء السلطة في الضفة كما أنها معنية ببقاء سلطة ما في قطاع غزة لكي تتنصل من "عبء" التعامل مع أكثر ثلاثة ملايين مواطن فلسطيني

سارع العديد من المسؤولين العرب والدوليين إلى الاتصال بالرئيس محمود عباس بعيد إلقاء خطابه الخميس الماضي لحثه على العدول عن قراره عدم الترشح لولاية ثانية لرئاسة السلطة الوطنية في حال حصول انتخابات عامة في الضفة الغربية وقطاع غزة. كما سارع العديد من المواطنين الفلسطينيين، لاسيما أولئك المحسوبين على حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) إلى الخروج في مظاهرات طالبت الرئيس عباس بالعدول عن قراره المذكور، وقد أجمع هؤلاء مع من اتصل بالرئيس على أن الرئيس عباس هو المرشح المفضل في الظروف الحالية لمواصلة ترؤس السلطة الفلسطينية.
أما في إسرائيل فقد جاءت الردود متباينة، حيث في حين امتنع أغلبية المسؤولين عن الادلاء بدلوهم حول قرار الرئيس ، سرب "مصدر رفيع المستوى" من مكتب رئيس الحكومة الاسرائيلية ما مفاده بأن إسرائيل تفضل بقاء الرئيس عباس على رأس السلطة الفلسطينية، في حين تهكم وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان على الرئيس عباس ملمحا وكأن تأثير خطاب عباس على إسرائيل يكاد يكون معدوما.
بالرغم من ذلك، فإن بعض المؤشرات تدل على أن المسؤولين الإسرائيليين فهموا الرسالة المتعلقة بقرار الرئيس المذكور، أي أن إعلان عدم الترشيح قد يكون خطوة نحو استقالة محتملة أو على أقل تقدير تهديد جدي بالاستقالة وهو الأمر الذي تخشاه إسرائيل كما يخشاه سواها.
فإسرائيل تخشى استقالة الرئيس عباس التي قد تفضي إلى حل السلطة الفلسطينية أو تحدث فوضى معينة ليس بالضرورة لأنها تحترم الرئيس عباس، بل إن إسرائيل معنية ببقاء السلطة في الضفة كما أنها معنية ببقاء سلطة ما في قطاع غزة لكي تتنصل من "عبء" التعامل مع أكثر ثلاثة ملايين مواطن فلسطيني في الضفة والقطاع.
غير أن المؤسف في الأمر أن الرسالة الهامة التي وجهها الرئيس عباس في خطابه إلى الحكومة والشعب في إسرائيل لم تصل إلى أهدافها، حيث تجاهلها الساسة والإعلام ومن ثم لم يسمع عنها أغلبية المواطنين في إسرائيل.
فقد وجه الرئيس عباس في القسم الثاني من خطابه رسالة إلى الإسرائيليين تحدثت عن ضرورة الالتزام ببعض المبادىء والمرجعيات في العملية التفاوضية ملخصا إياها بثمانية نقاط على النحو التالي:
١- قرارات الأمم المتحدة بشأن الصراع، وخارطة الطريق ومبادرة السلام العربية، ورؤيا حل الدولتين على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338 و1515، مع الاستفادة من كل تقدم حصل في المفاوضات في كامب ديفيد وطابا وأنابوليس.
٢- الحدود تستند إلى الوضع الذي كان سائداً ما قبل الرابع من حزيران 1967، وإمكانية إجراء تبادل للأراضي بالقيمة والمثل دون المساس بالحقوق المائية أو التواصل الجغرافي والربط ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
٣- القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين مع ضمان حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة.
٤- حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين كما ورد في مبادرة السلام العربية التي أصبحت جزءا من خارطة الطريق.
٥- لا شرعية لبقاء المستوطنات فوق أراضي الدولة الفلسطينية.
٦- ترتيبات أمنية يقوم بها طرف ثالث على الحدود ما بين دولتي فلسطين وإسرائيل.
٧- حل قضية المياه حسب القانون الدولي، وحق الدولة الفلسطينية في السيطرة على مصادرها المائية، وعلى أجوائنا وكل ما نملك فوق الأرض وتحت الأرض، والسعي لتعاون اقليمي في مجال المياه.
٨- إغلاق ملف أسرى الحرية، وإطلاق سراحهم جميعا."
إن قراءة عميقة ومتأنية لهذه النقاط تدفع إلى الاعتقاد بأنها ليست فقط ضرورية عند مخاطبة الإسرائيليين بل بأنها "قابلة للتسويق إسرائيليا"، ما يعني بأنه يمكن تجنيد تأييد واسع إن لم يكن غالبية لها في صفوف الإسرائيليين.
وبالتالي، ليس صدفة أن يتجاهلها معظم الساسة في إسرائيل، لأن ترجمة هذه الرسالة لهم قد تعني حصارا سياسيا إضافيا عليهم ليس فقط من المجتمع الدولي بل ربما أيضا من بعض أوساط المجتمع الإسرائيلي.
وهنا لا بد من التذكير بأن النجاح الأبرز للانتفاضة الفلسطينية الأولى كان من خلال تجنيد رأي عام داعم للفلسطينيين داخل المجتمع الإسرائيلي إضافة إلى التأييد الذي جندته في المجتمع الدولي مما اضطر رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية والتوجه نحو تسوية سياسية معها.
لذلك، ومع أهمية قرار الرئيس عباس بعدم الترشح في الانتخابات المقبلة، وهي الرسالة التي وجهت بالأساس إلى الإدارة الأمريكية "التي تقوم بمحاباة إسرائيل على القيام بدور الوسيط النزيه بين إسرائيل والفلسطينيين، على حد تعبير الرئيس عباس؛ إلا أن الرسالة التي لا تقل أهمية في خطاب الرئيس كانت تلك التي وجهت إلى الإسرائيليين.
من ثم، وبغض النظر عن الموقف من ترشيح الرئيس في الانتخابات من عدمه، إلا أن هنالك حاجة ماسة ليست فقط فلسطينية بل أيضا عربية وحتى دولية لتظافر الجهود من أجل فرض "حصار سياسي" على حكومة إسرائيل الحالية التي تفضل "دفن رأسها بالرمال" بدلا من مواجهة الواقع والتعامل بعقلانية ليس فقط من أجل منح الشعب الفلسطيني حريته بل أيضا من أجل ضمان أمن إسرائيل بصورة أفضل.
فلا يكفي أن يقوم من يرغب باستقرار السلطة الفلسطينية بدعوة الرئيس عباس إلى ترشيح نفسه في الانتخابات القادمة بل يجب فحص السبل المتاحة من أجل مساعدة الرئيس في إيصال رسالته إلى الإسرائيليين، سواء من خلال العمل الإعلامي والسياسي والجماهيري، لأن الرأي العام الإسرائيلي يبقى لاعبا مركزيا في تقرير مصير الفلسطينيين

مقالات متعلقة